خصائص التدين عند الشباب
تبرز لدى الإنسان عند دخوله مرحلة الشباب المشاعر الدينية بصورة قوية، ويتجلى ذلك من خلال حب الشباب للدين، والسعي من أجل فهم القضايا الدينية، والتفاعل مع كل ما يرمز إلى الفكر الديني بجدية.
وفي مرحلة الشباب تتفتح وتستيقظ جميع الغرائز عند الإنسان؛ فمن جهة تبرز عند الشباب وبقوة الغرائز والميول المادية، ومن جهة أخرى تبرز وتتفتح لديه الغرائز والميول والرغبات الروحية والمعنوية.
«تكشف تحولات البلوغ الثائرة عن جميع الفطرات الكامنة في وجود الشاب، وتبرز كل الاستعدادات الطبيعية إلى حيز الفعل، فبحلول البلوغ تتفتح في الشاب الرغبات الغريزية من جهة، وتستيقظ فيه الميول الروحية والضمير الأخلاقي من جهة أخرى، وكما أن الدافع الغريزي يحرك الشاب لإرضاء رغباته النفسية، كذلك فإن الدوافع الروحية تحثه على إشباع الميول المعنوية» [1] .
ومن الحكمة البالغة أنه تتفتح كل الغرائز المادية والمعنوية في نفس المرحلة وهي مرحلة الشباب بحيث يمكن للشاب أن يحقق توازناً في شخصيته بين ميوله المادية وميوله المعنوية؛ وهذا التوازن بين المادة والروح شيء ضروري لبناء الشخصية المتوازنة والسوية.
يعتبر التدين عند الشباب من أهم العوامل التي تساهم في بناء شخصياتهم بصورة إيجابية؛ إذ يساهم الدين في كبح شهوات الشاب التي تكون في أوج قوتها وعنفوانها في مرحلة الشباب. كما يساهم الدين في تقوية الإرادة، وبناء الثقة بالنفس، ووضوح الهدف، وطمأنينة النفس، وقوة العزيمة.. وهي عناصر أساسية في بناء الشخصية.
ويمكننا أن نحدد أهم خصائص التدين عند الشباب في النقاط التالية:
يميل الشباب إلى حب الدين، والانجذاب نحو القيم الروحية والأخلاقية؛ وذلك بفعل شعور الشباب بالحاجة إلى الدين، كما أن الإنسان مفطور على اعتناق الدين كما قال تعالى مشيراً إلى هذه الحقيقة: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[2] ، فالإنسان مفطور على الانتماء إلى الدين ولكنه قد ينحرف عن تلك الفطرة بفعل عوامل خارجية مؤثرة تدفعه نحو الانحراف والسقوط في هاوية الشهوات والغرائز.
وقد أكد علم النفس الحديث على حب الشباب للدين، يقول «موريس دبس»: «إن جميع علماء النفس متفقون على وجود علاقة بين أزمة التكليف وبين القفزة المفاجئة في المشاعر الدينية، في هذه الأوقات يشاهد حدوث نوع من الانبعاث الروحي حتى لدى أولئك الأشخاص الذين لم يكونوا متقيدين بالمسائل الدينية» [3] .
إن حب الدين والانتماء إليه والشعور بالحاجة إليه تبدو عند الشباب بصورة قوية جداً وذلك لوجود «الغريزة الدينية» التي أودعها اللَّه سبحانه وتعالى في شخصية الإنسان. أما ما نلاحظه من انحراف بعض الشباب عن تعاليم الدين وقيمه ومفاهيمه فهو ناتج من اتباع الهوى، وضعف الإرادة مما يجعل بعض الشباب ينساق وراء غرائزه الشهوانية من دون ضوابط ولا قيود. ولكن حتى مثل هؤلاء الشباب سرعان ما يعودون إلى الدين بعد فترة من الطيش الشبابي، لأن الإنسان - أي إنسان - لا يمكنه أن يعيش بسعادة وراحة وصحة من دون دين.
في مرحلة الشباب يتشكل ويتبلور وعي الإنسان وفكره في جميع الأمور، ومن أهمها: تبلور الوعي الديني؛ فعادة ما يكون عند الشباب اهتمام واسع وقوي لمعرفة القضايا الدينية، وفهم القيم الروحية والأخلاقية، واستيعابه المعارف الدينية. ففي حين لا يدرك الطفل أبعاد الدين، ولا فلسفة الأحكام الدينية يكون لدى الشاب القدرة على فهم ذلك واستيعابه نتيجة لارتفاع الفهم والإدراك في مرحلة الشباب، ونمو الحس الديني في هذه المرحلة المهمة من حياة الإنسان.
«ويبلغ الميل الفطري للشاب نحو الدين من الشدة بحيث قال عنه علماء النفس: إن هناك علاقة لا يمكن نفيها بين أزمة المراهقة والوثبة الدينية، وحتى أولئك الأطفال الذين يترعرعون في أسر بعيدة عن الدين والإيمان يبدون في مرحلة البلوغ ميلاً أكثر نحو القضايا الدينية.
إن الانتماء إلى الدين هو أحد الرغبات الفطرية البشرية الذي يستيقظ بحلول البلوغ في ضمير الشاب حاله حال غيره من الميول الطبيعية، ويدفعه إلى السعي والتحرك. وللشباب رغبة طبيعية ماسة لفهم القضايا الدينية، ويصغي إلى الأحاديث الإيمانية بكل شوق وعن طيب خاطر» [4] .
ومن أجل بلورة الوعي الديني بصورة صحيحة عند الشباب ينبغي لهم قراءة أمهات الكتب الدينية، ومجالسة أهل العلم والرأي، وعمل حلقات لمناقشة القضايا الدينية بصورة عميقة. كما يجب على العلماء أن يقدموا أجوبة مقنعة على كل الشبهات والردود التي توجه ضد الإسلام والدين، كما يجب أن تقدم مفاهيم الدين وتعاليمه إلى الشباب بصورة عصرية بحيث يُقبل عليها، ويتفاعل معها، ويتأثر بها.
ومن أهم خصائص التدين عند الشباب هو الحماس الديني، ويتأثر الحماس الديني بالخصائص الانفعالية للشباب، كما يتخذ أشكالاً مختلفة من العلامات والمظاهر، وقد يكون الحماس بشكل جماعي أو في صورة أفراد.
ومما يجب قوله هنا هو أنه يجب الاستفادة من الحماس الديني عند الشباب في توجيههم نحو مجالات وأفعال الخير والصلاح، وزيادة فاعليتهم العملية والإنتاجية، وتقوية إرادتهم وعزائمهم فيما يخدم قضايا المجتمع والأمة. كما يجب الاستفادة من الحماس الديني عند الشباب بدفعهم نحو الفهم الصحيح لقضايا الدين، والاطلاع الواسع والعميق على مفاهيم الدين. فالشباب عندما يكون متحمساً يكون مهيئاً للتعليم والتربية والإصلاح، وممارسة العمل الديني بجد وإخلاص.
وقد يكون الحماس الديني عند بعض الشباب متوجهاً في الاتجاه السلبي، وذلك عندما يكون الحماس في عنفوانه مع فهم سطحي للدين، وادعاء الحقيقة المطلقة، ورفض الآخر من نفس الدائرة الإسلامية.
ولتلافي ذلك، يجب توجيه الشباب، والاستفادة من الحماس الديني الموجود عندهم في الاتجاه الإيجابي، وإلا قد يتحول إلى حالة من التطرف والغلو في الدين خصوصاً إذا لم يتلقَ الشباب تربية دينية واعية، ولم يوجد من ينمي لديهم الوعي الديني الصحيح.
ولذلك يتحمل العلماء والمصلحون والقادة مسؤولية عظيمة في توجيه الشباب وتربيتهم وإرشادهم نحو قيم وتعاليم الدين، وتنمية الوعي الديني الصحيح، والاستفادة من الاستعداد والتهيؤ النفسي الموجود عند الشباب بدفعهم نحو المزيد من العمل والعطاء والنشاط فيما يخدم المجتمع والأمة والحضارة.