دور علماء الأحساء في الحفاظ على النسيج الاجتماعي
إن الاختلاف بين البشر والتعدد في الآراء هي من سنن الله في خلقه منذ بدء الخليقة، وعلامة من علامات الرحمة، فمن مقتضى الحكمة الإلهية تباين الآراء واختلافها ولوسار الناس على نسق واحد لنعدم عنصر التطور الإبداعي بينهم ولله في ذلك الحكمة البالغة.
ومن أبرز مصاديق الاختلاف الخلاف المذهبي التي اقتضاها التاريخ الإسلامي وما نشأ فيه من تعدد توجهات وتيارات فكان هناك الشيعة والسنة وانحدر عن كلٍ منهما تيارات ومذاهب متباينة، ونتيجة لقلة الوعي في السابق نجم عن مثل هذا الخلاف آثار خطيرة من أبرزها:
تفكيك والتجزئة للوحدة الإسلامية.
بث بذور الفتنة والفرقة.
التاريخ الدامي بين مختلف الطوائف.
كيد أعداء الدين وإشعال نار الفتيل بين الطائفتين.
تدهور الحضارة الإسلامية وضعفها.
لكل مجتمع سماته وخصائصه العامة التي تكون واضحة وظاهرة للعيان تمثل الطبيعة العامة للمجتمع، بعيداً عن الحالات الفردية، التي لا تخلو من الشذوذ التي هي طبيعة النفس الإنسانية، وهي سمات يراها كل من اتصل بذلك المجتمع أو احتك به من الخارج، بحيث تفرقهم عن غيرهم.
والمجتمع الأحسائي طوال تاريخه أمتلك بعض الملامح العامة من أبرزها:
1 - صفاء القلب:
بمعنى إن الطابع العام على الأحسائيين لا يعرفون الحقد والعداوة وإثارة الشحناء مع الآخرين، وإنما قلوب يعمرها الحب وحسن الظن بالآخرين، ليس مع الأصدقاء فقط، بل حتى مع من يختلفون معه.
وهو أمر شهد به معظم من زار الأحساء واحتك بسكانها لذا امتلك الأحسائيون محبة ومودة لدى الكثير من الناس من المناطق المحيطة.
2 - قبول الآخر المتعدد:
نشأ في الأحساء جيل من العلماء الأبرار من أصحاب المنزلة الرفيعة في كلا الطائفتين عمل على تقويض الفتنة والسعي في بناء مجتمع متسالم متحاب عبر الغض عن نقاط الاختلاف التي لا يخلو منها بشر، والبحث عن مكامن الالتقاء والتي هي كثيرة جداً في المجتمع الأحسائي.
ونستطيع القول إن علماء شيعة وسنة قد أفلحوا في مرماهم إلى درجة كبيرة جداً حتى كانت - مسألة الوئام الطائفي - أمر ملاحظ من قبل الرحالة العرب والسمة البارزة في البلاد. يقول الرحالة الدمشقي السيد مرتضى بن علي بن علوان الذي زار الأحساء في بدايات القرن الثاني عشر الهجري في التاسع من شهر ربيع الثاني من عام 1121 هـ ، وتحدث خلالها عن مشاهداته الاجتماعية وطبيعة الوضع الطائفي في المنطقة وكيف يعيش الشيعة والسنة كالإخوة:
>إلى أن وصلنا الأحساء فإذا هي بلدة عظيمة البناء، واسعة الرحاب، كثيرة المياه، تشتمل على عيون جارية، وآبار معينة، ومساجد وعلماء وصلحاء، ورعايا الجميع سمة العرب، محصولها النخيل وجل غلالها التمر مع الرخص ومواشيها الإبل والبقر والحمير، وخيراتها كثيرة لأهلها، أصلح الله حالهم، ويذكرون أن نصف أهلها شيعة ونصفها سنة متحدين إتحاد الأهل من غير عناد، وكذلك قراها، وكافلها وواليها وحاميها يقال له الشيخ سعدون من عرب بني خالد، ووزيره شيعي يقال له الشيخ ناصر، وإنه من أولاد مروان بن الحكم، كما أخبرنا، وأجتمعنا ببعض أهل البلد من الفريقين وكل منهما راض عن الآخر، وذكروا لنا أن أسمها هجر وهي التي ضرب بها المثل «كناقل التمر إلى هجر» وإنما سميت الأحساء لحساء الماء فيها وتخلله في أرضها، ويقوم فيها سوق عظيم في نهار كل خميس وتأتيه أهل القرى من سائر الأطراف ويباع فيه سائر الأشياء، وقد اجتمعنا فيها برجل سيد يقال له ”السيد عبد الله بن السيد علي المشهدي“ ذكر لي أن أصلهم مشاهدة وصاروا من أهالي الأحساء من مدة مديدة وله همة عالية في قضاء حوائج الإخوان جزاه الله خيراً، وتقيد في مصالحنا وله بعض الجهود العلمية يسر الله أمره، واجتمعنا فيها برجل من أجلاء الإخوان يقال له الشيخ أحمد بن حصى من أفاضل العلماء، قائم بأعباء ومصالح إخوانه جزاه الله خيراً، وقد كانت إقامتنا بها خمسة وعشرين يوماً بدار خارج البلد يقال لها البرانية<.
ورغم ذلك فإن الأحساء منطقة ذات تاريخ علمي عريق لكل من الطائفتين الشيعية والسنية حيث كانت مهد للعديد من العلماء من كلا التيارين، ومن هنا كانت معرّضة لمختلف الفتن والضغائن التي قد يشعل فتيلها من لا يملك أفقاً رحباً من أبناء الطائفتين، ومن هنا كان لزاماً على العلماء التصدي لمثل هذا المنحى الخطير الذي قد يعصف بالمنطقة ويفتت قوتها ووحدتها أو ما يسميه البعض التسالم الاجتماعي في ظل التعددية والاختلاف.
3 - القدرة على التكيف:
جاب الأحسائيون الكثير من المناطق وحدثت لهم هجرات إلى مختلف الأقطار الإسلامية المحيطة بل والبعيدة، واستطاعوا التكيف مع تلك البيئة الجديدة، بل والعطاء فيها سواء على المستوى العلمي أو الاجتماعي.
فكان من المناطق التي هاجر إليها الأحسائيون: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، ونجد، الهند، والعراق وبلاد فارس والشام، والكويت والبحرين والإمارات وقطر، وعمان، فكان لهذا الوجود فاعلية وعطاء علمي.
4 - التعددية المذهبية:
إحدى السمات البارزة في المجتمع الأحسائي وجود التعددية فيها على مستوى تاريخي فالتركيبة الثقافية والمذهبية فيها يوجد فيها الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي والشيعي، مع امتلاك كل توجه مدارسة العلمية وأعلامه البارزين وهم جزء من ذلك الحراك العلمي الكبير.
وبرزت خلال المراحل التاريخية الأحسائية عدد من الأسر العلمية التي عرفت بنشاطها الديني وأصبحت محط أنظار الآخرين، هذه التعددية وسط محيط ودائرة واحدة ساهم في تقوية عنصر التعايش والانسجام بعد أن جمعتهم صحبة وجيرة وتتلمذ وروابط أسرية واجتماعية.
هذا العلاقة نجم عنها عدد من المظاهر العلمية والمواقف التاريخية التي تؤكد هذا الانسجام والألفة يمكن أن نلخصها في مجموعة من النقاط هي أس هذا البحث.
أولاً: المساجلات الشعرية:
دأب العديد من علماء الشيعة على تكوين علاقات وطيدة شيعية سنية فكانت هناك الزيارات والأخوانيات ولعل من أبرز شواهدها العلاقة التي كانت بين العلماء الكبار من الشيعة مع كبار علماء السنة والتي كان لها الأثر الحسن في التعايش السلمي بين الطائفتين، ومن نماذج هذه العلاقة:
أولاً: السيد السلمان والشيخ الكرود:
كانت بين الفقيه والمرجع الديني السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان، والذي كان إضافة لعلمه أديباً شاعراً، من جانب الشيعة، والشيخ الجليل محمد بن عبد الرحمن الكرود، من جانب السنة حيث كانت بينهم علاقة متينة، وزيارات متبادلة وجلسات مختلفة، ومسامرات أدبية وشعرية عديدة منها ما قاله السيد ناصر مؤرخاً تأريخ بناء بستان لصديقه الشيخ الكرود:
سرت بوجيف تحث السرى
لقوم بهم ينجلي الغيهب
نجائب أرست بربع العلى
وناد به الجود يستعذب
به عاشقات الهوى كالدجى
وأزهارها أنجم تلهب
يغني النسيم بأغصانها
فيرقصها صوته المطرب
ومن تحتها قد جرت أنهر
كصبح دجاها بها يثقب
وناهيك في الحسن حمامة
بزهرته من يرى يعجب
به الغم يذهب إن جئته
فأرخ «بزهرته يذهب»
ولم تقتصر العلاقة للسيد ناصر السلمان مع الأب الشيخ محمد الكرود، بل علاقة متينة شيدت عبر السنين ربطت السيد السلمان، بابن الشيخ الكرود؛ الشيخ علي بن الشيخ محمد الكرود، والذي كان إمام جماعة في الأحساء وحافظ على علاقات والده حياً وميتاً، فكان من ثمار هذه العلاقة بين السيد والشيخ، أن أنشأ السيد ناصر في مدح صديقه الشيخ علي والتي منها:
البشر أقبل والأفراح تبتدر
واليمنُ غضن المبادي يانع نضرُ
وغرد الورق في دوح الهنا طرباً
فاستشعر البشر طُرّاً أيها البشرُ
هذا عليٌ الذي فاق الورى شرفاً
بذكره قد أقر البدو والحضرُ
من ذا يساوي علياً في شمائله
وما حوت مثله الأشباح والصورُ
محمد طيب الأعراف والده
والروض ينمو إذا ما عاده المطرُ
وهذا شاهد حي على ما للعلاقات من إخماد نار الفتنة وتقوية أواصر الأخوة والمحبة بين الطرفين.
ثانياً: بين الشيخ محمد الجبران والشيخ محمد العبد القادر:
وفي أحد الأيام جاء الشيخ محمد الجبران من سكنة المبرز إلى المحكمة لستلام صك له، وكان القاضي الشيخ محمد بن عبد الله العبد القادر، ولكن العسكري لجهلة بالشيخ الجبران وعلاقته بالشيخ العبد القادر رفض إدخاله عليه وتذرع أن الشيخ منشغل وأن عليه المجيء في وقت آخر.
وبعد محاولات يائسة من الشيخ الجبران أنزوا لدقائق، وجاء بورقة صغيرة طلب من العسكري إيصالها للشيخ القاضي، فأدخلها وعندما وقعت في يد الشيخ العبد القادر وقرأها وإذا فيها:
يا أصدق الناس وعداً عندما يعد
تاج المعالي على علياك ينعقد
يا أعلم الناس بالأحكام قاطبة
معالم الدين من إجهادكم جدد
من فضلكم لي صك قد وعدت به
يا أصدق الناس وعداً عندما يعد
عندها نهر العسكري وأمره بإدخال صاحب الرسالة فوراً، وأجلس الشيخ الجبران بقربة وطلب منه زيارته في منزله مساءً.
محاربة دعاة الطائفية
لم تكن المنطقة خالية من دعاة الفتنة والصراع الطائفي بين الطرفين عبر إثارتها بشكل مباشر تارة، واستخدام الخداع والمكيدة تارة أخرى إلا أنها لم تجني ثمارها في كثير من الأحايين وذلك بفضل الوعي الذي كان يمتلكه العلماء في المنطقة وإدراكهم للمغزى وراء إثارة مثل هذه الفتن، وقد سجل لنا التاريخ واحدة من أبرز هذه الحوادث التي وقعت في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري، عندما حاول أحد الأطباء العثمانيين في المنطقة يدين بالمسيحية تأجيج الصراع بين الشيعة والسنة وقد التفت لهذا العمل المرجع الديني الفقيه الشيخ محمد بن الشيخ حسين آل أبي خمسين «ت1316 هـ ».
فكان هناك التصدي الجماعي لقمع مثل هذا العمل المشين حيث تم كتابة وثيقة لعرض المشكلة وإرسالها إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بعد ختمها بعشرات التوقيعات من أعيان المنطقة تعبيراً عن حسهم الجماعي لاستنكار مثل هذه التصرفات وذلك لاتخاذ اللازم وإليك نص الوثيقة وبعدها سنعقب بالأبعاد التي تعطيه مثل هذه الوثيقة الهامة:
>إلى إمام المسلمين سلطان السلاطين عصره وخاقان ……حافظ قواعد الملة والدين … وكاسر شوكة أهل الضلال أعلا الله دولته وأدام سلطنته السلطان بن السلطان والخاقان بن الخاقان سلطان البرين وخاقان البحرين إمام الحرمين عبد الحميد خان نجل المرحوم المغفور له … السكون في غرف الجنان السلطان عبد المجيد خان نصره الرحمن على حزب الطغيان طول الزمان آمين اللهم آمين.
الحمد الله الملك العلام ذي المن والفضل والعطايا العظام المتفرد بالقدم والدوام المتعزز قدسه … عن إدراك لطائف الأوهام المتعالي عظم جلاله عن أن يدنو حول حرم كبريائه دقائق الأفهام المتجلل شأن عظمته عن أن تحيط به بسيط الأحلام المقدس جلالة قدره عن أشعار افئدة الأنام لآنه سبحانه سبحانه كان لامن شيء كان إذ لا كان ولا من شيء كون ما قد كان ولا لشيء يكون نفعه راجعاً إليه سبحانه لغنائه بذاته عن أن يصل إليه النفع من ذاته فكيف لا يكون غنياً عمن سواه لأنه الأحد الصمد المستقل بنفسه إلى الأبد وإنما … الكائنات إظهار … فضله وجوده ولنشر فيوضات نعمه عليها ليشرف بآثار مشيئته وبآياته المضروبة في الواح الأفاق وانفس خليقته لأنه عز وجل أحب أن يُوحّد ويعرف ويوصف على المهج بالتقديس والتنزيه كما أفصح عن ذلك بأوضح التنبيه محكم القرآن لذوي البصائر … وهو: وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون، أي ليعرفون لكون العبادة فرع المعرفة بالضرورة لدى أولى المعرفة وقد صرح بذلك حديث القدس: >كنت كنزاً مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف<، فسبحان من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه فلا يعرف ما هو، ولا كيف هو، ولا أين هو، إلا هو، لأن معرفة الذات المقدسة من حيث هي هي مستحيلة على جميع من في حيز الإمكان بالضرورة لكونه سبحانه أزلي احدي صمدي ولا يزول عن ذلك إلى الأبد إذ لا يعتريه تغيير وانتقال من حال إلى حال ولذلك انقطعت النسب والإضافات بينه وبين خليقته فصار طريق معرفة حقيقته من حيث الكنه عمّا سواه مسدود كما صرح بذلك الجليل في محكم التنزيل وهو: ﴿ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ الآية. وقد افصح عن ذلك سفيره في الأكوان عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلوات. وقال: رجع من الوصف إلى الوصف ودام الملك في الملك وعمى القلب عن الفهم والفهم عن الإدراك وهجم له الفحص على العجز والأياس على الفقد، الطريق مسدود والطلب مردود ودليل معرفته آياته ووجوده إثباته بما دلّ على نفسه من صفات قدسه فلا تحوم … العقول حول جلال عزه وقدسه بالضرورة نحمده سبحانه حق حمده حمداً لا منتهى لحمده ولا نهاية لعده حمداً خالصاً عن شوائب الامكانية لائقاً بجلال قدس الأحدية حمداً ارتضاه ثناءً لنفسه حمداً يدوم بدوامه … ونشكره على ما أسبغ علينا من الإنعام شكراً يقصر عنه شكر كل شاكر حيث خصنا بالإسلام ومنّ علينا بأن جعلنا من أمة سيد الأنام عليه وعلى آله وصحبه الكرام أفضل الصلوات والسلام، ونشهد له بالوحدانية والعدالة والعظمة والقدرة والجلالة كما شهد لنفسه وشهدت له ملائكته وأولوا العلم من جنه وأنسه لا آله إلا هو العزيز الحكيم ونشهد لمحمد بالنبوة والرسالة والعصمة والنبالة وأنه قام بأعباء الرسالة وشيد أركان الهدية والدلالة وبالغ في الإنذار والإعذار حتى اتضح المنار ودعى إلى طاعة العزيز الغفار ليلاً ونهار بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً ونصح له في السر والعلانية ودعى إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة حتى استقام به العوج واستبان به النهج كما أراده الله فصلى الله عليه من رسول ما كان اقومه لمراسم العبودية واحمله لأعباء الرسالة وانصحه لأمته خوفاً عليها من الضلالة وعلى عترته العلوية ذوي العقول القدسية وعلى صحبه ذوي النفوس الزكية صلوة تدوم لنا نفحاتها وتشملنا بركاتها …… النجوم في سمواتها وستجت الملائكة على أرجائها ونبتت النجوم فلواتها.
أما بعد: فإن من عناية الله أن جعلنا يا أهل هجر تحت لواء مولانا المؤيد المنصور الذي سعيه عند الإله مشكور برعاية العالم …… بذلك الممدوح بكل لسان المحفوظ بعين عناية الرحمن الذي ثلج بحبه كل جنان الذي عرج علمه الأسنى في سماء العنوان ذاك مولانا أمير المؤمنين.
لا زال رواق عدله ممدوداً على أهل الإسلام ونطاق فضله مشدوداً على الخاص والعام ولا انفك مرفوعاً له على الأعلام الأعلام ما نحت بالصرير الأقلام وجعل له من لدنه سلطاناً نصيراً ولا جعل لأعدائه عليه ظهيراً وجعل كعبه على هام أهل الفجور والبغي والجور، وعلاّ اقباله العزيز الغفور وبلغه في النشئتين غاية أمانيه وآماله، وشكر سعيه وأفعاله آمين اللهم أمين. ثم بعد ذلك اعلام الحضرة العليا رفعت أعلامه في الأقطار واعلا مقامه في دار القرار بحرمة النبي المختار وآله وصحبه الأطهار الأبرار، بأنا كنا يا أهل هذا القطر من قديم الدهر إلى الآن فئتين مؤتلفتين ليس بيننا منافرة بالكلية لا سيما بعد شمول الدولة العلية إلينا بأنفاسها المرضية لان الألفة السابقة التي كانت بيننا ازدادت ألفة بسبب انتشار العدل والأنصاف من الدولة العلية وإفشاء الحرية بين الرعية فعمتنا منها النعمة والرحمة وصرنا في رفاهية خصوصاً بعد ورود التوقيع من الحضرة العليّة نصره رب البرية بحث أرباب الدولة على العدل في الأهالي.
فظهر هذه الأيام من بعض الأشخاص تحريكات فاسدة توجب النفرة بين الفريقين لا سيما من حكيم السابق للبلدية طبيب الطابور القول قابي إلياس منصور أفندي، لأنه لم يزل دأبه إلقاء الفتنة بين الفريقين فإن حضر عند طائفة منهم نمَّ على الأخرى وذمها، وبالعكس عند الأخرى فسجيته اقتضت هذه الخصلة لأن >كل إناء بالذي فيه ينضح<، ولكن من ألطاف الله الخفية بعباده الضعفاء أن جعل المؤيد المنصور حامي الثغور السلطان المحبور في هذا اللواء صاحب السعادة ومنير الطلعة ذا القلب السليم والعقل المستقيم حفظه السميع العليم من كيد كل لئيم حضرة المتصرف لواء نجد إبراهيم فوزي باشا وحضرة جناب القومندان عساكر الشاهانه أحمد فضلي بك أعزهما الله بعزه الذي لا يظام وحفظهما الله بعينه التي لا تنام بحق أسماء الله العظام فقد ارتديا بما احسنتم من محاسن الأخلاق واستقاما كما امرتم ببسط العدل في الرعية على الاستحقاق بالإطلاق وألقى في قلبيهما لها الرحمة الملك الخلاق فحين اطلعهما السميع العليم على حركات الحكيم المذكور ردعاه عن ذلك ومنعاه من الدخول على الأهالي نظراً منهما بعين الرحمة للأهالي واتقاناً لنظام الدولة جزاهما الله خير الجزاء يوم الجزاء والأمر لكم في كل أمرٍ على الإطلاق مولانا دم سالماً والسلام.
أملاه الفقير إلى الله الشيخ محمد نجل المقدس.
كاتب الأحرف سيد هاشم بإملاء الشيخ نصره الله. جمادى سنة 1312 هـ <.
الموقعون على العريضة:
وقد وقع تحت العريضة كل من التالية أسمائهم:
الشيخ حسين بن الشيخ محمد «قرية الجبيل».
الشيخ حسين آل عيد «الهفوف».
الشيخ حسن بن حسن «الهفوف».
الشيخ عبد الله بن علي «الهفوف».
الشيخ حسن بن أحمد بن رمضان «الهفوف».
السيد محمد الغافلي «قرية القارة».
السيد علي بن السيد حجي بن محسن «قرية القارة».
السيد ياسين.
السيد محمد بن السيد حسين بن حاجي. «قرية التويثير».
السيد عبد المحسن بن السيد حسن بن حاجي «قرية التويثير».
السيد حسين بن السيد إبراهيم بن حاجي «قرية التويثير».
السيد حسن بن السيد إبراهيم بن حاجي «قرية التويثير».
السيد هاشم بن السيد محمد بن السيد حسن.
السيد إبراهيم بن السيد محمد بن السيد حسن.
السيد أحمد بن السيد حسن بن محسن «قرية القارة».
السيد علي بن السيد صالح بن محسن «قرية القارة».
السيد سلمان بن السيد صالح بن محسن «قرية القارة».
السيد علي بن السيد حسن بن محسن «قرية القارة».
السيد حسن بن السيد محمد بن محسن «قرية القارة».
أحمد بن سطان آل علي «العمران الشمالية».
حسين آل علي آل عيسى.
صالح آل عيسى آل علي «مدينة العمران».
عيسى آل عبد الله السلطان «مدينة العمران».
علي آل سلطان «مدينة العمران».
عيسى آل حسن السليم «مدينة العمران».
محمد آل الأحمد آل محمد آل علي «مدينة العمران».
عبد الله بن حسين بن علي بن السبيع «قرية الحليلة».
علي بن حسين آل علي السبيع «قرية الحليلة».
محمد ولد علي آل مبارك السبيع «قرية الحليلة».
أحمد آل علي أل مبارك السبيع «قرية الحليلة».
عيسى بن عبد الله السبيع «قرية الحليلة».
خميس بن عبد الله السبيع «قرية الحليلة».
عبد الكريم بن عبد الله السبيع «قرية الحليلة».
عبد المحسن آل عبد الله.
عبد الله آل سلمان.
علي بن حسين آل عبد الرضا «قرية الجبيل».
علي بن محمد آل عبود «الجبيل».
أحمد بن علي الشيخ «الهفوف».
علي بن عبد المحسن السبيع «قرية الحليلة».
علي بن ناصر السبيع «قرية الحليلة».
علي ولد حسين بوخمسين «مدينة الهفوف».
حسين ولد علي بن أحمد بوخمسين «مدينة الهفوف».
حسن بن علي بن أحمد بوخمسين «مدينة الهفوف».
أحمد بن عبد الله بوخمسين «مدينة الهفوف».
علي بن عبد الله بوخمسين «مدينة الهفوف».
أحمد بن إبراهيم بوخمسين «مدينة الهفوف».
عيسى بن الشيخ محمد بوخمسين «مدينة الهفوف».
سلمان بن محمد الشايب «العمران الجنوبية».
حجي بن عيسى البن علي.
حسين بن صالح.
حاجي علي بن محمد آل عبيد الله.
حسين بن علي آل مبارك السبيع «قرية الحليلة».
علي بن محمد الأمير «مدينة الهفوف».
محمد الأحمد المير.
إبراهيم بن علي بوعلي «مدينة الهفوف».
موسى بن علي بوعلي «مدينة الهفوف».
علي بن موسى بن رمضان «مدينة الهفوف».
ناصر بن محمد بوخمسين «مدينة الهفوف».
أحمد آل عبد الله آل عباد «قرية الحوطة».
عيسى آل عبد الله آل عباد «قرية الحوطة».
علي بن عباد آل عباد «قرية الحوطة».
أحمد بن عبد الله بوخمسين «مدينة الهفوف».
علي بن عبد بن علي
محمد بن عبد الله بوخمسين «مدينة الهفوف».
محمد ولد علي آل حسين.
إبراهيم بن آل عيسى البغلي «مدينة الهفوف».
أحمد بن محمد آل البغلي «مدينة الهفوف».
محمد أل أحمد البغلي «مدينة الهفوف».
أحمد بن علي الحواج «مدينة الهفوف».
حسين بن علي بن ناصر بوحليقه «مدينة الهفوف».
علي موسى بن رمضان «مدينة الهفوف».
جعفر بن علي بن عامر «مدينة الهفوف».
حسين بن إبراهيم بوكنان «مدينة المبرز».
حسين بن علي الخواجا «مدينة الهفوف».
حسين بن الشيخ «مدينة الهفوف».
عيسى بن أحمد بن عامر «مدينة الهفوف».
علي بن حسين البومحمد.
علي بن حسين بن رمضان «مدينة الهفوف».
محمد بن حسين بن رمضان «مدينة الهفوف».
سعيد بن محمد آل مبارك.
ناصر بن عبد الله.
علي بن حمد الشواف «مدينة الهفوف».
محمد بن أحمد الشواف «مدينة الهفوف».
علي آل العبد الكريم.
أحمد بن حسين بن رمضان «مدينة الهفوف».
محمد بن حسين بوجباره «مدينة الهفوف».
عبد الله بن محمد علي البقشي «مدينة الهفوف».
حسين بن عبد الله البقشي «مدينة الهفوف».
أحمد بن محمد البقشي «مدينة الهفوف».
علي بن الحمد المير.
موسى بن محمد علي الشواف «مدينة الهفوف».
عبد المحسن بن محمد الشواف «مدينة الهفوف».
حسن بن عيسى الشواف «مدينة الهفوف».
ومن خلال هذه الوثيقة وما تلاها من توقيعات نستطيع أن نستنتج ما يلي:
أولاً: إدراك علماء الدين مدى خطورة تفشى مثل هذا التخلخل الاجتماعي، وما يخلفه سلاح الطائفية من فتنة قد لا تنتهي إلا بعد أن تحرق الأخضر واليابس وقد تجلى هذا الإحساس بإيصال المشكلة إلى أعلى سلطة في الدولة وهو السلطان العثماني عبد الحميد لاتخاذ اللازم، مما يدلل على إدراكهم خطورة المشكلة على المنطقة وما قد تحدثه من ويلات، رغم أنه قد تم علاج المشكلة محلياً.
ثانياً: الوئام الاجتماعي بين الطائفتين الشيعية والسنية وهذا ما عبر عنه كاتب الرسالة الشيخ محمد ابوخمسين وأن المنطقة لم تشهد مثل هذه الحالات كثيراً، وهذا الوئام نفسه يشكل الدافع الكبير لردع مبتغي الفتنة وكشفه أمام سلطته العليا في تركيا، وهذا التكاتف هو من عرّف الأطراف بوجود أيدي خفية تحيك المؤامرات لأبناء المنطقة محاولة زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.
ثالثاً: التفاعل الاجتماعي الكبير مع الخطاب الموجه للسلطان عبد الحميد وكثرة التوقيعات حيث بلغت «94» شاهد على ذلك، بالإضافة أنها معبرة عن مختلف مناطق الأحساء وليس عن منطقة واحدة وتجاه واحد، وهذا الكم لا يمكن أن يجتمع على قضية إلا أذا كان يدرك أن عواقبها تنجر على الجميع، وهي تعبير قوي عن الأحساس بالمسؤولية الاجتماعية الموجودة لدى ابناء المنطقة ضد كل من يحاول خلخلة الأمن الاجتماعي.
رابعاً: إنه استطاع الأعيان إيقاف الطبيب «الحكيم» الياس منصور عند حده من خلال الإتصال بإبراهيم فوزي باشا متصرف اللواء، وأحمد فضلي قائد القوة العسكرية اللذين استجابا لشكواهم وقاما بما يلزم وتجد بالمقابل أن وجهاء المنطقة قد رفعوا رسالة إلى السلطان يشكرون فيها هذين الشخصين.
الزيارات المتبادلة
مما لا شك فيه أنه كانت هناك زيارات متبادلة بين أعلام الطائفتين الشيعية والسنية كان لها الأثر الكبير في تهدئة حدة الصراع الطائفي، وصمام امان أمام المتعصبين والمتشددين لتأجيج الفتنة الطائفية، وما المساجلات الشعرية السابقة بين الشيخ الخليفة والقاضي العبد القادر، والعلاقة الجيدة بين السيد ناصر السلمان والشيخ محمد الكرود الذي كان له علاقة أيضاً مع الشيخ عبد الكريم الممتن، والسيد حسين العلي والعلاقة التي بين القاضي الجعفري السيد محمد بن السيد حسين العلي والقاضي السني الشيخ محمد بن عبد الله العبدالقادر إلا علامة جلية للزيارات المتبادلة بين الطرفين ووجود المودة بينهم، والخطاب إلى السلطان عبد الحميد ما كان ليكتشف المغرض لولا وجود مثل هذا التواصل المستمر وهذه ثمرة إيجابية من ثمراته التي جنتها المنطقة.
نسخ الكتب:
راجت في الأحساء مهنة نسخ الكتب وكتابتها خاصة في الأوساط العلمية، وهي مهنة يسلكها في الغالب من يتميزون بخط رائع يحلو للعيان، وكان من عادة العلماء الكبار واصحاب التصانيف أن ينتخبوا لهم أحد هؤلاء المتميزين ممن يثقون به يصحبهم في أوقاتهم كي يتولى كتابة رسائلهم ونسخ مصنفاتهم للحفاظ عليها من الضياع، وترويجها بين العلماء.
وكانت هذه المهنة تنتعش حيثما وجد العلماء ونمت حركتهم، وحيث أن الأحساء كانت مرتعاً للعطاء العلمي ودوحة من رياضه كان لمهنة النسخ قبول ورواج واسع.
إلا أنه وفي الغالب أن يقع اختيار العالم على شخصية ممن ينتمون إلى مذهبه وهذا نابع من الحساسية المذهبية التي تنشأ بين المذاهب المختلفة، وفي الأحساء استطاع العلماء أن يتجاوزوا تلك المشكلة ولا يجعلوها عقبة للاستفادة العلمية من بعضهم البعض فكان من علماء الشيعة من هو ناسخ كتب لعالم من علماء السنة، وذلك لم يشكل حرجاً لكلا الطرفين وكان من أبرزهم الشيخ عبد علي بن الشيخ محمد صالح آل رمضان.
يقول الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو في كتابه ”شعراء هجر“ في ترجمة القاضي الشيخ محمد سعيد بن عبد الله العمير «من أعلام القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري»: ”رأيت من كتابته «أي الشيخ عبد علي» القصيدة المشهورة المسماة بالحديقة وشرحها، وهي تعتبر بحق قطعة من الكتابة العربية الرائعة، جودة خط وحسن تنسيق“.
ويؤكد الحلو هده العلاقة والحميمية فيقول: ”اتخذ لنفسه كاتباً خاصاً يسمى العطار وكانت مهمته هي نسخ ما يؤلفه الشيخ، أو يختاره للإجابة على مسألة من المسائل، وكان الرجل ذا خط جميل مما جعل الشيخ يصر على إقامته معه في بيته، وجعل ينفق عليه مع عائلته“.
هذا النوع من العلاقة والصحبة التي تصل إلى السكن في بيت واحد لا يمكن أن تسجم مع مجتمع تعشعش فيه الحساسيات، ويتغذا على الصراع الطائفي والمذهبي، وإنما تنمو في بيئة توطنت على تقبل الآخر والتعايش معه، وإدراك إن مفهوم المذهبية هي أمر شخصي وقناعة خاصة لا يمكن فرضها على الآخرين، وأن الطبيعة تقتضي التعددية والاختلاف، وفكرة الخط الواحد والأتجاه الواحد هي خلاف الطبيعة والسنن الألهية الموجودة في الكون.
ويقول الأستاذ حسين بن الحاج جواد الرمضان: >وقد شاهدت من كتب الشيخ العمير المذكور ألفية ابن مالك في علم النحو، وهي بخط الشيخ عبد علي رحمه الله وقد ختم نسخها بقوله:
تم الكتاب ولست أحصي حمد من
أولاتي التمكين الإمهالا
وأمدني بلطائف من عنده
وأعانني سبحانه وتعالى
كان الفراغ من كتابة هذه الأوراق في اليوم الثالث عشر من شهر شعبان المبارك من سنة 1181من الهجرة بقلم الفقير إلى الله تعالى الملك الجبار عبد علي بن محمد بن حسن بن رمضان العطار، غفر الله له ولصاحبه وللمسلمين والحمد الله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً <.
أما القصيدة التي نسخها الشيخ الرمضان للشيخ العمير وكان نظمها بغرض وعظ أمير الأحساء الأمير داحس بن عريعر الخالدي فقد ختمها ببيتين من عنده قال فيهما:
راسم الخط بالبهاء
عبد العلي كاتب الأحساء
أثناء شهر المولد المقدس
في عامه من غير ما تلبس
وكان ذلك في شهر ربيع الأول من عام 1200 هـ .
من أبواب التعاون التي نشأت في البلاد بين الطائفتين هو العمل على تطوير الخدمات في منطقة الأحساء البلد الذي يضم الجميع، وينتمي إليه الجميع على حدٍ سواء ففي سنة 1306 هـ ، إبان العهد العثماني الثالث أثناء متصرفية الأحساء في يد " محمد عاكف باشا «1306 - 1309 هـ »، كانت البلاد تفتقر إلى خدمات «البرقية» التي تشكل أهمية قصوى للمنطقة على المستوى التجاري والسياسي، ولكن لكون الأحساء لا تشكل واحدة من المدن الكبرى عند الباب العالي العثماني، ولأن المشروع مكلف لم تقدم هذه الخدمة لهم، فما كان من أهالي الأحساء إلا أن كتبوا خطاباً يطالبون بتقديم هذه الخدمة للأحساء وقد وقع عليه أرباب الأقتصاد من كلا الطائفتين وكان منهم:
”إبراهيم إسماعيل الجعفري، وعبد الله جغيمان، ومحمد الملحم، وعبد الرحمن درويش، محمد الجعفري، وعبد الرحمن سلامة، وعلي بوحليقة، عبد المحسن الملحم، حسن بن رمضان، وعبد الرحمن بن عيتق، عبد الله السعدون، عبد الله بن دوغان، محمد بن عرفج، وعبد العزيز سلامة، عبد الرحمن عثمان، على الماجد، عيسى الحسن، سيد حسن إبراهيم، ومحمد الموسى، عبد الرحمن الصويغ، حسن آل خليفة، حسن حسن، عبد الله العيسى، عبد الله سعد، عبد اللطيف الحملي، سلطان بن حسن البصري، سيد حسين، وغيرهم“.
إلا أنه كانت الصدمة لهم أن كان جواب السلطة بالإعتذار بسبب ما تعانية الدولة العثمانية في تلك الفترة من ضغوط سياسية واقتصادية، فما كان هذا ليردع الأحسائيين عن عزمهم وحبهم لبلدهم فبعثوا بخطاب آخر يبدون فيه تصديهم للمشروع أنهم على ساتعداد تام بالمساهمة بمبلغ وقدرة «1000» ليرة ذهبية المال المطلوب لتنفيذ المشروع، وكانت الرسالة مؤرخة بتاريخ 12 شوال 1306 هـ .
فالروح الوطنية كانت لدى الجميع عالية، وإعمار البلاد كان الهاجس الوحيد الذي كان يحركهم ويبث فيهم الهمة والنشاط، كما إنه إشارة واضحة على التسالم الطائفي السائد في الأحساء.
عندما تلغى الكلفات، وينطلق كلٍ على سجيته، ويفتح المجال أمام النكتة والدعابة بين الأحبة فهي علامة على وجود الأخوة الصادقة الخالية من التعقيد والتصنع، ولقد كانت بين الأحسائيين في مجالسهم روح الدعابة سمة بارزة ودلالة واضحة على نمو العلاقة بينهم.
يقول الشيخ محمد الكرود: >دعوت في أحد الأيام بمزرعتي العلامة السيد ناصر السلمان، والشيخ عبد الكريم الممتن وغيرهم، وعندما اجتمع الضيوف قدم الغداء وكان السيد ناصر جالس بقرب الشيخ الممتن على المائدة فبينما هم يأكلون قام الشيخ الممتن بحركة طريفة وحفر أمامه تحت للحم فسقط في مكانه فأنشد: >عرف الخير أهله فتقدم<، فقال له السيد ناصر من فوره: >بل كثر الحفر تحته فتهدم<.
إلى أن أكل الجميع وقدم الشاي وكان كعادة أهل الأحساء أن يكون الشاي لا هو بالخفيف ولا بالثقيل، فلما قدم إلى السيد ناصر السلمان ورأ لون الشاي قال: ما هذا يا أبا علي «محمد الكرود». فقلت: له هذا شاي يا سيدنا. فقال السيد: هو ليس بشاي وكان السيد قد اعتاد إبان إقامته في العراق على الشاي الثقيل المائل إلى السواد وأنشد هذا البيت:
هو الماء لولا الغلي غير لونه
ولولا صدى الإبريق جاز به الغسل
فغُيّر الشاي للسيد ناصر وعلت البسمة وجه الجميع.
في نهاية المطاف الشيء الذي يؤسف له ويندى له الجبين إن تلك الحميمية وتذويب الجدار الطائفي، والعمل على تكسير دعاة التفرقة بين أبناء المجتمع لم يعد موجود، وإذا كان فهو ليس على المستوى العالي الذي كان عليه في السابق فمازال الشرخ كبيراً والبون شاسع بين الطائفتين ولازال التواصل ليس كما ينبغي مما لا يجعله مؤهلاً لبناء حوار طائفي وتفاعل اجتماعي بين أبناء، الدين الواحد، والبلد الواحد، والتاريخ الواحد.
والذي يبد أننا في أمس الحاجة إليه للحفاظ على التماسك الوطني وتقوية اللحمة بيننا هو إنشاء لجان مشتركة يشارك فيها عدد من علماء الدين، والكوادر العلمية والثقافية من أبناء الطائفتين في المنطقة من أصحاب الفكر المنفتح وقبول الآخر يعملون على وضع برنامج لإذابة جبل الجليد والتوتر والتحسس الداخلي بينهم وذلك قبل أن يتسع الخرق على الراقع ويصبح من الصعب إصلاح ما نكسر.