آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:55 م

انبهارك بهم ليس ذنبهم..

زينب البحراني *

الغموض سيد الإبهار، وحين يجتمع الغموض بالنجاح في شخص ما فإنه يبدو محفوفًا بهالة من الجاذبية الساحرة التي تدفع البشر لمُحاولة الاقتراب منه، ولأن أكثر البشر لا يفهمون مشاعرهم الحقيقية فإن بعضهم يتوهم أن تلك المشاعر حُبًا، لا سيما إن كان هذا الشخص من الجنس الآخر، وبعضهم يتوهَّم فيه صفاتًا تفوق قدرة الكائن البشري العادي على جمعها في شخصيته، ويظن أنه مثاليًا، معصومًا من الخطأ، فريدًا من نوعه، أسطورة نادرة عصيَّة على التكرار، وكلها صفات أنجبها عقله وفاضت بها مُخيلته دون أن يكون للآخر في تضخمها يدًا أو ذنبًا، وعند أول مواجهة مع الحقيقة البشرية الطبيعية لذاك الإنسان ينهار المعبد فجأة، ويتم اعتباره شيطانًا خسيسًا، أما إذا كان الاقتراب تدريجيًا بما يسمح لتجزئة اكتشاف العيوب والسقطات والزلاَّت ونقاط الضعف والخوف؛ تكون النتيجة شعورًا بالخيبة ثم الملل، وأخيرًا؛ رغبة في المُغادرة وقطع العلاقة مع مشاعر من نوع: ”لم يكُن هذا الشخص الذي توقعته“ أو: ”كان رائعًا في البدايات؛ لكنه تغيَّر“.

ثمة حقيقة أزليَّة تقول بأن البشر كلهم - كلهم دون استثناء - ضُعفاء، محكومين بالنقص، والكمال في شخصياتهم مستحيل، يرتكبون الأخطاء باستمرار مهما حاولوا تجنبها لأن الخطأ هو الوسيلة الوحيدة لتعلمهم من تجاربهم في هذه الحياة وانتقالهم إلى مستويات وعي ونُضج أرقى وأرفع، ونحن من هؤلاء البشر بما تمتاز به شخصياتنا من إيجابيات وسلبيات، أي أننا غير كاملين كي نتوقع الكمال من الآخرين، ومن الدكتاتورية والاستبداد أن نُطالبهم بتغيير صفاتهم وتصرفاتهم وأفكارهم وأمزجتهم كي يُصبحوا على ذوقنا وهوانا، وكأنهم روبوتات مُبرمجة أو دمى تلهو بها أيدينا.

حين نتحرر من تلك التوقعات المُنبثقة من بنات خيالنا سنتحرر من هذا الجانب الأناني في الحكم على الآخرين، نتعاطف مع ضعفهم ونقصهم وأحزانهم واحتياجهم للدعم والتغاضي عن الهفوات، وستُفتح أمامنا نافذة عالم جديد يسمح باكتشاف أنماط متنوعة من الشخصيات التي نستمتع بالتعرف إليها وكأننا نقرأ كتابًا جديدًا يُضيف إلى مخزون تجربتنا العقلية والمشاعرية كل مرَّة؛ وهو ما يُذكرنا بما أشار إليه المؤلف ”روبرت غرين“ في كتابه ”قوانين الطبيعة البشرية“ بقوله:

"المُشكلة أننا نحكم على الناس باستمرار، ونتمنى لو أنهم كانوا على خلاف ما هم عليه، فنريد أن نغيرهم، ونريد منهم التفكير والتصرف بطريقة مُعينة، وغالبًا ما تكون تلك الطريقة نفسها التي نُفكر ونتصرف بها. وبما أن هذا الأمر مُستحيل؛ لأن كل انسان يختلف عن غيره، ترانا دائمًا مُحبطين ومُنزعجين. لكن بدلاً من ذلك انظر إلى الآخرين كأنهم ظواهِر، ظواهر حيادية، كالمُذنبات والنباتات؛ إنهم موجودون ببساطة، وهم من كُل صنف ونوع، يزيدون الحياة غنى وإمتاعًا، فاعمل بما يُقدمونه إليك بدلاً من أن تقاومهم وتحاول تغييرهم، واجعل فهمك للناس لعبة ممتعة لك، كألعاب حل الألغاز؛ فذلك كله جزء من الملهاة الإنسانية"

كاتبة وقاصة سعودية - الدمام