الجائزة الأدبيّة ومعياريّة التّقييم
كثر اللغط حول تفرد نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عربيًا، فما هو السّر؟، هل هو تميز في الرجل؟، أم قلة حظ في الآخرين؟!، هناك من ترشح عدة مرات ولم ينل أي شيء، نجيب محفوظ هو الرقم الأوحد الذي ظفر بها، فما هو السّر؟، برر البعض أن الجائزة مخصصة للسلام وآداب الشرق تغرق في العنف والقبلية؟، فهل هذا صحيح؟، يرى البعض أن للسياسة دور في الحرمان العربي، ويبالغ البعض بإقحام نظرية المؤامرة، فما هو سر حجب الجائزة عن أدباء العرب؟، رغم أنّ هناك من الأدباء من بلغوا شأو محفوظ، مثل: محمود درويش، ونزار قباني، وطه حسين، وشخصيات أبلت بلاءً حسنًا، ومع كل الجهود تبخرت نوبل وتبخر الأمل لقطفها!!
هل أدب نجيب محفوظ سيد الأدب؟، بمعنى أنه عقمت أرحام الأمهات عن انجاب غيره؟، أم أن هناك من تفوق على أدب نجيب ومع ذلك لم يكسب نوبل؟، بلا شك أن نوبل ليست المقياس للتمييز والتمايز، وعلى فرض تفرد أدب نجيب، فإن الزمن أبرز من فاقه، ومع ذلك لم تهبط الجائزة لعربيّ، ولم يقطفها من العرب إنس بعده ولا جان، فهل هناك تنكر للعرب؟، أم أن الأيام المقبلة ستكشف عن مبدع عربي قادم سيكسب نوبل فتكتحل به العيون؟
لن نطيل الحديث عن نوبل، بل نرغب في الحديث عن التميز الأدبي ومقاييسه، هل هناك محسوبيات لنيل الجوائز؟، أم أن المعايير واضحة؟، أظن أن الوقت أصبح مناسبًا لذكر ما يخالف السائد، وأن التغني بأشخاص بارزين أصبح موضة وعلكة يجب التخلي عنها، والأولى هو إخضاع الأدباء لمعايير أدبية صارمة، بغض النظر عن الأسماء والشخوص اللامعة، فالحُكم والحَكم هو المعيارية، لهذا يتنافس كبار الأدباء حول جائزة ما فيبرز أديب مغمور، ويخسر الرهان ذائع الصيت!!
نعود لنجيب محفوظ البطل العربي الذي خطف نوبل، ونتساءل: هل محفوظ هو الأنموذج والمعيار؟، أم أنّ هناك من تفوق عليه؟، يقول الدكتور يوسف زيدان في صحيفة اليوم السابع: «هناك طفرة كبيرة في القراءة، وهناك كتّاب طبعوا أكثر من نجيب محفوظ»، ثم يواصل زيدان حديثه: «وظنّ الفكر السائد أن زمن القصة انتهى عند يوسف إدريس، وأن نجيب محفوظ فلت بنوبل»، من يفهم اسلوب زيدان التلميحي الحذر يدرك أنه يرى أنّ هناك مبالغات حول نجيب محفوظ وأن له أنداد وربما يفوقونه من حيث الجودة والغزارة، وهذا ما صرحت به الأديبة الدكتورة نوال السعداوي في جريدة «المصري اليوم» حيث قالت بصراحة عن نجيب محفوظ: «بالغ الكثيرون في تأليه نجيب محفوظ كعادتهم مع الفرد الواحد الجالس على أي قمة، تسابقوا في تقديسه بعد حصوله على جائزة نوبل».
لنرى ما ترى فيه السعداوي؛ حيث تقول في ذات المصدر: «لا شك أن نجيب محفوظ كاتب مبدع كبير، يستحق التمجيد، لكن المبالغة في أي شيء تنقلب للضد أحيانا، كما تتفاوت روايات نجيب محفوظ بالطبع في القيمة الأدبية، فلا يمكن أن تكون الأعمال الإبداعية متساوية لدى الجميع، وتلعب الثقافة والتربية والتعليم والدين والسياسة دورا في اختلاف الأذواق والوعي الإبداعي، لكن الإبداع الشجاع المتمرد يتقدم بخطى أسرع من الحركة النقدية الأكاديمية».
إذا كانت الجوائز ليست الحكم، فما هي إذًا؟، لاشك أن المعايير الأدبية، هي المقياس، فلماذا لا نضعها على منضدة المختبر، ونعلّم الجيل على اقتنائها، اعجبتنا ورشة الدكتور ناصر عراق «مختبر الإبداع الأدبي» في الإمارات والتي تناولت فن كتابة الرواية، إن في جعبة أمتنا العربية كبار الأدباء، ونحتاج للترويج لمثل هذه التظاهرة الأدبية، حينها لن نحتاج لنوبل ولا غيرها، لكون أننا بلغنا الإبداع الذي يشير لأصحابه وإن حجبت الجوائز لمن يستحقها.