الأفكار التي تبلى
الفكر الخلاق هو الذي يحطم الحواجز لكي يعقلن اللامعقول ويسبغ عليه سبغة معقولة بعد تشريحه على طاولة النقد، كما أن الفكر الخلاق؛ ليس له حواجز ولا حدود، فهو يباشر عقلنته بكل الوسائل المتاحة، لينتج فكرا ناضجا بعد عملية طويلة من النقد وإعادة البناء الفعال. بذلك نستطيع أن نطلق عليه فكرا خلاقا مستنيرا. على العكس من ذلك فإن من يقف عند حدود العصور واللغات والحضارات؛ سيكون عاجزا عن اختراقها وتعديها جاعلا أو راسما أمامه خطوطا حمراء، يصعب عليه الوصول إلى غاياته لكي يستمر في نقد واستنتاج أفكار جديدة تضيء له الطريق للوصول إلى فكر خلاق وبهذه الطريقة يصبح فكرا عاجزا وخاملا.
ليس معنى ذلك التخلي عن الأفكار بصورة كاملة؛ إنما دراستها بصورة عصرية مناسبة، لكي نرى ما لم تره أفكار من هم قبلنا، فلا نعتبر تلك الأفكار في وقتها على خطأ تام، إنما هي مناسبة لزمانها التي أنتجت فيه. لذلك فهي تبلى وتهرم مع مرور الزمان ولا تستطيع تلك الأفكار أن تحسن عملية الوجود في زمان مختلف عن زمانها.
فالذي يعمل في مجال الفكر؛ لابد أن تكون له تجربته بشكل خاص؛ ويصنع عالمه الفكري بغض النظر عما ينتجه الآخرون السابقون له وهكذا يسهم في بناء عالم فكري جديد متراكم مع أفكار غيره لينتهي بمجتمع ذي فكر جديد.
مع الأسف الشديد لازال العالم العربي يعيش فكرا متخلفا؛ نتيجة التمسك بأفكار غيره القديمة، يدور في فلكها ويعيد تدويرها وينتجها بنفس القالب القديم، كل ذلك لأنه وضع الحدود والحواجز الرفيعة تارة باسم الدين وأخرى باسم التراث، والأسوأ من ذلك اعتبارها السلاح الذي يحارب به الأفكار الجديدة، إلا أنه لا يعلم بأن سلاحه لا يقوى على الأسلحة الفكرية المتقدمة.
تخلف العالم العربي بتمسكه بالأفكار القديمة، ولذلك فقد تقدمت عليه المجتمعات الأخرى بعد أن حررت عقولها ونظفتها من شوائب الماضي، واستعدت لحالة النقد المستمرة.
خلاصة القول هي أنه لكي يعيش عالمنا العربي فكرا ناضجا خلاقا، لابد من استعداده التام لتحطيم الحواجز والحدود؛ التي تمنع من تقدمه واستمراره؛ وذلك بعقلنة الأفكار وإنتاج أفكار جديدة مواكبة للعصر لمواجهة أي تحديات مقابلة لها.