حفظ الصحة في رسالة الإمام الرضا الذهبية
من أهم الآثار العلمية التي خلّفها الإمام الرضا للأمة الإسلامية هو رسالته الطبية التي كتبها للمأمون العباسي، والتي تسمى «الرسالة الذهبية» حيث أن المأمون أمر بكتابتها بماء الذهب؛ لأهميتها العلمية ونفاستها الصحية، وهي أول رسالة طبية كتبها مسلم في التاريخ الإسلامي، أما ما كتب من قبلها فلا تعدو أن تكون ترجمات من كتب اليونان والسريان الطبية.
وتعد هذه الرسالة الذهبية للإمام الرضا من أنفس ما كُتب في التراث الإسلامي في المجال الطبي، وتعبر هذه الرسالة العلمية الرائعة عن العلم الغزير للإمام الرضا في الحقل الطبي، كما في الحقول العلمية الأخرى، فهو أعلم أهل زمانه في كل العلوم والمعارف الدينية وغيرها.
واشتملت الرسالة باختصار على عدد من العلوم الطبية: كعلم التشريح، وعلم الأحياء، وعلم وظائف الأعضاء، وعلم الأمراض، وعلم حفظ الصحة، ودلت على القسم الأعظم من الطب الوقائي، وعلم الأغذية، وعلم الكيمياء.
احتوت الرسالة الهبية للإمام الرضا على العديد من العناصر المهمة في الحقل الصحي والطبي، ونشير إلى أهمها في النقاط الآتية:
أورد العلامة المجلسي في البحار نص الرسالة الطبية كاملة، وقد ابتدأها الإمام الرضا بقوله: «اعْلَمْ... إنَّ اللّهَ عز وجل لَم يَبتَلِ البَدَنَ بِداءٍ؛ حَتّى جَعَلَ لَهُ دَواءً يُعالَجُ بِهِ، ولِكُلِّ صِنفٍ مِنَ الدّاءِ صِنفٌ مِنَ الدَّواءِ» [1] . وينبغي على المريض تناول الدواء المناسب للداء عندما يقرر الطبيب الحاذق ذلك.
ثم ذكر الإمام أعضاء البدن كالقلب والسمع والبصر والدماغ واليدين والرجلين، ووظائف كلاً منها. ثم يتحدث الإمام بشكل دقيق عن أهمية تنظيم الأكل وأثره على الصحة العامة، قائلاً: «كُلْ الْبَارِدَ فِي الصَّيْفِ، وَ الْحَارَّ فِي الشِّتَاءِ، وَ الْمُعْتَدِلَ فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِكَ وَ شَهْوَتِكَ، وَ ابْدَأْ فِي أَوَّلِ طَعَامِكَ بِأَخَفِّ الْأَغْذِيَةِ الَّذِي تُغَذِّي بِهَا بَدَنَكَ بِقَدْرِ عَادَتِكَ وَ بِحَسَبِ وَطَنِكَ «طاقتك» وَ نَشَاطِكَ وَ زَمَانِكَ، وَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْلُكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، عِنْدَ مَا يَمْضِي مِنَ النَّهَارِ ثَمَانُ سَاعَاتٍ، أَكْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثُ أَكَلَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، تَتَغَذَّى بَاكِراً فِي أَوَّلِ يَوْمٍ ثُمَّ تَتَعَشَّى، فَإِذَا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عِنْدَ مُضِيِ ثَمَانِ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ أَكَلْتَ أَكْلَةً وَاحِدَةً، وَ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى الْعِشَاءِ[2] ، وَ لْيَكُنْ ذَلِكَ بِقَدَرٍ لَا يَزِيدُ وَ لَا يَنْقُصُ، وَ تَكُفُّ عَنِ الطَّعَامِ وَ أَنْتَ مُشْتَهٍ لَهُ[3] » [4] .
ونلاحظ في هذا المقطع من الرسالة الذهبية اهتمام الإمام بتنظيم الأكل الذي تبنى عليه الصحة العامة للإنسان، ومن نصائحه في هذا الجانب:
أ تناول المأكولات والأطعمة ذات المكونات الباردة في فصل الصيف مثل الخضروات والفواكه، واجتناب الأطعمة الثقيلة والدسمة؛ لأنها تسبب الأمراض الجسيمة على بدن الإنسان، وذلك لحرارة الطقس الذي لا يساعد على هضم الطعام.
وأما في فصل الشتاء فلا مانع من تناول الأطعمة الثقيلة التي تحتوي على السكر والدهن والسمن وما أشبه، لأن البدن يحتاج إليها، وبرودة الطقس تساعد على هضمها، ويكون أكلها مفيداً.
ب الاعتدال في تناول الطعام، فيأكل بقدر طاقته واستطاعته في جميع فصول السنة من غير إسراف، لأن الأكل الزائد عن طاقة الإنسان مضر بالصحة العامة، فنبغي أن يقوم من المائدة، وهو يشتهي الطعام، لأنه أصلح للمعدة وأصح للبدن، قال الإمام الرضا: «وَارْفَعْ يَدَيْكَ مِنْهُ وَ يك [بِكَ] إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَرَمِ[5] وَ عِنْدَكَ إِلَيْهِ مَيْلٌ، فَإِنَّهُ أَصْلَحُ لِمَعِدَتِكَ وَ لِبَدَنِكَ، وَ أَزْكَى لِعَقْلِكَ، وَ أَخَفُّ لِجِسْمِكَ» [6] . وروي عنه أيضاً: «إذا جُعتَ فَكُل، وإذا عَطِشتَ فَاشرَب، وإذا هاجَ بِكَ البَولُ فَبُل، ولا تُجامِع إلّا مِن حاجَةٍ، وإذا نَعَستَ فَنَم؛ فَإِنَّ ذلِكَ مَصَحَّةٌ لِلبَدَنِ» [7] . فلا يأكل على الشبع، ولا يشرب وهو ريّان، لأن ذلك يؤذي المعدة ويضر الصحة.
ج أن يبدأ أولاً بتناول أخف الأغذية، وأيسرها على الجهاز الهضمي، قال: «وَابْدَأْ فِي أَوَّلِ طَعَامِكَ بِأَخَفِّ الْأَغْذِيَةِ الَّذِي تُغَذِّي بِهَا بَدَنَكَ بِقَدْرِ عَادَتِكَ وَ بِحَسَبِ وَطَنِكَ «طاقتك» وَ نَشَاطِكَ وَ زَمَانِكَ» وعليه أن يلاحظ في الوقت نفسه المرحلة العمرية له، فكلما تقدم به العمر ينبغي أن يقلل من الطعام، وأن يكون خفيفاً، قليل الملح، وقليل الدهن؛ لأن الإكثار منهما يسبب تصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، خصوصاً عند دخول مرحلة الشيخوخة.
د أن يقلل الإنسان من وجبات الطعام، فيقتصر في اليومين على ثلاث وجبات من الطعام حسب نصيحة الإمام.
ولا شك أن تنظيم الأكل على طبق هذا البرنامج الغذائي الصحي يؤدي إلى سلامة البدن، ودوام الصحة، والوقاية من الأمراض والأسقام.
وبعد استعراض الإمام في رسالته الذهبية للطعام الغذائي الصحي، ذكر مجموعة من الوصايا الصحية والوصفات الطبية النافعة... وأهمها ما يأتي:
يشكل النوم واحداً من الحاجات ذات الأصل الحيوي لدى الكائن الآدمي، بحيث تجسد حاجة أولية لابد من إشباعها، ولا يمكن ممارسة التأجيل حيالها، ومن البين أن بعض الدوافع الحيوية مثل الجنس وغيره من الممكن ممارسة التأجيل حياله دون أن يترتب على ذلك تلف جسمي أو عقلي، بخلاف النوم، فيما يتطلب حدًّا أدنى من الإشباع، تتوقف حياة الكائن الآدمي عليه، جسمياً ونفسياً وعقلياً، فانعدام النوم ليومين مثلاً يسبب هُلاساً، واستمراره لأربعة أيام يسبب فقدان الذاكرة، واستمراره لأسبوع يشلّ الشخصية عن فاعلياتها جميعاً.
بيد أنّ إرواء هذه الحاجة يظلّ في التصور الإسلامي محكوماً بقدر الحاجة، وأما الزائد عن الحاجة فيتحول إلى نتيجة مضادة تماماً، بمعنى أن النوم يظل مجرّد وسيلة للعمل العبادي، يتحدد بقدر الحاجة إليه، فإذا زاد عنها تحول إلى ممارسة سلبية، من هنا تجيء التوصيات الإسلامية محذرة من النوم الزائد عن الحاجة، من نحو: «إنّ اللَّهَ جَلَّ وعَزَّ يُبغِضُ العَبدَ النَّوّامَ الفارِغَ» [8] ونحو: «كَثرَةُ النَّومِ مَذهَبَةٌ للدِّينِ والدُّنيا» [9] بصفة أن الزائد عن الحاجة يختزل من فرص الحياة والآخرة من حيث توفر الإشباع.
وأَيًّا كان، فإنّ ممارسة النوم تظل - في التصور الإسلامي - محكومة بقدر الحاجة، أي بقدر ما يحقق التوازن الحيوي والنفسي للشخصية[10] .
ومن هنا يأتي اهتمام الإمام الرضا بالنوم الصحي وأهميته وكيفيته، فقال:
«وَاعْلَمْ... أَنَّ النَّوْمَ سُلْطَانُ الدِّمَاغِ، وَ هُوَ قِوَامُ الْجَسَدِ وَ قُوَّتُهُ، فَإِذَا أَرَدْتَ النَّوْمَ فَلْيَكُنْ اضْطِجَاعُكَ أَوَّلًا عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ انْقَلِبْ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَ كَذَلِكَ فَقُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ كَمَا بَدَأْتَ بِهِ عِنْدَ نَوْمِكَ.
وَ عَوِّدْ نَفْسَكَ الْقُعُودَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَتَيْنِ مِثْلَ مَا تَنَامُ، فَإِذَا بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَتَانِ فَادْخُلْ وَ ادْخُلِ الْخَلَاءَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَ الْبَثْ فِيهِ بِقَدْرِ مَا تَقْضِي حَاجَتَكَ، وَ لَا تُطِلْ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ دَاءَ الْفِيلِ [11] » [12] .
يرى الإمام أن النوم من الحاجات الرئيسة في حياة الإنسان، واستمرار صحة جسده، فقد خلق الله تعالى في جسمه بعض الأجهزة التي يتولد منها النوم، وتقوم في الوقت نفسه على إعطاء الجسد الحيوية والنشاط والفاعلية، وتزيل عنه ما عاناه في أثناء النهار من جهد ومتاعب العمل.
ثم أوضح الإمام كيفية النوم الصحيح، وهي أن ينام الإنسان على جنبه الأيمن، لأن في ذلك راحة للقلب، وسلامة للجسم. كما أوضح أيضاً أهمية الاستيقاظ من النوم لدخول الحمام للتخلص مما يضر بجسم الإنسان وصحته، وأرشد إلى عدم إطالة المكث فيها، لما في ذلك من أضرار صحية.
وقد حذّر الإمام من حبس البول قائلاً: «مَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَشْتَكِيَ مَثَانَتَهُ فَلَا يَحْبِسِ الْبَوْلَ، وَ لَوْ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ» [13] . فحبس البول يؤذي المثانة والكلى، وقد يسبب الفشل الكلوي.
ذكر الإمام وصفة طبية كاملة للشراب الحلال، وكيفية تركيبه وصنعه، وهو يحوي كميات كبيرة من «الفيتامينات» كان منها العسل والزبيب، وقد ذكرت هذه الوصفة في كتاب «طب الإمام الرضا» [14] وعقّب على ذلك الدكتور زيني بقوله: «لهذا الشراب الحلال قيمة غذائية كبرى، لما يحويه من عناصر مفيدة، تعتبر أهم مصادر ومولدات الطاقة الحرارية التي يحتاجها الجسم دائماً، وبصورة مستمرة، وخاصة في الفصول الباردة، أما عن سهولة هضمه وتمثيل عناصره، فحدث عنه ولا حرج، إذ يعتبر سكر العنب «الكلوكوز» من أسهل المواد هضماً، ومن المواد التي يأخذها، يمكن الاستغناء عن أكثر أصناف الغذاء الأخرى إلا مادة «الكليكوجين» التي تخزن في الكبد كغذاء احتياطي يمكن استعماله في أي وقت من الأوقات» [15] .
أوضح الإمام الرضا أصلح وأجود ما يستاك به للأسنان وهو عود الأراك، - وبالإضافة لأهميته في تنظيف الأسنان - فإنه يحافظ على صيانتها من التسوس والتلف، فقال في رسالته الذهبية، ما نصه:
«اعْلَمْ... أَنَّ أَجْوَدَ مَا اسْتَكْتَ بِهِ لِيفُ الْأَرَاكِ[16] ؛ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْأَسْنَانَ، وَ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ، وَ يَشُدُّ اللِّثَةَ وَ يُسَنِّنُهَا[17] ، وَ هُوَ نَافِعٌ مِنَ الْحَفَرِ[18] إِذَا كَانَ بِاعْتِدَالٍ، وَ الْإِكْثَارُ مِنْهُ يُرِقُّ الْأَسْنَانَ وَ يُزَعْزِعُهَا وَ يُضَعِّفُ أُصُولَهَا، وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْيَضَّ أَسْنَانُهُ، فَلْيَأْخُذْ جُزْءاً مِنْ مِلْحٍ أَنْدَرَانِيٍّ وَ مِثْلَهُ زَبَدَ الْبَحْرِ فَيَسْحَقُهُمَا نَاعِماً وَ يَسْتَنُّ بِهِ[19] » [20] .
عرض الإمام وصفتين لإصلاح الأسنان: الأولى: السواك بعود الأراك، وهو من الوصفات الجيدة في إصلاح الأسنان. وقد حلل هذا العود فتبين أنه أروع الأدوية لتطهير الأسنان، وصيانتها من التسوس، وأنه أنفع من المعاجن الحديثة.
والوصفة الثانية: فهي المعجون وقد ذكر الإمام الأجزاء التي يتألف منها، وهو يقضي على تسوس الأسنان[21] .
حذر الإمام من الجمع بين بعض المأكولات والمشروبات لأنها تضر بالصحة، وتسبب الإصابة ببعض الأمراض، فقال: «وَاحْذَرْ... أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الْبَيْضِ وَ السَّمَكِ فِي الْمَعِدَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُمَا مَتَى اجْتَمَعَا فِي جَوْفِ الْإِنْسَانِ وُلِّدَ عَلَيْهِ النِّقْرِسُ[22] وَ الْقُولَنْجُ[23] وَ الْبَوَاسِيرُ وَ وَجَعُ الْأَضْرَاسِ.
وَ اللَّبَنُ وَ النَّبِيذُ الَّذِي يَشْرَبُهُ أَهْلُهُ، إِذَا اجْتَمَعَا وُلِدَ النِّقْرِسُ وَ الْبَرَصُ، وَ مُدَاوَمَةُ أَكْلِ الْبَيْضِ يَعْرِضُ مِنْهُ الْكَلَفُ فِي الْوَجْهِ، وَ أَكْلُ الْمَمْلُوحَةِ، وَ اللُّحْمَانِ الْمَمْلُوحَةِ، وَ أَكْلُ السَّمَكِ الْمَمْلُوحِ بَعْدَ الْفَصْدِ وَ الْحِجَامَةِ يَعْرِضُ مِنْهُ الْبَهَقُ وَ الْجَرَبُ، وَ أَكْلُ كُلْيَةِ الْغَنَمِ وَ أَجْوَافِ الْغَنَمِ يُغَيِّرُ[24] الْمَثَانَةَ.
وَ كَثْرَةُ أَكْلِ الْبَيْضِ وَ إِدْمَانُهُ يُوَلِّدُ الطُّحَالَ، وَ رِيَاحاً فِي رَأْسِ الْمَعِدَةِ، وَ الِامْتِلَاءُ مِنَ الْبَيْضِ الْمَسْلُوقِ يُورِثُ الرَّبْوَوَ الِانْبِهَارَ، وَ أَكْلُ اللَّحْمِ النَّيِ يُوَلِّدُ الدُّودَ فِي الْبَطْنِ.
وَ شُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَقِيبَ الشَّيْءِ الْحَارِّ أَوِالْحَلَاوَةِ يَذْهَبُ بِالْأَسْنَانِ، وَ الْإِكْثَارُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الْوَحْشِ وَ الْبَقَرِ يُورِثُ تَغَيُّرَ الْعَقْلِ، وَ تَحَيُّرَ الْفَهْمِ، وَ تَبَلُّدَ الذِّهْنِ، وَ كَثْرَةَ النِّسْيَانِ» [25] .
في هذا المقطع من الرسالة الذهبية حذر الإمام من الجمع بين بعض المأكولات، لما تورثه من أمراض وأسقام، وكان من بين ما حذر منه الجمع بين أكل السمك والبيض، لأنه يورث: داء النقرس، وداء القولنج، والبواسير، وغيرها من الأمراض والأسقام.
كما حذر الإمام من كثرة تناول البيض؛ لأنه يولد الطحال ويؤذي المعدة، وأما أكله باعتدال ففيه فوائد عديدة، ومنها: زيادة الخصوبة، وعلاج بعض الأمراض، فقد ورد عن عليّ بن محمّد بن أشيم: شَكَوتُ إلَى الرِّضا قِلَّةَ استِمرائِي الطَّعامَ، فَقالَ: كُل مُحَّ البَيضِ، قالَ: فَفَعَلتُ، فَانتَفَعتُ بِهِ[26] .
كما أوصى الإمام الرضا بتجنب الإكثار من تناول الطعام المالح؛ لأنه يؤدي إلى تصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وينصح الأطباء اليوم بتقليل أكل الملح أو اجتنابه نهائياً لمن يعاني من ارتفاع شديد في ضغط دمه.
وكذلك أشار الإمام إلى أن أكل اللحم النَّيِ «غير المطبوخ» يولد الدود في البطن، وأن شرب الماء البارد عقيب الشيء الحار، أو عقيب تناول الحلويات؛ يؤثر على سلامة الأسنان، وقد أكد ذلك العلم الحديث، وأطباء الأسنان، وحذروا منه.
هذه الوصايا الغذائية والإرشادات الصحية العديدة التي ذكرها الإمام في رسالته الذهبية في غاية الأهمية للحفاظ على سلامة وصحة الإنسان، ولو التزم الناس بها لحافظوا على سلامة صحتهم العامة، ولوقوا أنفسهم من الإصابة بالكثير من الأمراض والأسقام الضارة.
اشتملت الرسالة الذهبية أيضاً وغيرها على العديد من النصائح الغذائية التي تقوي المناعة عند الإنسان وتحافظ على الصحة وتقي من الأمراض، من هذه النصائح والوصايا القيمة نذكر الآتي:
1 - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَ فِي حِفْظِهِ، فَلْيَأْكُلْ سَبْعَ مَثَاقِيلَ زَبِيباً بِالْغَدَاةِ عَلَى الرِّيقِ[27] .
2 - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِلَّ نِسْيَانُهُ وَ يَكُونَ حَافِظاً؛ فَلْيَأْكُلْ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ قِطَعِ زَنْجَبِيلٍ مُرَبًّى بِالْعَسَلِ، وَ يَصْطَبِغُ بِالْخَرْدَلِ مَعَ طَعَامِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ[28] .
3 - مَنْ أَرَادَ رَدْعَ الزُّكَامِ مُدَّةَ أَيَّامِ الشِّتَاءِ، فَلْيَأْكُلْ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ لُقَمٍ مِنَ الشَّهْدِ؛ وَ إِذَا خَافَ الْإِنْسَانُ الزُّكَامَ فِي زَمَانِ الصَّيْفِ، فَلْيَأْكُلْ كُلَّ يَوْمٍ خِيَارَةً، وَ لْيَحْذَرِ الْجُلُوسَ فِي الشَّمْسِ[29] .
4 - مَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُصِيبَهُ رِيحٌ فِي بَدَنِهِ، فَلْيَأْكُلِ الثُّومَ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً[30] .
5 - مَنْ أَرَادَ أَنْ لَا تَفْسُدَ أَسْنَانُهُ، فَلَا يَأْكُلْ حُلْواً إِلَّا بَعْدَ كِسْرَةِ خُبْزٍ[31] .
6 - مُصَّ مِنَ الرُّمّانِ الإِمليسِيَ[32] ؛ فَإِنَّهُ يُقَوِّي النَّفسَ، ويُحيِي الدَّمَ[33] .
7 - التِّينُ يَذْهَبُ بِالْبَخَرِ[34] ، وَ يَشُدُّ الْفَمَ وَ الْعَظْمَ، وَ يُنْبِتُ الشَّعْرَ، وَ يَذْهَبُ بِالدَّاءِ، وَ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلى دَوَاءٍ[35] .
8 - الْبِطِّيخُ عَلَى الرِّيقِ يُورِثُ الْفَالِجَ؛ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ[36] .
9 - أَكْلُ الْهِنْدَبَاءِ شِفَاءٌ مِنْ أَلْفِ دَاءٍ، مَا مِنْ دَاءٍ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ إِلَّا قَمَعَهُ الْهِنْدَبَاءُ؛ إِنَّهُ يَذْهَبُ بِالْحُمّى، وَ يَنْفَعُ مِنَ الصُّدَاعِ وَ يَذْهَبُ بِهِ[37] .
10 - أَطْعِمُوا مَرْضَاكُمُ السِّلْقَ[38] - يَعْنِي وَرَقَهُ - فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً، وَ لَا دَاءَ مَعَهُ، وَ لَا غَائِلَةَ لَهُ، وَ يُهْدِئُ نَوْمَ الْمَرِيضِ، وَ اجْتَنِبُوا أَصْلَهُ؛ فَإِنَّهُ يُهَيِّجُ السَّوْدَاءَ[39] .
ونكتفي بهذه الوصايا الغذائية والإرشادات الصحية التي يبين فيها الإمام ما يقي الإنسان من الأمراض والأسقام والأوبئة، ويحافظ به على نعمة الصحة والسلامة والعافية من كل داء.