تنظيم الوقت وإدارته من أهم أسس النجاح
خلصنا في المقالة السابقة إلى أن رأس مال الإنسان في هذه الحياة هو وقته. بيد أن طريقته في إدارة وقته والاستفادة منه هي التي تحدد الفارق بين نجاحه وفشله على المستوى الشخصي في هذه الحياة. كما تُعد الطريقة التي يدار بها الوقت أحد أهمّ أدوات قياس وعي الشعوب، أفراداً وجماعات، وتحدد مدى مستوى تحضّرهم وتقدمهم. فمن خلال ملاحظة مدى احترام الوقت عند هذا الشعب أو ذاك تتكون لدينا صورة واضحة عن مستوى ثقافته ووعيه.
وعلى هذا الأساس لا نبالغ حين القول بأن الناجحون في هذه الحياة يعرفون كيف يديرون حياتهم وأوقاتهم، وكيفية تنظيمها بشكل متوازن بين الواجبات والرغبات والأعمال اليومية والأهداف التي يرغبون في تحقيقها، حتى لا يطغى بعضها على بعض، ولا يطغى غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، فما كان مطلوباً بصفة عاجلة لا بد أن يبادر به ويؤخر ما ليس له صفة العجلة، وما كان له وقت محدد يجب أن يُعمل ويُنجز في وقته.
إن الموازنة بين النشاط اليومي والأهداف تأتي من خلال تخطيط الإنسان لحياته بشكل مسبق، وتنظيمه لوقته، وترتيب أولوياته، وإدارتهم لذاته. وهذا الأمر يحتاج قبل كل شيء إلى أهداف يضعها المرء لحياته، ورسالة يسير على منهجها، لأن ذلك يجعل تنظيم وقته سهلاً وميسوراً. فالتنظيم أساس النجاح، والتنظيم يجعل كل الأمور سهلة، ويساعد على العمل بهدوء وراحة، وفي ذلك إتقان للعمل والنجاح فيه، والنجاح في العمل يعني النجاح في الحياة. وعلى العكس من ذلك إذا لم يخطط الإنسان لحياته ويحدد أهدافه فسوف تصبح مهمته في تنظيم الوقت صعبة وعسيرة، وستكون حياته مشتتة وفوضوية.
لذلك ينبغي أن يكون ”لكل منا رسالة في الحياة، وهدف معين يسعي إلى تحقيقه. فإذا تحدد الهدف بدقة ستُحدد على الفور طُرق أو طريقة تحقيقه. وأي طريق ينبغي أن يُقسَّم إلى مراحل، وكل مرحلة تستغرق زمناً معيناً وتُحقق خلالها أحد الأهداف الجزئية المؤدية إلى تحقيق هذا الهدف النهائي. وهكذا فالنجاح في حياتنا العملية يقتضي بلا شك ألا نترك وقتنا يضيع هباء، إما بالفراغ، أو بأحلام اليقظة، إذ علينا دائماً أن نملأ الفراغ ونستثمر الوقت المُهدر في تحقيق أهداف حقيقية نحددها بوضوح ونعمل على تحقيقها. وربما يبدأ الأمر بحلم يقظة، لكن علينا أن نحوِّل هذا الحلم إلى هدف واقعي نريد تحقيقه، ثم نعمل بعد ذلك على تحقيقه من خلال خطوات محددة، مستثمرين في ذلك كل دقيقة من وقتنا دون أن نهدر منه شيئا“. [1]
وتؤكد ”هالة الأبلم“، وهي مرشدة نفسية واستشارية تربوية أسرية، إلى أهمية الوقت، بقولها إن ”عبارة“ ليس لدي وقت ”نسمعها كثيراً ونقولها أكثر، ولكن بالتمعن بمعناها نجدها تخلو من الصحة، فالوقت هو الحياة، وما دمنا نحيا فنحن نملك الوقت، فالأولى أن نقول ليس لدينا قدرة على إدارة وتنظيم الوقت. أما عن الوقت فإنه مورد غير قابل للبدل أو التعويض، ومن هنا لابد من توزيعه بين العمل والمنزل والصحة والنفس والعائلة“ فأعط كل ذي حق حقه”، فإدارة الوقت تعني في المرتبة الأولى إدارة الذات، حيث يؤدي الإنسان ما عليه من واجبات، ويحقق توازناً في حياته بين نفسه وعائلته وعلاقاته الاجتماعية وبين الرغبة في الإنجاز في عمله وطموحاته المادية، ولا تعني أداء الأعمال بسرعة أكبر، بقدر ما تعني أداء الأعمال الصحيحة التي تخدم أهدافنا وبشكل فعال“. [2]
إن المحافظة على الوقت وإدارته وعدم هدره فيما لا يفيد من القيم السلوكية والأخلاقية التي يجب التأكيد عليها، والالتزام بها، كونه مقوم من مقومات الشخصية السوية، فإدارة الوقت تعد من أهم أسس النجاح، ووسيلة من وسائل التقدم والتطور، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات. ففي المجتمعات المتقدمة يقدسون الوقت والمواعيد، ويحرص الكثير من أفرادها على استثمار الوقت والاستفادة منه بوضع برنامج يومي مُخطط له، لكون الوقت عندهم له قيمة ثمينة. وهذا السلوك في إدارة الوقت هو على خلاف ما يحدث في المجتمعات المتخلفة حيث تنتشر الفوضى والعشوائية والتخبط وعدم تنظيم في أمور الحياة، وعدم التزام بالوقت، فضلاً عن التخلف عن المواعيد وعدم الالتزام بها.
إننا بحاجة إلى تنمية ثقافة الاهتمام بالوقت واحترامه في النفوس. ودعوة كل فرد إلى الجد والاجتهاد في استثمار وقته طالما كان قادراً على العمل والإنتاج، وأن يستغل كل دقيقة من حياته لمصلحة نفسه والمجتمع الذي يعيش فيه حتى آخر لحظة من عمره. فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ”إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها“، وهو دليل على قيمة الوقت، فضلاً عن قيمة العمل، لأن ذلك يعد بمثابة معيار التفاضل بين الناس في هذه الحياة.