آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

منتدى الثلاثاء الثقافي وجغرافية الشعر والأدب

فريد عبد الله النمر *

مقدمة

عندما تحاول أن تسلط الضوء على منجم معرفي أو خارطة لرقعة عريضة من الثقافة في عولمتها الحديثة ومنهجها في صناعة المشهد الثقافي المتجذر يتوجب أن تخصص بعض الكلمات التي تستعيد فيها الإشتغالات الأدبية الأكثر تأثيرا من ناحية المنجز كمعادل ثقافي متخصص في تقديم الوجبة الأدبية والشعرية كمتجه أساس لهذا التكوين ولكن عندما تتحدث عن منتدى ثقافي متنوع في نشاطه المعرفي والحواري ويجدر بك عند الكتابة تحديد معالم هذه الخارطة أو المنجم المعرفي وسياسته في شغل الحيز الثقافي ومكوناته والمردودات الثقافية التي يفيضها على المكون العام والخاص ومن هنا نقف أمام منتدى الثلاثاء الثقافي وقفة تأملية صادقة نتجول في جنباتها المورقة وجغرافية الشعر والأدب فيها والمعطيات التي نلامسها من خلال ما قدمه هذا المنتدى في عقدين من الزمن لهذا الجنس الفني والمتشظي بهالاته المختفلة وأشكاله الكتابية والمعرفية وبناءاته المتبابية في أفكارها والحديث عن معنى الثقافة التي ننصت إليها في مدياتها المتسعة وما يجول في أروقتها من أسئلة جديدة وجديرة بالإهتمام كمخاض لا يتوقف بل يتجاوز لفضاءات وعوالم أرحب غنية بالجمال

منذ نشأة المنتدى ورغم العصف الكبير الذي يعتري القائمين عليه نحو متطلبات المرحلة من الإنفتاح على جميع الأطياف بحوارتها المعرفية وتحديات المرحلة سياسيا واقتصاديا وثقافية وتداخلات العولمة الجديدة في العالم أرتكز منتدى الثلاثاء الثقافي على ركيزتين مهمتين فاعلتين هما التاريخ والأدب في استقطاب مرحلي يؤسس لحالة الإنسجام العام بين أبناء المجتمع من مهتمين بالثقافة من جهة وبين أبناء الوطن الصغير والكبير في المحيط العربي والخليجي في فرد مساحة عريضة لهما كرافدين ثقافيين تدور حولهما الفنون الإبداعية لرسم هوية الإبداع الوطني مطعما إياهما ببيئة جمالية هامشية تتداخل معهما كما يفعل بالصالونات العالمية الشهيرة من تشكيل وخط وغيرها من الفنون

جغرافية الشعر والأدب بالمنتدى

كأن الشعر والأدب ولا يزال هو ذلك الفن الإبداعي الذي يمارس طقوسه في المنتديات على طريقته الخاصة والكيفية التي يريد وبالشكل الذي يراه فكان لمنتدى الثلاثاء الثقافي الإنحياز له في فسح جميل وراقي وحر ليعبر الأدب عن نفسه بما يريد وما يشاء وينشد الشعر ألحانه بجميع أشكاله الكتابية المبدعة والمحلقة راسما له جغرافية في ضيافة المفكرين الأدباء والنقاد الجدليين المعرفيين واستضافة الشعراء المحلقين والملهمين في أمسيات خاصة يدور في النقاش حول مكتسبات الأدب والشعر على الصعيدين المحلي والعربي والعالمي ناهيك عن استقطاب المترجمين الأدباء والشعراء البارعين في تجسيير اللغة بين الشعوب ونقل الكتابات الشعرية والأدبية من وإلى الوطن كتحد جديد يفضي لعلمية الشعر والأدب على السواء ليمنح المشاركين والجمهور رافد آخرا من الرؤى المتنوعة في تبادل الأدوار للأدب الإنساني

حيث أصبح منتدى الثلاثاء الثقافي محل تطلعات المهتمين من الشعراء والأدباء لما لمسوه من حالة تفاعلية كبيرة في المشهد السعودي العريض والعربي في عمومه مستقطبة للجمهور النوعي والواعي بكينونة الشعر والأدب فجاءت اختياراته في الإستضافة كخارطة أدبية على النحو التالي:

- استضافة أدبية أكاديمية تعتني بالمتغيرات والمناهج الأدبية والشعرية

- استضافة كتاب في الساحة الأدبية لهم شأن ورؤية أدبية مفهومية من خلال كتاباتهم

- استضافة شاعر ملهم والتعرف على التجربة الشعرية من خلال قراءة شعرية خاصة سرد وسيرته الشعرية واتجاهاته الكتابية

- استضافة عدة شعراء للمناسبات العامة والخاصة والوطنية

- استضافة الحلقات النقدية

- تكريم الشخصيات الشعرية والأدبية الفاعلة والمنتجة والفائزة بالجوائز الشعرية على مستوى الوطن وخارجه

- توقيع اصدارات الشعراء الذين لهم نتاج شعري مقروء

- شراكة ثقافية مع المنتديات والملتقيات الشعرية والأدبية بالمنطقة

أما عن الموضوعات الإدبية التي يتقصاها منتدى الثلاثاء وعبر دوراته المختلفة

- أخبار المشهد الشعري وآخر تحدياته

- التجديد الشعري الملهم وثقافة التجديد

- شعراء الوطن واللغة الجامعة لهم في حقل القصيدة الوطنية

- الإتجاهات الشعرية واثر حركتها على الجيل القادم من الشعراء

- شعر المناسبة

- حركة التأليف والنشر الأدبي

من هذه الجغرافية المشحونة بالنشاط الدؤوب يتحين المنتدى فرصة الأدب والشعر أن تكون حاضرة ضمن برنامجه السنوي بالتخطيط المسبق لها في اختيار الشخصيات من الأدباء والشعراء والتي تهيئ المشارك فيه للتحضير والإمتثال على أحسن وجه وكلما تقدم المنتدى في سنين عطاءاته قدم برنامجه على متسوى يليق بالحالة الحوارية والمعرفية والإبداعية بشكل ملائم وخلاق لعلمه بخصوصية الشعر كلغة شعورية حالمة وكفن أخاذ يصنع الفارق في وجوده الثقافي والأدبي فتارة يناقش القصيدة واللغة وتارة يحاور الشاعر في رؤيته ومفهومه واطلاعه وتارة يفسح للنقد إعمال أدواته الفنية فيه وأخرى يفسح للجمهور طرح التساولات التي تدور حول بعض النتاج الشعري للشاعر في موازنة دقيقة بين المتعة بالشعر والأدب وبين مثاقفة رائعة تفضي بتقاطع القلب الشعري المفكر والرؤيوية التي يحملها كزاد جمالي عميق

كما أفرد منتدى الثلاثاء الثقافي للشعراء المخضرمين والملهمين مساحة المشاركة إذ لم يشغله إزدحام النشاط السنوي عن فئة الموهبين الشباب إناثا شواعر وشباب شعراء فقد استقطب الكثير من الشعراء الشباب في بداياتهم وعلى طول الفترة المنصرمة من دوراته الأولى وحتى الدورة العشرين آخذا بهم نحو منصة الثقة والحضور والجمال كبداية تنقش على جبين المسيرة لكثير من الشعراء الذين شاركوا به كانطلاقة أولى نحو المكنة الشعرية الفارعة في هذا الوطن المعطاء

فمن هذا اللون من الشعور باللحمة الثقافية والأدبية والركض نحو الإبداع في مكنوناته المحلقة لمنتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف سنعلم حجم هذا الإشتغال المضي الجميل والمتصاعد في شغل هذه المنطقة الإبداعية من الشعر في تكوينه والأدب في ملامساته والتي تمهد لوعي شعري تستلهمه الأجيال وتتحدث عنه النخب الثقافية وعوامها بعفوية وتأمل ومن هنا سيكون للجيل ما يعزز فهمه الثقافي بما يدور في حلبات النص من إفرازات نصية وبلاغية ولغوية ومن تأصل للغة الشاعرة في ضوء المواقف المرتبكة بمرحلة العولمة وتعريفات الهوية الأدبية العربية في عمقها وتجلياتها والمواقف التنويرية والمضيئة التي تزخر بها هذه الأمة كمكون ومن إرادة ثقافية تنتمي لموروثها ولغتها والتطورات المحيطة بها والمتسعة في تشعبات حقولها الفكرية والأدبية ومحددات الهوية لديها، ومن هنا سنقف على مجرة هذا الكائن الشعوري المتشابك في منظوراته نحو فن ينتج لنا الشعر في جذواته الخالدة والمتفردة في تصويراتها الأخلاقية والفنية والأكثر محبة وإنسانية لطمأنينة عالية

فبالتوازي الإستهدافي للأدب والشعر إلى فهم أفضل لتطوراتهما المعرفية والمعاصرة يخضع المنتدى لحوارات تصاعدية في منظومة الفكر بتسارع ملحوظ تفرضه الحالة الإجتماعية وتسارع المشهد الثقافي الداخلي والخارجي وعجلته في التنمية البيئية والإقتصادية والعلمية والسياسية ومتغيراتها الهائلة في المنطقة العربية

ومن هذا المنطلق يرى منتدى الثلاثاء الثقافي ممثلا في إداراته المتعاقبة بقيادة ملهمه المهندس الأستاذ جعفر الشايب أن لا نجاعة لكل هذا الدور المجتمعي دون أن يسهم هذا الأدب في حضوره المتتابع لريادة المشهد الثقافي كحضور ينتج عنه تدعيم الأفكار المثمرة عبر إطلالاته الإبداعية كحاجة ماسة لمقياس التجلي الفكري والحسي الذي تنتجه القصيدة بكل عنفوانها وينتجه الأدب بكل ما أعطي من فن يساهم في تكاملاته الثقافية والحضارية الذي يصبو إليها

فما يمتلكه منتدى الثلاثاء الثقافي من مقومات وبيئة ملائمة مخططة بإدارتها الوعية عبر عقدين من الزمن يجعلنا كشعراء وأدباء أن نحجز مكاننا في شرفة القصيدة الفارعة والمتقدة بالإبداع بلغتها وتصويرتها كلبنة عطاء قابلة للتعاطي الحضاري والعصري كفن خالص وبالغ الأهمية لتكوين روحي يجعل منه رائدا للكتابة الجميلة والمبدعة

الأثر الأدبي في منتدى الثلاثاء الثقافي

من خلال التجربة الشعرية الفاعلة ومن خلال حركة الشعر في المشهد الأدبي نستقي هنا أن حركة الشعر ليس مجرد حركة خيالية لرأس ملتهبة تبرز شخوصها نحو المقدمة وتقدم المشهد الثقافي وريادته وحسب ولكن هي صورة من طبيعة منسلة من الروح البشرية والأخلاقية في تجاذباتها الإنسانية اليومية والحولية والعمرية المؤثرة والمتاثرة بكل ما هو كوني من خطأ وصواب وجمال وقبح ورغبة وامتعاظ وفرح وحزن وغبطة وانفعال كحاجة رفيعة تمليها علينا طبيعة الحياة

فإذا كان الشعر والأدب يتأثر بكل ما تمليه عليه الحياة فلا شك فإن المجتمعات الواعية والشاهقة والرفيعة والراقية تتفاعل طرديا مع هذا التأثر الخلاق في بوصلة حركة الفكر وجغرافيته أيضا نحو الكشف والإكتشاف لذروة الرقي وتقديمه كحالة دالة على الإحساس بالمعنى وهو مقياس حقيقي ومن أهم المقاييس للأمم الناهضة والمتطلعة حيث تصبح الرؤية والنظرة محل نقاش دائم يكشف عن الجمال والحب كسيرة بشرية ممتدة ومتفاعلة مع حياتها في كل أزمنتها التاريخية ليفتح الشعر أسئلته الوجودية من خلالها مختارا للحظتها العميقة في خلق حواري معرفي لا يتوقف عن الأسئلة المتفرعة والتفصيلات الدقيقة والنشاط الإبداعي

المنتدى والحضارة والأدب

لا يخفى على أحد أن الوقت الراهن هو وقت المتغيرات وتسارع عجلة التنكلوجيا التواصلية التي غيرت وجهة الكرة الأرضية والعالم ولا يخفى أن الطبقة المتعلمة أخذت محلها في التعاطي الجاد مع كل ما تقدمه الثقافة من معطيات حياتية عام يكون الأدب جزء منها

فمن خلال هذا التطور المحفز لعالم جديد انحاز المنتدى لخطة أدبية خاصة يحرك فيها مكامن الأنفس من خلال توسيع رقعة المشاركة لكل مبدع ولمهم ليذكي عندهم روح الحوار مستفيدا من كتاباتهم المنشورة وتسليط الضوء عليها وذلك بافراد حيزا كبيرا للشعراء المشاركين بصفحاته الإليكترونية المختلفة مواكبا حركة التغيير في بث هذا الحراك الأدبي إعلامية ومن خلال الميديا المقروءة والمسموعة يتناولها الجميع بكل يسر وسهولة ومعرفة آراء القراء للحركة الأدبية والمادة الشعرية المقدمة

وهذا يعني خلق روح تفاعلية من بعد قادرة على رصد المحتوى الأدبي المقدم من جودة في فنية الأدب وفي وجهات النظر المختلفة حوله مما يضيف للمنتدى ولروحه الحوارية أرضية أخرى للتعاطي المبدع من خلال تقويمات العمل

كما استطاع منتدى الثلاثاء تكييف نفسه بوعي كبير مع الأمر الواقع الذي يفرضه المشهد الشعري المترامي في إتجاهاته كجهة مستضيفة محايدة تروج لكليته بجميع أشكاله المتقاطعة والمتآلفة والمتنافرة ومن ردود أفعال حول المعطى الأدبي والشعري ومعاكه غير المنتهية جاعلا من لغة الألفية الثالثة تصالحا مع الذات الأدبية هدفا قائما مبنيا على الحوار الثقافي ومشتركاته وجوامعه نحو نهضة شعرية مشتركة تفضي لحرية الثقافة والفكر والأدب مترفعة على كل ما يشوبه بشائبة تخرجه عن الذوق الأدبي والحضاري خالقا لبيئة الإعتدال والرؤية والفن والإبداع كمجسة عالية تفضي للمشاركة والتحول الجميل والرائع في أغراض الشعر ولغته وقدرته على تمثيل المشهد السعودي والخليجي والعربي في عصره الراهن

الخلاصة

يعد الشعر والأدب في حصص منتدى الثلاثاء الثقافي هي ترمومتر القصيدة والحركة الأدبية في عنوانها العام والبارز ومجسة للإحساس بتمظهرات الحركة الثقافية والفكرية وحواراتها بما يقدمه الشعر والأدب من إحلال وإقتراح مجازي حول المناخ الثقافي عبر تصويراته وعمق عاطفته والعلاقة الرمزية بذهن المفكر والمتلقي من خلال لغته الفارعة وبحوره الممتدة وإيقاعته المغنية التي تنتهي للإحساس بالفكرة عبر إلتماعاتها الخفية محققة بذلك التواشج والتوازن الفكري والعاطفي الخلاق وارتباطهما الثقافي والمعرفي عند الشعراء والمفكرين من موروث ولغة وتاريخ وهوية وتجديد ومعاصرة كل ذلك في دورق الجمال المسمى بالنص الأدبي أو القصيدة المفهومية والمعنوية والفنية بجميع أشكالها الكتابية المحلقة كغاية نهائية تبلغ المدى الأقصى للذة البيان وقواه المؤثرة كسحر عظيم نستشف منه القدرة على التعبير عبر مجازات الكلمة التي تصنع الحدث والدهشة والإثارة الشاخصة

شاعر سعودي من العوامية