مدرستي..!
إن العلم آية التطور، ووسيلةٌ لنيل المعرفة والتقدم، وطريقٌ رائدٌ لِمحو الجهل والتخلف، وأملٌ لِتغيير الثقافةِ البائسة، والعادات البالية والتقاليد العمياء التي أرّقت وأرهقت.
إن ما نعيشه اليوم هو تجربةٌ فريدةٌ من نوعها، قد فرضتها الظروف، وحكمت عليها المعطيات، راهن على نجاحها أصاحبها، فأصبحت بمثابة التحدي لهم وللقائمين عليها ولِلمعلمين والمعلمات والطلاب والآباء والأمهات أيضاً.
فليس من السهل أن تنتقل تلك المدرسة الكبيرة، وتلك الساحة الرائعة، وتلك الفصول التي كانت تضجُ بلهفة لِطلبِ العلم، في شاشة جهازٍ صغير لا يتعدى حجمه راحة اليد..!
ليس من السهل أن نَخلق أجواء المدرسة في ضجيج المنزل، ولا أن نُعيد تفاصيلها في شاشةِ هاتفٍ صغير، فلا طابورٌ يُرى، ولا نشيدٌ بأعلى الصوت يُسمع، هيبة مُعلمٍ أخفت همسةُ طالب «يا صديقي قد نسيتُ القلم»، في صمت الفصل تحكي الكتب فصولها، وتتنافسُ الأيدي لنيل درجاتها، جرسٌ يتنفسُ معه الصعداء..!
في الواقع إنها المعاناة الصامتة يا ساده، إنها الجهد المضاعف، معلمةٌ تُلبي النداء وطفلتها الصغيرة تراقبُها على استحياء، تتساءل بحيرةٍ لماذا كلهن معهن أمهاتهن إلا أنا؟! مُعلمٌ على فِراشه الأبيض قد سطر الوفاء في كلمة «أنا سأكون دائمًا معكم».
أما أبطالُ مقالتي هم أولئك الجالسين بصمتٍ خلف أبنائهم، المختبئون خلف الشاشات، أمٌ أرهقها التعب من الصباح إلى المساء، تتنهدُ بصمتٍ بعدما جسدت دور الطالبة والمعلمة والأم والزوجة، وأبًا طلّق وقت استرخائه لِيُعين ابنه، مسؤوليةُ كبرى تُثقلُ الكاهل وتؤرقه.
لا شك بأنه حملٌ ثقيلٌ لا يشعر به إلا حامله، وتحدٍ صعب لا ينال الفوز فيه إلا من أيقن أن الوقت ثمين.
لابد من التكيف والتكاتف والتعاون، لا يجب أن نُضيع الوقت في التذمر والشكوى، هو ظرفٌ قاهر ونحنُ بشرٌ قادرون بإذن خالقنا..!