إشكالات على معنى الفنان
في القرآن الكريم أسرار كثيرة وعناوين ومواضيع لا تعد ولا تحصى، ومن ضمنها في مجال الفنون، وما ذكره المصحف الشريف في سورة الرحمن آية 48. قال تعالى في وصف الجنة «ذَوَاتَا أَفْنَانٍ» وهذه الآية الوحيدة والكلمة الوحيدة لهذه الكلمة.
وذكر المفسرون في معنى كلمة أفنان عدة معان منها بمعنى: أغصان وأنواع الثمار، وألوان من النعيم، وهكذا.
جاء في تفسير الطبري: «ذواتا أفنان: أغصان. أو أنواع من الثمار.»
وفي تفسير بن كثير: عن ابن عباس ﴿ذواتا أفنان﴾ ذواتا ألوان: تفسير بن كثير [1]
وفي تفسير مجمع البيان للطبرسي ﴿ذواتا أفنان﴾ أي ذواتا ألوان من النعيم عن ابن عباس وقيل ذواتا ألوان من الفواكه عن الضحاك.
وفي معجم كلمات القران: «ذواتا أفنان: أغصان. أو أنواع من الثمار
أما التفسير الميسر «ذَوَاتَا أَفْنَانٍ: الجنتان ذواتا أغصان نضرة من الفواكه والثمار.»
«فنن: ف ن ن: الفَنُّ واحد الفُنُونِ وهي الأنواع والأَفَانِينُ الأساليب [2] »
«فَنَّنَ الشيءَ: جعله فُنونًا وأَنواعًا. تفَنَّن الشيءُ: تنوعت فنونه. تفنَّن في الأمر: أبدع، استعمل إمكاناته الفكريّة والمهاريّة لإنجازه» [3]
وأما مصطلح أفنان: «فُنون: اسم جمع فَنّ: الْفُنُونُ الْجَمِيلَةُ: كُلُّ الإِبْدَاعَاتِ الْفَنِّيَّةِ الَّتِي تَرْتَقِي إِلَى الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، وَتَسْمُو بِالْخَيَالِ إِلَى الْخَلْقِ وَالإِبْدَاعِ كَالرَّسْمِ وَالنَّحْتِ وَالزُّخْرُفِ [4]
فالفن كاللون: له عدة معاني كما قال تعالى: وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [5]
وألوانكم تعني: ألوان أجسامكم وتأتي: تنوع أجناسكم ولغاتكم وقبائلكم وسلوككم.
وقال تعالى: فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا [6]
في خطوط الحمار وتسميتة بالفنان.
تعريف الفنان: بالحمار الوحشي، هو ما ذكر في بعض المعاجم: «والفَنَّانُ: الحمارُ الوحشيُّ لتفنُّنهِ في العَدْوِ.» [7]
وفي نفس المعجم عرف الفنان: «الفَنَّانُ: صاحبُ الموهبة الفنية، كالشاعر والكاتب، والموسيقى والمصور والممثِّل؛ وهو مبالغة من فنَّ.» [8]
وقد التبس الأمر حول تسمية الحيوان والاشكال التي على جلده وهي كالأغصان كما عرفنا من تفسير آية «ذَوَاتَا أَفْنَانٍ» فارتبط معنى أفنان بالأغصان بما خلقه الله على جلد الحيوان من أشكال متمايلة ومتفرعة كالأغصان.
فيكون المعنى ليس إسم الحمار كحيوان بالفنان بل بالخطوط المتكونة على جلده من الخارج وهي بحق خطوط رائعة في التكوين والتشكيل الفني فسبحان الخالق الذي كون هذه الخطوط الرائعة ويقول بعض العلماء أن لكل حمار خطوط تختلف عن غيره ولا يوجد اثنان بنفس السمة والتكوين لذا صار مثار الإعجاب والإستغراب.
ما هو حمار الوحش:
”حِمَارُ الوَحْشِ. حِمَارٌ وَحْشِيٌّ: الحِمَارُ الْمُخَطَّطُ....ومعروف بألوانه المخطّطة بالأبيض والأسود“ [9]
من ذلك يتبين الخلط بين الخطوط على جلد الحمار وبين كلمة أفنان أي ألوان متنوعة من الأغصان والفواكه.
”بالإضافة إلى اللون الأبيض والخطوط العريضة التي يمتاز بها الحمار الوحشي والتي تختلف بشكل كليّ من حمار وحشي إلى آخر كما تختلف بصمة الأصابع لدى الإنسان [10] “
أما احتمالات العلماء والباحثين من فوائد خطوط الحمار الوحشي: ”ركزت جهود العلماء الأخيرة على ثلاثة احتمالات: الحماية من لدغات الذباب، والتنظيم الحراري، والحماية من الحيوانات المفترسة. [11] “ كتمويه للإختباء وتضليل الأعداء.
فيما ذكره الأعشى الشاعر المعروف من شعراء الجاهلية في قصيدته الميمية التي يصف فيها عدو الحمار الوحشي بقوله:
”وإِنْ كانَ تَقريبٌ مِنَ الشَدِّ غالَها *** بِمَيْعَةِ فَنَّانِ الأَجارِيِّ مُجْذِمِ“
ففي معجم لسان العرب: ”يُقَالُ افْتَنَّ الحمارُ بأُتُنه [12] واشْتَقَّ بِهَا إِذا أَخذ فِي طَرْدِها وسَوْقها يَمِينًا وَشِمَالًا وَعَلَى اسْتِقَامَةٍ وَعَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ؛ فَهُوَ يَفْتَنُّ فِي طَرْدِها أَفانينَ الطَّرْدِ“
فقد وصف الشاعر إعجابه بركض وجري الحمار الوحشي بأنه يتفنَّن في عدوه وحركته، ولكن البعض حذف الوصف وتفنن الحمار الوحشي، وألصق كلمة فنان بالفاعل الموصوف، فلو لم يعجب الشاعر بجريه لما وصفه بالفن، ثم أنه يستطيع وصف أي كائن غير الوحشي يقوم بصفة الفن كذلك.
كما ”قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ رَحىً: لَهَا زِمامٌ مِنْ أَفانِينِ الشَّجَرْ
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ: مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ، حَتَّى... أغاثَ شَرِيدَهمْ فَنَنُ الظَّلام
فَإِنَّهُ اسْتَعَارَ لِلظُّلْمَةِ أَفْناناً، لأَنها تسْتُر الناسَ بأَستارها وأَوراقِها كَمَا تَسْتُرُ الْغُصُونَ بأَفنانها وأَوراقها.“ [13]
وجاء في المعجم الوسيط: «الفَنَّانُ»: صاحبُ الموهبة الفنية، كالشاعر والكاتب، والموسيقى والمصور والممثِّل؛ وهو مبالغة من «فنَّ». والحمارُ الوحشيُّ لتفنُّنهِ في العَدْوِ.
ولن نتهم أحد بالخداع وتوظيف هذا المعنى [14] ، بل بالإشتباه، ولكن كباحثين أو نقاد أو فنانين نعترض على تضمين بعض المعاجم العربية المعروفة بتعريف الفنان هو الحمار، ونترك هذه الإشتباه للتاريخ المنصف.
