آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 11:51 ص

عمار قريش.. نهر «داروش» الثامن

ياسر آل غريب *

المنشد الراحل عمار قريشعندما أتحدث عن الراحل العزيز عمار قريش فإنني أتحدث عن ذلك الصوت الولائي الذي تربينا عليه منذ 40 عاما حينما تجددت مياه المجتمع.

إنه الصوت الذي يعتبر امتدادا لصوت الينابيع في صفوى. وإذا كانت لعين «داروش» سبعة أنهر - حسب مايقوله التاريخ - فإن أبا سراج هو النهر الثامن الذي سقى النفوس بمزيد من الود.

هو مثال نرى به التحولات التي مر بها فن الإنشاد في مجتمعنا، متذكرين كيف أسس في مقتبل شبابه الفرقة الإنشادية التي كانت تغذي الاحتفالات الدينية، وتلك التسجيلات التي تعتبر شواهد على حقبة الثمانينات المليئة بالحماس الشبابي. ومتى ماتذكرنا مهرجان الصفا للأعراس «الزواج الجماعي» فلا تغيب عن وجداننا أنشودة «صاحب التاج والبرد اليماني» التي لطالما أنشدها في محافل عدة حتى أصبحت أيقونته الخاصة. واستمرت مسيرته الفنية إلى أن بلغ ذروة التألق في «كريكشون» التي أحبها الأطفال.

اختط لنفسه منهجا في الإنشاد فهو يجمع التراث بأدائه الفلكلوري، والتجديد الذي شغل ذهنه كثيرا حتى تجسد في أعماله الأخيرة، وبهذا اتضحت شخصيته بجمعه المتوازن بين الرسالة والفن.

شخصيا كتبت له الكثير من القصائد كان آخرها أوبريت عناقيد التفوق الذي عرض في مهرجان التفوق الطلابي بمدينة صفوى قبل إعلان الحجر الصحي بمحافظة القطيف بأيام معدودة. لم يكن يفرض عليّ كتابة على وزن معين، بل كان يترك الحرية لي ومن ثم يستخرج ألحانها وفق ماتوحي له الأبيات.

هو كائن أثيري في أهازيجه وعاشورائياته التي ورثها من أبيه، وفي الأدعية، وفي الأذان الذي كان يرفعه بفيض من العذوبة. وهو كائن اجتماعي يشارك الجميع، سواء كان في مجلس صغير أو محفل كبير.

إن صوت أبي سراج على مدى أربعة عقود لم يجد رافعة إعلامية تليق به، لأسباب عدة تتداخل فيها ظروف البدايات الصعبة وإمكانيات الاستمرار، لكن تجربته - على أية حال - تكمن قوتها في الريادة، وفي تحدي العوائق وفي الوفاء للمجتمع.

كانت البشاشة لاتفارق وجهه.. وبفقده نفقد الابتسامة البيضاء الصافية التي تعكس الطيبة التي يتحلى بها. ولا غرابة أن بيوتنا حزنت حزنا عميقا لرحيل من امتزجت أخلاقه بألحانه.

الآن وقد احتضن يوم عاشوراء مماته الشجي، نسأل الله له الرحمة والمغفرة بحق من صدح بذكرهم، واستظل بأفيائهم.