آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

صبرٌ ونصرٌ

بدرية حمدان

عاشوراء ليست مجرد عزاء ودمعة ولطم وإن كانت هذه توفيقات عظمة ومقامات عالية تُحدث التحول في القيم الروحية والإنسانية فهي بمثابة نهر جاري يغسل النفوس ويطهر الأرواح، فالانصهار في عمق المصاب لسيد الشهداء يحدث التحديث المستمر لهيكلة البناء الإنساني والروحي والنفسي ويمد الوعي الفكري القائم على مبدأ الصبر انتصار، فمدرسة الطف غنية وزاخرة بالدروس التي تحمل الكثير من الأبعاد والأهداف.

فالإصلاح هدف اساسي وجوهري قامت عليه الثورة الحُسينية، كما قائل سيد الشهداء لم اخرج اشرًا ولابطرًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمتي جدي أمرُ بالمعروف أنهى عن المنكر وأسيرُ بسيرةِ جدي وأبي.

فالتحول في المجتمع من مجتمع ريادي للعالم إلى مجتمع همج رعاع تعمه الفوضى وتسيطر عليه المصالح وتُطمس فيه القيم الأخلاقية والإنسانية، لذا كانت الطف تلك الهزة التي زلزلة تلك العروش واحدثت الصحوة الفكرية في العقيدة والسلوك والقيم والأخلاق.

فالطف منهج تربوي وسلوكي واخلاقي وعقائدي في مختلف صوره السياسية والاجتماعية والدينية فهو يمثل النموذج الحي والكامل للحياة الدنيوية والاخروية، ففيه التجرد من العبادة لغير الله، عبودية الدنيا والنفس والهوى عبودية الدينار والدرهم، فالحسين كله لله وفي لله، فذوبان العاشق في المعشوق يكون ”خذ حتى ترضى“.

وخيرٌ لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطِّعُها عسلان الفلوات بين النَّواوِيسِ وكَربلاء، فيملأن أكراشاً جوفا، وأحوية سغباً، لا مَحيصَ عن يوم خُطَّ بالقلم، رِضا الله رِضَانا أهل البيت،، الطف أرض القرابين من بني هاشم، زينب رفعت جسد أخاها بيدها قائلةً اللهم تقبل منا هذا القربان، فإخلاص العمل أن تكون كلك لله.

الطف عملية تكاملية بين الرجل والمرأة والتي كان لها حضور ومنهج متكامل ومرسوم وفق التطورات والأحداث حيث ساهمت في عملية الإصلاح ونشر قواعده واهدافه فيما بعد من خلال دورها الإعلامي الذي كشف التضليل والكذب واخفاء الحقائق، فرحلة السبي كانت انتصار الحق على الباطل الذي حاول تضليل الرأي العام.

صبرٌ بلغ دروة العطاء الذي لا حدود له فكان بمثابة الضربة القاضية التي هزمت قوى الظلم والاستكبار وانقلاب السحر على الساحر، نصبرُ على بلائه، ويوفِّينا أجورنا أجور الصابرين.

الطف هي تلك الصورة الحية التي اعطت للإنسان معنى «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فانتصر» المفكر الهندي غاندي، فهذه الصورة المشرقة في الوجدان الإنساني تعلم منها المظلوم طعم الانتصار على الظالم.

فعطاء الطف متجدد على مر الدهور والأزمان ومتدفق يغذي الروح والوجدان والضمير الحي الذي لا يعرف حدود جغرافية ولا عرقية ولا عقائدية سفينة من تعلق بها نجا ومن تخلف عنها غرق.