آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

الحس الإنساني في ثورة الإمام الحسين (ع)

صادق منصور العسيف

كذبَ الموتُ فالحسينُ مُخَلّدْ
كُلّما أخْلِقَ الزمانُ تجدَّدْ

هذا البيت الخالد للشاعر العراقي علي محمد الحائري حيث يرسم مستقبل العالم وينير دروب الأمم إلى الخلود ويضع السر في رقي الحضارات واستدامتها ولعل خلود هذا البيت واستدامته هو مثال بسيط يتجلى للعالم بأن الحسين قد هزم الموت وخلد بثورته ديمومة الدين الإسلامي وتوهجه على مدى الدهور.

جسد الحسين الكثير من المبادئ والقيم الإنسانية والتي تعد قواعد عامة في حياتنا اليومية لما تختزل من دروس وعبر تعد منهجًا أصيلًا متجددًا.

تعتبر ثورة الإمام الحسين تجسيدًا للحس الإنساني من خلال المأساة والمظلومية التي تتجدد على مر الزمان فمنذ خروج الإمام الحسين من مكة المكرمة وحتى عودة السبايا للمدينة المنورة نجد الأمثلة تسطر والدرس تستعرض في شتى المواقف التي تعرضت لها قضية الإمام الحسين وقد تحولت قضية كربلاء من المحدودية إلى العالمية وتحولت إلى قضيّة إنسانية، وأصبحت قضيةً عامّةً تتبنّاها البشريّةُ بمختلف قومياتها وأطباعها وديانتها، فتتحوّل من إطارها المحدود إلى قضيّة تمس كل العالم وتعني مختلف الأمم.

تتعدد المواقف الإنسانية التي تجسد قيمة الحس الإنساني لدى الإمام الحسين خلال ثورته والتي من خلالها يرسم لنا خارطة الحياة الكريمة والعيش بكرامة وبعزة مجسدًا انتصار الحق ضد الباطل فقد أُورق دم الحسين لتنتصر مبادؤه الدينية والإنسانية، وتستشعر الأُمّة فداحة تخاذلها، وعدم وعيها لأهداف الثورة الحسينية.

فالتضحية من أجل إعلاء الدين وديمومته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هي إلا قيم إنسانية ضحى لها الحسين بنفسه وأهله.

وقد انطلق الإمام الحسين في ثورته من بعدين يمثلان دعائم الخلود، البعد الأول هو الإيمان بالله وعبادته أما البعد الثاني فهو الاهتمام بالناس ومراعاة حقوقهم وهذان البعدان لا ينفصلان عن بعضهما، ومما ذكرته المصادر التأريخية في وقائع ليلة عاشوراء ما جاء في المعجم الكبير للطبراني عن موسى ابن عمير عن أبيه قال: ”أمرني الحسين بن علي عليهما السلام فقال: نادِ في الناس ألا يقاتلنّ معي رجل عليه دين فانه ليس من رجل يموت عليه دين لا يدع له وفاء إلا دخل النار“.

كما تجلت المواقف الإنسانية في ثورة الإمام الحسين في خطبه وكلماته التي هزت العالم والنماذج كثيرة حيث نستشهد ببعضها إذ قال : لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما. وقوله: ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجذور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

كما تجلى الحس الإنساني في الأمة التي أصيبت بموت الضمير وفقد الإرادة ومتى كان ذلك في أي أمة فإنها لا تتمكن من تحقيق أهدافها والوصول لغاياتها وقد عالجت ثورة الإمام الحسين الحالة الروحية والنفسية التي كانت غائبة وأيقظتها من خلال المواقف الإنسانية المتعددة.

وقد تجلى الحس الإنساني الذي جسده الإمام الحسين بثورته حتى على الجماد ومثال على ذلك كيف أن هذه الثورة غيرت ملامح كربلاء المقدسة من صحراء قاحلة إلى جنة الله في أرضة وروضة من رياض الجنان.

عن أبي جعفر ، قال: «خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أوليائه في الجنة» [1] 

[1]  كامل الزيارات ص450-451