اقتل التنافس: لماذا يتنازع الأشقاء بينما يتعاون الزملاء
بقلم د ب كرب
المترجم: عدنان أجمد الحاجي
راجعه وقدم له البرفسور رضي حسن المبيوق، جامعة شمال أيوا
المقالة رقم 274 لسنة 2020
التصنيف: أبحاث السلوك
Kill The Competition: Why Siblings Fight But Colleagues Cooperate
D b Krupp
مقدمة البرفسور رضي حسن المبيوق، جامعة شمال ايوا
بإسلوب يشبه اللغة الدارجة تناول الكاتب في هذا المقال موضوعًا علميًا هامًا الا وهو التنافس ونقيضه التعاون. ومن خلال تدرجه في الموضوع رأينا بأن الكاتب ركز على العلاقة السببية بين المنافسة وغياب المساواة وما ينتج عنهما من عدوانية وعنف يجران الى جريمة. واللافت ايضًا ان الكاتب نظر الى موضوع التنافس على مستوى المايكرو «بين الأقارب في الطفولة والبلوغ» وعلى مستوى المجموعة ببعديها المحلي والعالمي.
يستشف القارئ بين سطور المقال كيف نستطيع تقنين التنافس للوصول إلى نتائج إيجابية والحد من التنافس الذي يؤدي الى إثارة مشاعر سلبية والتي بدورها تتفاعل وتنشط وتؤدي الى سلوكيات عنيفة.
وركز الكاتب ايضًا على قضية اللا مساواة وعلاقتها بمسار العنف والجريمة.
تنصل من المترجم
المقال كما تفضل البرفسور رضي في مقدمته كتب بلغة تشبه الدارجة ويحمل بين دفتيه تشابكًا بين مطلبين هما التنافس وعدم المساواة وعلى صعيدين مختلفين، مما صعب من الترجمة وبالتالي ربما أثر على جودتها، وبالتالي انسابية قراءة هذا البحث المهم والقيم.
الموضوع المترجم
هناك إيقاع معين للعلاقات المتأرجحة بين الأشقاء. نغتاظ من إخوتنا وأخواتنا في مرحلة الطفولة. ولكننا نقف بجانبهم في مرحلة الرشد. ونقاضيهم بعد قراءة وصاياهم [بعد الموت]. سبب كل ذلك هو التنافس. عندما نحاول التأثير على والدينا لنحظى بمحبتهم وحنانهم ودخلهم المالي، فإننا نتنافس على موارد محدودة. ونظرًا لأن أشقاءنا يتوقعون أيضًا نصيبهم من الشطيرة، فإننا حتمًا سنتصادم معهم.
ما كان ضمنيًا في الطفولة غالبًا ما يكون صريحًا في مرحلة البلوغ المتأخرة، عندما تقسم ممتلكات الأسرة وواحد منا غير راضٍ عن نصيبه من التركة، حينها نتغالب مع أشقائنا أكثر مما نتغالب مع أي شخص آخر؛ ليس لأشخاص من عوائل أخرى الحق في تركات والدينا، وليس لنا الحق في تركات والديهم. ومع ذلك، في تلك الفترة الطويلة السعيدة بين الطفولة والميراث، يجب أن نتنافس عوضًا عن ذلك على العمل والحب مع منافسين من خارج عائلتنا. وهكذا تهدأ المنافسة بين الأشقاء، ويصبح إخوتنا وأخواتنا أصدقاءًا لنا أيضًا.
من المرجح أن نشترك في نفس الجينات مع الأرحام أكثر من أي شخص أجنبي آخر. وهذا ما يؤسس لرغبة مشتركة في نجاحهم، لأن إنسال «ايجاد نسل» بنات وأبناء للأخوان وللأخوات هو في نفس الوقت استنساخ لجيناتنا [وهذا يمثل الحفاظ على بقاء نسلنا]. وهكذا، على مدى الزمن التطوري، الجينات التي جعلت حامليها يهتمون بشكل خاص بأقاربهم وجدت طريقها إلى كل شيء من الميكروبات «1» إلى النباتات «2» والحيوانات «3»، بما في ذلك البشر «4». في الواقع، كتب عالم الحيوان الأمريكي ريتشارد ألكسندر، الذي توفي مؤخرًا، ذات مرة أنه ”كان يجب أن نتطور لنكون محابين للأقرباء بشكل فعال للغاية، وألاّ نتطور لأي شيء آخر على الإطلاق“. وبالتالي، نادرًا ما يقتل الأشقاء بعضهم البعض. ولكن عندما يفعلون ذلك، يكون الدافع عادة تنافسيًا.
عالم النفس الكندي مارتن دالي Daly، الذي دفنته أخته لفترة وجيزة حياً عندما كان طفلاً، درس ظاهرة قتل الأشقاء - أي الرجال الذين يقتلون إخوانهم - مع زوجته الراحلة وزميلته في علم النفس مارغو Margo ويلسون. الحالات الوحيدة التي تمكنوا من أن يجدوها في السجل الإثنوغرافي كانت من مجتمعات زراعية الميراث فيها يكون من جهة الأب: هذه المجتمعات يمكن فيها مراكمة الثروة ويُقصر الوصول إليها على القرابة، وبالتالي يشتد التنافس داخل العائلات. غالبية جرائم القتل هذه كانت بسبب نزاعات على العقارات والصلاحيات «5»، وهو محور اكتشفوه لاحقًا مرة أخرى في عمليات قتل الأشقاء في المجتمعات الصناعية.
غير أولي الأرحام يقتل بعضهم بعضًا بشكل أكثر في كثير من الأحيان، بطبيعة الحال، وبسبب أشياء تافهة. الرجال من مرتكبي جرائم القتل الرئيسين في كل مكان، قد قتلوا رجالًا آخرين وبسبب استفزازات تافهة جدًا: بسبب دفعة أو إهانة، أو نظرة مقيتة. هذه النزاعات هي شائعة جدًا ومزاجية جدًا مما جعل أخصائيُ علم الجريمة يعطوها تصنيف ”المشاحنات الضبابية ذات المنشأ التافه“ الخاص بها من الدوافع. وبالنسبة للرجال المعنيين، فهناك لا يوجد شيء تافه. فهذه المشاحنات هي انعكاسات للتنافس على الوضع الاجتماعي بين الجيران والامتيازات الحقيقية جدًا، كالمال والسلطة، التي تأتي مع المال.
التنافس يتصاعد ليغطي المشهد، مما يؤدي الى رسم ملامح تضيق أو تتسع بحسب الموارد. المرشحون للترقيات الداخلية في مصنع محلي ممن يعملون في نفس المبنى، الذين يقطنون في نفس المدينة على الأرجح، يخلقون تنافسات محلية: الناس الذين نتعامل معهم مباشرة هم أيضا أقرب المتنافسين معنا. ومع ذلك، المرشحون للتوظيف في وظائف خارجية في شركة تكنولوجيا متعددة الجنسيات قد يعيشون في أي مكان في العالم، يخلقون تنافسًا عالميًا: لم يعد العدد المحدود من الناس الذين نتعامل معهم منافسين لنا أكثر من العديد من الآخرين الذين لن يكون لنا فرصة الإلتقاء بهم.
التنافس المحلي يحد من التعاون، بينما التنافس العالمي يعززه. رأينا هذا في تطور العدوانية في تنافس ذكور دبابير التين على التزواج «6». لكننا نراه أيضًا في البشر، في التجارب التي يتنافس فيها أشخاص على صفقات اقتصادية، يتخذون إما قرارات مفيدة تساعد أو قرارات أنانية تضر بفرص شركائهم في ربح المال من خلال كسب النقاط. في إحدى الدراسات «7» بعد دراسة أخرى «8»، اتخذ المشاركون خيارات أكثر أنانية في ظل المنافسة المحلية، عندما قيل لهم إنه يجب عليهم أن يمكنوا شركاءهم من الحصول على أفضل الفرص في تحصيل أموالهم. وعلى العكس من ذلك، اتخذوا خيارات أكثر فائدة في ظل التنافس العالمي، عندما كان عليهم أن يكسبوا نقاطًا في النصف المتفوق لكل المشاركين.
آثار التنافس المحلي حادة بشكل خاص في مواجهة عدم المساواة. بعض الموارد تحمل قيمة أكثر من غيرها، مما يخلق عدم مساواة بين أولئك الذين حصلوا على تلك الموارد وبين الذين لم يحصلوا عليها، ولذلك فهي تستحق أشد التنافس عليها. ولكن التنافس عليها يضخم هذا التأثير، مما يجعل الاختلافات الصغيرة على الحصص تبدو شيئًا مضخمًا وفيه تهديد وشيك. في بحثي «9»، قام المشاركون في لعبة اقتصادية باتخاذ خيارات أنانية أكثر في كثير من الأحيان كلما زاد مستوى عدم المساواة، مما جعلهم يدخلون في 'نزاعات' مع شركائهم مما كلفهم خسارة نقاط. ومع ذلك، تنازعوا في أغلب الأحيان في إطار التنافس المحلي، حتى عندما لم يكن هناك سوى قليل من عدم المساواة بينهم، وكلفهم خسارة الكثير من النقاط نتيجة لذلك.
هذا قد يفسر بشكل جيد بعض الأنماط التي قد تكون محيرة في العنف الجاري في العالم الحقيقي. في كتابه قتل التنافس «الصادر في 2016»، بيّن دالي Daly أن معدلات القتل مرتفعة في الأماكن التي تزيد فيها مستويات عدم المساواة وتنخفض في الأماكن التي يقل فيها مستوى عدم المساواة «10». لو ضخم التنافس المحلي تأثير عدم المساواة على القتل والتنافس العالمي هدأه، إذن التغيرات في حقوق التجارة والهجرة - لو نزع فتيل التنافس على مساحات واسعة من السكان - يمكن أن تكسر التلازم البسيط الذي نتوقعه بين عدم المساواة والقتل بمرور الزمن. عدم المساواة يمكن أن يزداد، على سبيل المثال، في الوقت نفسه عندما يصبح التنافس عالميًا، حيث الثاني «التنافس العالمي» يحد من تأثير الأول «عدم المساواة» بشكل كبير.
المنطق نفسه يمكن أيضًا أن يفسر الحرب الأهلية. فعدم المساواة في البلاد كلها لا تساعد في التنبؤ بالمخاطر المتمثلة في قيام مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون في تلك البلاد بحمل السلاح ضد الحكومة. لكن عدم المساواة بين تلك الجماعة والمجموعة الحاكمة تتنبأ بذلك «11». هذا امتداد بسيط للمنطق التنافسي: التنافس ظاهرة كونية إلى حد ما، ويستخدم المتنافسون الشبكات المحلية لعضوية الجماعة، كالعرق، للتعاون من أجل تأمين الموارد السياسية والاقتصادية لأنفسهم، على حساب المجموعات الأخرى. وبالتالي، من خلال عدم المساواة، يحول التنافس العالمي التعاون على المستويات الدنيا للتنظيم الاجتماعي إلى صراعات على المستويات العليا.
الطريقة التي يُوزغ التنافس بها على المجتمع كله لها تأثير مُضخم على حياتنا، ولكنه مهمل. وعندما يتركز داخل العوائل وداخل الأحياء، فإنه يجلب معه الفتن العائلية والشوارع العنفية. لكن مع انتشاره بعيدًا عن مركزه، تضعف آثاره، وتظهر بدلاً من ذلك إشارات حسن النية والثقة. مجرد وجود المدن والشركات والحكومات في حد ذاتها يشهد على قوة انتشار التنافس على مساحة أكبر [مما يضعفه]، مبنيةً كما هي على ظهور تنافسات مع آخرين، في أماكن أخرى.