عاشوراء ورسالة الإصلاح
أسئلة عن عاشوراء
ج1: من الناحية التاريخية كانت واقعة الطف بكل مراحلها، هي تجليا لحالة الانقسام التي سادت الأمة آنذاك أفقيا وعموديا.. بين طرف أراد أن يقود الأمة إلى صناعة الخير والانسجام العميق بين حياة المسلمين وتشريعات الإسلام.. وطرف آخر لا هم له إلا امتلاك السلطة والهيمنة على مقدرات المسلمين، بدون التفات عميق إلى قيم الإسلام وتشريعاته المختلفة..
فجاءت عاشوراء لكي تعيد الأمة إلى إسلامها وكرامتها.. ولكي تقول للمسلمين عبر التاريخ إن امتهان الكرامات الإنسانية، يقود إلى كوارث اجتماعية وسياسية وحضارية.. وإن الاستسلام أمام الواقع السيئ، يفضي إلى تراكم وتجذر السيئات في الواقع الاجتماعي.. لهذا فإن المطلوب دائما هو رفع لواء الاصلاح في أمة المسلمين، والعمل على تجسير الفجوة القائمة بين واقع المسلمين وإسلامهم..
وعلى هدى هذه الرؤية نحن نعتقد أن عاشوراء مناسبة إسلامية عامة، لأنها من أجل قيم الإسلام العليا.. ونمارس الظلم بحق هذه المناسبة العظيمة حينما نصورها وكأنها مناسبة خاصة بفئة أو طائفة من المسلمين.. وغياب أكثرية المسلمين اليوم عن إحياء هذه المناسبة، لا يحولها إلى مناسبة خاصة.. بل ستبقى عاشوراء منارة للمسلمين جميعا، ودروسها وعبرها وأهدافها وشعاراتها، كلها جاءت من أجل الإنسان فردا وجماعة وجودا ورأيا وحقوقا..
ومهمتنا المعاصرة تقتضي منا العمل على إخراج هذه المناسبة من دائرة الاستقطاب الطائفي، والتعامل معها اجتماعيا وثقافيا بوصفها مناسبة للمسلمين جميعا..
وثورة الإمام الحسين تعلمنا أنها ضد الظلم والزيف والاستبداد، وهي وقفت ضد هذه الممارسات، بصرف النظر عن دين الحاكم أو مذهبه..
فعاشوراء ليست ضد طائفة من طوائف المسلمين، وإنما هي ضد الاستفراد والاستئثار والفساد والإفساد، ومع الإصلاح والحرية والكرامة..
ومن يقف مع الاستبداد والاستئثار، هو ضد الإمام الحسين حتى لو تجلبب بجلباب محبة سيد الشهداء ..
ومن هو مع الحرية والإصلاح والكرامة، فهو من قافلة الحسين بصرف النظر عن انتماءه المذهبي..
فالإمام الحسين للإسلام كله، لأنه ضحى من أجل قيمه وتشريعاته كلها.. فتعالوا جميعا نتحدث ونكتب عن عاشوراء وسيد الشهداء بهذه الروحية والعقلية..
ج2: القاعدة العامة التي تعلمنا إياها ثورة الإمام الحسين إن الإنسان المسلم ينبغي أن يمارس الحضور والشهود على واقعه العام.. وإن خيار الاستسلام والانكفاء، لا ينسجم ومنطق كربلاء وسيرة سيد الشهداء ..
فالمطلوب بصرف النظر عن عملية التجاذب والاستقطاب أن نمارس حضورنا وشهودنا على واقعنا العام ووفق الرؤية المستندة إلى فهمنا لنصوص الدين، وفهمنا للواقع المعاش ومقتضياته..
فالقاعدة الأساسية المستمرة من عاشوراء، إننا كآحاد وجماعات ينبغي أن نمارس مسؤوليتنا ودورنا تجاه واقعنا ومجتمعنا.. وإن خيار الهروب والاستسلام لا يتناغم ومقتضى احتفاءنا بسيد الشهداء .. فالاحتفاء الدائم بالإمام الحسين ، يعني فيما يعني أن نحمل مشعل المسؤولية والحضور والشهود، مهما كانت المثبطات أو الصعوبات..
ج3: من الضروري على المستويين النفسي والمعرفي، أن لا نتعامل مع ذواتنا وخياراتنا العامة بنرجسية، بحيث نعتبر قراءتنا وفهمنا للنصوص والثوابت هي القراءة الصحيحة والفهم الدقيق، وقراءة غيرنا ليست كذلك أو تشوبها بعض الشوائب..
فالمطلوب أن نبذل كل الجهد النظري والعملي لاستنباط فهم دقيق لقيمنا ونصوصنا الشرعية..
وانطلاقا من هذا الفهم، والذي هو وليد استفراغ كل الجهد للقبض على هذا المعنى أو ذاك الفهم، ينبغي أن نصيغ مواقفنا من أحداث الواقع وتطوراته..
لهذا فإنني لا أتحدث عن تجيير تعسفي للنصوص، وإنما أتحدث عن أفهام مختلفة للنصوص.. وكل فهم يقود إلى خيارات ومواقف..
ولا أتمكن معرفيا ونفسيا من إطلاق حكم التجيير التعسفي للنصوص على قناعات الآخرين وأفهامهم المنطلقة من فهم للنصوص..
ولعل هذا من بركات عملية الاجتهاد ومقتضياتها.. فالمطلوب دائما قراءة النص الشرعي بالعدة المعرفية المطلوبة المقررة في مباحث الاجتهاد..
ج4: من الناحية الإيمانية أعتقد إنه لولا عاشوراء وتضحيات الإمام الحسين لضاعت قيم الإسلام الحقيقية.. لأن دماء الشهداء في كربلاء هي التي رفعت الغطاء عن عمليات التضليل والتزييف التي طالت مجالات حيوية في واقع المسلمين آنذاك..
لهذا نستطيع القول وبشيء من الاطمئنان أن كربلاء الحسين هي التي أعادت جوهر الإسلام، وهي التي رفعت الزيغ عن قلوب الناس، وهي التي حررتهم من الخوف والانهزام النفسي، وهي التي أعادت للمسلمين حياتهم وحيويتهم.. لهذا فهي باستمرار بحاجة إلى قراءة وتأمل.. أما كيف تتم قراءة كربلاء فعبر النقاط التالية:
1 - قراءة الحدث العاشورائي قراءة تحليلية توضح أهداف الثورة وخططها ومآلاتها المتعددة..
2 - إبراز وتظهير القيم الإسلامية الكبرى التي حركت ثورة الإمام الحسين وعملت من أجل تحقيقها..
3 - التواصل الروحي والثقافي مع تراث كربلاء بوصفه هو التراث الذي يحمي الأمة ويوفر لها القدرة لمواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية.