آل المحسني أسرة علمية أحسائية في الدورق «3»
من أعلام الأحساء في الدورق «1»:
وطأت أرض الدورق العديد من الأسر الأحسائية المهاجرة فكان للعديد منها شأناً عظيماً ومكانة مرموقة بإنجابها العلماء والفضلاء والشعراء والأدباء، كما قصدها مجموعة من أعلام الأحساء الكبار إما للإفادة أو الاستفادة مما يعني أنهم جزء من تاريخ هذه البلدة وحراكها العلمي كسائر أعلامها الآخرين، وهنا نستعرض ترجمة لمجموعة من أعلام الأحساء - غير آل المحسني - ممن دخل دائرة العطاء العلمي.
وهنا لا أنسى بالدور الكبير الذي قدمه لي الباحث والمؤرخ الأستاذ أحمد عبد المحسن البدر من تنبيهات وإرشادات ساهمة بدرجة كبيرة في الكشف عن العلماء المهاجرين إلى الدورق فله خالص الشكر والامتنان، وهم كما يلي:
«1166 - 1241 هـ »
نبذة عن حياته [1] :
الشيخ أحمد بن زين الدين بن الشيخ إبراهيم بن صقر بن إبراهيم بن داغر بن رمضان بن راشد بن دهيم بن شمروخ آل صقر القرشي الأحسائي.
يعد من كبار العلماء ومشاهير الفلاسفة له صيت ذائع، ويعتبر أبرز شخصية علمية أحسائية عرفها تاريخ المنطقة لما تميز به من تأثير في نفسية مريديه، وكثرة تصانيفه التي فاقت المائة.
ولد في قرية المطيرفي من قرى الأحساء في رجب عام 1166 هـ ، فدرس في موطنه على الشيخ محمد بن الشيخ محسن الأحسائي القريني، والشيخ عبد الله بن حسن بن علي الدندن الأحسائي، والسيد قطب الدين بن محمد الحسيني التبريزي الشيرازي إبان مروره بالأحساء، ثم هاجر إلى العراق فجاور كربلاء المقدسة والنجف الأشرف فحضر على لفيف من كبار العلماء من أبرزهم الآغا محمد باقر البهبهاني «ت 1205 هـ »، والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض «ت 1231 هـ »، والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني «ت 1216 هـ »، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي «ت 1228 هـ »، والسيد محمد مهدي بحر العلوم «ت 1212 هـ ».
عرف الشيخ الأحسائي بوفرة إنتاجه وتشعبه، وقد أتفق معظم من ترجم له أنها تربو على المائة مؤلف، ولكن وقع الخلاف في تعدادها فقال نجله الشيخ عبد الله أن لوالده «101» مؤلفاً، وقال الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة أن عدد مجموعها «75» رسالة، أما رياض طاهر الذي أعد كتاباً مستقلاً في مؤلفات الشيخ بعنوان " فهرست تصانيف الشيخ أحمد الأحسائي أنها تصل إلى «104»، وبلغ بها صاحب أعلام هجر إلى «173» مؤلفاً، وأنهاها السيد علي باقر الموسى في مجلة التراث إلى «218» مؤلفاً، أما صاحب كتاب الشيخية فقال عنها أنها تبلغ «127» مؤلفاً.
ومما سبق يتضح شدة التباين بين المؤرخين في حقيقة عدد مؤلفاته، وهذا يرجع إلى عدة أمور أبرزها:
أولاً: فقدان بعض مؤلفاته حيث أن بعضها لا زال مخطوط، أو لم يعثر عليه، لذا أعتمد إحصاء معظم السابقين على ما استطاع العثور عليه أو علم بوجوده في مكتبات إيران والعراق من خلال الفهارس.
ثانياً: التداخل بين المؤلفات بعضها ببعض فقد ترد تارة باسم: «أجوبة بعض الأسئلة» وتارة باسم: «رسالة في العلم» ومرة أخرى بعنوان «أجوبة مسائل الشيخ أحمد بن صالح بن طوق» وهكذا مما يوقع الباحث في لبس في حقيقة عدد مؤلفاته.
ثالثاً: وهو يتداخل مع السابق أن الشيخ يتراوح في إجاباته على الأسئلة فتارة يوجز في الإجابة وتارة يفصل مما يجعل الإجابة على كل سؤال هو كتاب مستقل بذاته هذا الأمر جعل البعض يجزأ بعض الأسئلة، والبعض يجمعها في كتاب واحد لأن الأسئلة صادرة من سائل واحد.
أما أهم تصانيفه فهي:
1 - جوابات السلطان فتح علي شاه القاجار.
2 - جواب مسائل الشيخ أحمد بن الشيخ صالح بن طوق القطيفي.
3 - جواب مسائل الميرزا جعفر بن أحمد النواب.
4 - جواب مسائل السيد كاظم الرشتي.
5 - حجية الإجماع.
6 - الحاشية على «شرح العرشية» للمؤلف نفسه.
7 - حياة النفس في حضيرة القدس في أصول الدين الخمس.
8 - حياة اليقين في أصول الدين.
9 - الحيدرية في الفروع الفقهية.
10 - الرجعة.
11 - رسائل في السير والسلوك إلى الله تعالى.
12 - الرسالة التوبلية: في جواب الشيخ عبد علي بن محمد الخطيب التوبلي البحراني.
13 - الرسالة الحملية في أحكام التقية.
14 - الرسالة الزنجية: في تفسير آية «ليس كمثله شيء».
15 - الرسالة السراجية.
16 - الرسالة الصومية.
17 - الرسالة في مباحث الألفاظ.
18 - الرسالة القطيفية في جواب الشيخ عبد علي بن عبد الجبار القطيفي.
19 - سيرة الشيخ أحمد الأحسائي.
20 - شرح الزيارة الجامعة.
21 - شرح العرشية في المبدأ والمعاد للملا صدر الدين الشيرازي المتوفى عام 1050 هـ ..
22 - شرح الفوائد الحكمية الإثني عشرية.
23 - شرح المشاعر للملا صدر الدين الشيرازي.
24 - العصمة.
25 - الكشكول.
ذكر الشيخ الأحسائي الكثير من أرباب التراجم واثنوا عليه وأشادوا بسعة علمه وتشعبه إلى مجالات عديدة فكان ممن أشاد به:
صاحب «روضات الجنات» فقال في حقه: «وقد يذكر في حقه أيضاً أنه كان ماهراً في أغلب العلوم، بل واقفاً على جملة من الحِرَف والرّسوم، وعارفاً بالطب والقراءة، والرياضي والنجوم، ومدعياً لعلم الصنعة والأعداد والطلسمات، ونظائرها من الأمر الكتوم، بل الوصول إلى خدمة حضرة الحجة القائم المعصوم، والعهدة في كل ذلك عليه، أرسل الله شآبيب رحمته إلينا وإليه...».
قال السيد محمد مهدي بحر العلوم في إجازته له: «وكان ممن أخذ بالحظ الوافر الأسنى وفاز بالنصيب المتكاثر الأهنى زبدة العلماء العاملين ونخبة العرفاء الكاملين الأخ الأسعد الأمجد الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين الأحسائي، زيد فضله ومجده، وعلا في طلب العلى جده، وقد التمس مني - أيده الله تعالى - الإجازة... إلى أن قال فسارعت إلى إجابته، وقابلت التماسه بإنجاح طلبته، لما ظهر لي من ورعه وتقواه وفضله ونبله وعلاه...».
وقال الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء النجفي: «أما بعد فإن العالم العامل والفاضل الكامل زبدة العلماء العاملين وقدوة الفضلاء الصالحين الشيخ أحمد بن المرحوم المبرور الشيخ زين الدين قد عرض علي نبذةً من أوراق تعرض فيها لشرح بعض كتاب تبصرة المتعلمين لحجة الله في العالمين ورسالة صنفها في الرد على الجبريين مقوياً فيها رأي العدليين، فرأيت تصنيفاً رشيقاً قد تضمن تحقيقاً وتدقيقاً قد دل على علو قدر مصنفه وجلالة شأن مؤلفه. فلزمني أن أجيزه...».
وقال السيد علي الطباطبائي صاحب «الرياض»: «إن من أغلاط الزمان وحسنات الدهر الخوان اجتماعي بالأخ الروحاني والخل الصمداني العالم العامل والفاضل الكامل ذي الفهم الصائب والذهن الثاقب الراقي أعلى درجات الورع والتقوى والعلم واليقين مولانا الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين الأحسائي - دام ظله العالي - فسألني بل أمرني أن أجيز له...».
وقال السيد محمد مهدي الشهرستاني: «حيث أن الشيخ الجليل والعمدة النبيل والمهذب الأصيل العالم الفاضل والباذل الكامل المؤيد المسدد الشيخ أحمد الأحسائي - أطال الله بقاه وأقام في معارج العز ارتقاه - ممن رتع في رياض العلوم الدينية وكرع من حياض زلال سلسبيل الأخبار النبوية وقد استجازني - إلى أن قال -: ولما كان دام عزه وعلاه أهلاً لذلك، فسارعت إلى إجابته وإنجاح طلبته لما كان إسعاف مأموله فرضاً لفضله وجوده فطنته...».
وقال الشيخ حسين آل عصفور البحراني: «التمس مني من له القدم الراسخ في علوم آل بيت محمد الأعلام، ومن كان حريصاً على التعلق بأذيال آثارهم عليهم الصلاة والسلام - إلى أن قال -: وهو العالم الأمجد ذو المقام الأنجد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، ذلل الله شوامس المعاني وشيد به قصور تلك المباني، وهو في الحقيقة حقيق بأن يجيز لا يجاز، لعراقته في العلوم الإلهية على الحقيقة لا المجاز، ولسلوكه طريق أهل السلوك وأوضح المجاز...».
وقال في روضات الجنات: «ترجمان الحكماء المتألهين ولسان العرفاء والمتكلمين، غرة الدهر وفيلسوف العصر العالم بأسرار المباني والمعاني، شيخنا أحمد بن الشيخ زين الدين بن الشيخ إبراهيم الأحسائي البحراني لم يعهد في هذه الأواخر مثله في المعرفة والفهم، والمكرمة والحزم، وجودة السليقة وحسن الطريقة، وصفاء الحقيقة، وكثرة المعنوية، والعلم بالعربية، والأخلاق السنية، والشيم المرضية، والحكم العلمية والعملية، وحسن التعبير والفصاحة، ولطف التقرير والملاحة، وخلوص المحبة والوداد، لأهل بيت الرسول الأمجاد، بحيث يرمى عند بعض أهل الظاهر من علمائنا بالإفراط والغلو، مع أنه لا شك من أهل الجلالة والعلو. وقد رأيت صورة إجازة سيدنا صاحب الدرة - أجزل الله تعالى بره - لأجله مفصحة عن غاية جلالته وفضله ونبله...».
وكان وفاة الشيخ أحمد أثناء سفره الأخير إلى بيت الله الحرام، وكان في صحبته ولداه الشيخ علي نقي والشيخ عبد الله، إضافة إلى عدد من تلاميذه وملازميه منهم الشيخ أبو الحسن اليزدي، والشيخ عبد الله بن عيثان، وغيرهم.
حيث أصيب في الطريق بمرض الإسهال فتوفي بمكان يقال له «هدية» قرب المدينة المنورة، وكان ذلك ليلة الجمعة أو يوم الأحد 22 ذي الحجة لعام 1241 هـ .
ونقل جثمانه إلى المدينة المنورة، فجهزه نجله الشيخ علي نقي، وصلى عليه، ثم دفن في «مقبرة البقيع» خلف قبور الأئمة في الجهة المقابلة لبيت الأحزان [2] .
رحلته إلى الدورق:
تخللت حياة الشيخ الأحسائي العديد من الرحلات بين الأحساء والبحرين والعراق بمختلف مدنها إضافة إلى العديد من مدن بلاد فارس في حراك علمي حافل، وكانت واحدة من هذا المحطات العلمية مدينة الدورق التي مكث فيها بين عامي «1214-1216 هـ »، وذلك بعد أن حصل على إجازة من السيد مهدي بحر العلوم وغيره سنة 1209 هـ ، في الديار المقدسة بالعراق، ليعود بعدها إلى وطنه الأحساء حيث تزوج، ومكث فترة يسيرة ليتجه بعدها إلى البحرين، وفيها بقي أربع سنوات، ثم توجه إلى البصرة، ومن البصرة إلى الدورق سنة 1214 هـ [3] ، وفي هذه الحقبة كان للشيخ علاقة وثيقة بحاكمها الشيخ علوان بن الشيخ شناوة الذي أكرم الشيخ وعززه وأبدى له الحفاوة والتبجيل، واستمر وجوده قرابة العامين، إلى استطاع الشيخ محمد بن مبارك الدورقي، إسقاط حكومة الشيخ علوان، وتقلد الحكم على الدورق بدلاً منه، هنا ساءت العلاقة بين الشيخ الأحسائي والشيخ محمد الدورقي، مما اضطر الشيخ لمغادرتها إلى البصرة بأهله وعياله، ونزل في محلة جسر العبيد بمنزل ابن بدران وفيها اشتهر أمره والتف الناس من حوله [4] .
ولو تأملنا الحقبة بين «1214 - 1216 هـ »، ندرك أنها بعد نزوح تلميذه الشيخ أحمد بن محمد المحسني الأحسائي «ت 1247 هـ » من الأحساء إلى الدورق، والذي تقلد خلالها الزعامة الدينية والدرس والتدريس، والتف الناس من حولها، مما يحتمل إن هجرة الشيخ أحمد بن زين الدين إلى هناك بناء على طلبٍ منه واستدعاء.
ثم الحفاوة بوجوده من الشيخ علوان حاكم الدورق هو نتيجة المعرفة بمقام لشيخ الأحسائي، وأثره العلمي، مما يقودنا للقول إن الشيخ أثناء وجوده في الدورق قد مارس التدريس وعقد المجالس العلمية مما لفت النظر إليه.
ولكن مع الأسف خفيت معالم تلك المرحلة من حياة الشيخ الأحسائي وأبعاد النشاط والدور الذي قام به في ا لدورق، وإن وجد بعض المؤشرات عليه.