خطاب المنبر بعد الجائحة
التقيا بمقهى، جاء أحدهما من خارج الوطن بعد توقف الدراسة بسبب أزمة كورونا، يرتشفان القهوة في مقهى ديكوره يذكر الطالب المبتعث بالمقاهي الأجنبية التي كان يرتادها مع زملائه، بقيا صامتان، أحدهما تحدّثه عاطفته، الغرب بعلمه وقف عاجزا أمام شيء لا يرى، تعطلت المدارس والجامعات المصانع والشركات وكل ما يتعلق بالاقتصاد، أين علمهم وأبحاثهم وأفكارهم الحداثية؟
رفع رأسه الطالب المبتعث رأى صديقه سارحا، تساءل بدوره حسب منهجه العلمي، أين دور رجال الدين؟، ألم يتم أقفال المساجد والحسينيات حسب نصائح الأطباء والمتخصصين؟ لأن مرض كوفيد19 خطر على الجميع، ألم يرجعوا المراجع والعلماء الرأي لذوي الاختصاص؟
كلاهما لا يستطيعان أن يصرحان بما دار في خلديهما.
كثير من الشباب إذا لم يكن كلهم وحتى من هم فوق سن الشباب تحيروا في أزمة فريدة أوقفت مؤقتا الحياة الاجتماعية والاقتصادية وفُرض الحجر المنزلي بأغلب الدول، الأزمة الاستثنائية تنتج عنها تداعيات استثنائية وتساؤلات لم يسبق أن طرحت، عززت رأي من يرى الحياة تمشي وتطور بالعلم فقط، والآخر نظر لها من صالحه الذي يرى الأمور العبادية والغيبية هي من تحفظ الحياة وتبعث على الاطمئنان والإنسان يقف عاجزا عن تفسير بعض الظواهر وشئون الحياة وحتى يطمئن قلبه لا بد له من الإيمان بالحكمة الالهية، ومهما بلغ علم الإنسان واجتهد يظل علمه قليل.
أين خطاب المنبر الديني الذي يوفق ما بين النظرتين ويرد على التساولات العقلية ويوقف الحيرة الشخصية في بعض الحقائق الطبيعية والنظريات الفكرية في حياة متجددة ومتغيرة بأحداثها واكتشافاتها العلمية وابتكاراتها التقنية؟.
جائحة كورونا بتداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية على مستوى الأفراد والجماعات والدول أسست مفاهيم كثيرة ومتنوعة وخلقت صراعا نفسيا وفكريا لدى الجميع وخصوصا الشباب الذين يمثلون النسبة الأكبر من المجتمع المعدين سلفا بتعليم حديث وثقافة معولمة من خلال شبكة الانترنت وأفكار يتلقوها مدعومة بالدليل والبرهان واكتشافات تبهرهم في جميع التخصصات الحياتية سببها العلم وأعمال العقل والأخذ بالأسباب.
ينبغي الأعتراف بأن اقوى مؤثر في ذاكرة المجتمع الموالي والمعزز للانتماء هو خطاب المنبر الحسيني، خطاب المنبر مشكّل للهوية الدينية ومقّوم للسلوك الشخصي والاجتماعي والثقافي، التفاعل معه بالنقد والتطوير دلالة أهميته وضروريته في بناء الانتماء وصيانة الهوية الدينية وتقويم الشخصية في التعامل مع الثابت والمتحول.
خطاب المنبر بعد جائحة كورونا سيستقبلوه الشباب والحضور بتداعيات الجائحة علميا واقتصاديا واجتماعيا.
جمهور الشباب يهتم بالأبحاث والدراسات المنتهية بالنتائج المفيدة والمنعكسة إيجابيا على البشر، التساؤلات التي أثارتها عقولهم يريدون من الخطيب والفاعل الديني أن يجيب عليها ويفسر بعض القضايا المتعلقة بحياتهم وكيف التعاطي معها وحتى حلولها، جائحة كورونا ستنتج عدة أسئلة واستفسارات محيرة بالنسبة لهم عندما تسترجع ذاكرتهم بعض النصوص الدينية ويعملون مقارنات وتطبيقات.
يحتاج الشباب لخطاب منبري، مضمونه يتوافق مع ما يدور في أذهانهم وما تفرزه مكتسابتهم العلمية من علامات استفهام عديدة ومتجددة.
التوصيات التي قدموها المراجع والعلماء الدينيين بأتباع توصيات المتخصصين «الأطباء وغيرهم من ذوي الاختصاص» ستبقى راسخة في أذهانهم بل ستشكل في أذهانهم منظومة فكرية جديدة معتمدة على العقل والبرهان والنتائج الملموسة المعتمدة على الأبحاث التجارب.
العاطفة وإدرار الدمعة في خطاب المنبر من مرتكزاته ولا أحد يختلف على أهمية التأثير العاطفي لكن الشباب يواجه تحديات تنقلها الوسائط التكنولوجية تلاحقهم وتثير لديهم استفسارات، ويأملون بخطاب يجذبهم بطرحه ويتفاعل مع أفكارهم.
واقعة الطف كحدث ديني وتاريخي وإصلاحي أسست خطابا ارتكازيا وانتشرت بالإعلام، صوت الحوراء زينب وخطابها المدوي التي تضمن الحجة والمنطق والعاطفة ما زال صداه في الأذن وراسخ في القلب والعقل ومتناقل في الصفحات والمواقع، استمرت عبر الزمان بواسطة المنبر رغم محاولات الطمس، فالإعلام وأدواته المتنوعة والمتجددة هي الفاعلة والمؤثرة والمغيرة للأفكار، إذا لم يتم تطوير الخطاب بما يتلائم بما يستجد في الحياة ويواكب ما يحدث من تحولات علمية وثقافية واجتماعية واقتصادية ويرد على تساؤلات الشباب الضمنية والظاهرية، ستزاداد حيرتهم وتتراكم أسئلتهم واستفساراتهم التي ستضع خطاب المنبر في مقارنات لا تنتهي، ويقل تأثيره عند أجيال يزداد ولائهم لأدوات تضخ لهم معلومات وبيانات متسارعة تزلزل الثبات على المعاني وتنسي ما قبلها من أحداث ومناسبات.