عاشوراء في زمن كورونا
لا شك بأن عاشوراء لها وقعة في قلوب محبي آل البيت ، وشعيرة يصعب على المؤمنين عدم التفاعل والأحياء لها، لما لها من دور فعال على صعيد الديني والروحي والثقافي.
عاشوراء مدرسة للأجيال، يتعاقبونها بكل إخلاص ووفاء لا ينقطع. يتزودون من خيراتها، وينهلون من المعارف المقدمة ضمن أجوائها الدينية، ففي عاشوراء كلنا نتعلم كيف الأخلاق وفن التعامل مع بعضنا بالنبل الرفيعة.
لذلك كثير من المخلصين ينزعج من النداءات التي تنادي بإيقاف هذه الشعيرة في ظل الجائحة المتفشية في العالم، ينتابه إحساس بأن من يتبنى هذا الموقف يريد القضاء عليها، لكن الأمر مختلف جدا، فمن يميل إلى هذا الرأي ينطلق من حرصه على الناس، الذين بوجودهم تستمر مدرسة عاشوراء، بالحفاظ عليهم بحسب ما جاء من توصيات المختصين من الأطباء.
كما أن من يعتقد أن انقطاع هذه الشعيرة أو التقليل منها قد ينهيها، فهو متوهم أو ضعيف بعقيدته، فكلنا نشاهد كيف أن العراقيين الذين جثم على صدورهم حزب البعث البائد، تحت قيادة الطاغية صدام حسين لمدة خمسة وثلاثون سنة، لم يثنيهم عن موقفهم وعقيدتهم، إذ إن بعد سقوطه رجعت تلك المواكب بتنظيمها والمجالس بكل قواها، لأنهم مخلصين لها.
إن مبدأ الحفاظ على صحة وأرواح الناس هو من صميم نهضة الإمام الحسين ، لأن الحسين ثار من أجل الإنسانية ليشعل في قلوبهم المعنويات الرفيعة، لأجل الدين يزدهر ويستمر باستشهاده .
نحمد الله طوال السنوات الماضية، كانت أجواء عاشوراء تقام في بلدنا في ظل ظروف مستقرة، جميعنا يسعى لإنجاحها وتطويرها بشتى الوسائل المتاحة لنا، لكن في هذا العام خيم على العالم هذا الوباء الذي تعطلت فيه كل الفعاليات، نحن جزء من ذلك العالم؛ لابد أن نتعامل بقدر ما نستطيع أن نقلل من الخسائر، والأضرار في سبيل استمرار فعالياتنا، ونحن في صحة وسعادة.
البعض يتساءل لماذا كل الإصرار على إيقاف المجالس الحسينية تاركين الكلام على الأسواق ومختلف التجمعات؟
الجواب على ذلك، أن تلك الأماكن بطبيعتها فيها التباعد، وليست أماكن مغلقة، وان كانت مغلقة فهي متسعة؛ والوقت الذي نكون فيه لقضاء حاجتنا قليل، من ثم نرجع إلى المنزل، كذلك من الذي يقول إن الذهاب إلى تلك الأماكن ليس عليها اعتراض؟ فكلنا يسمع الخروج من المنزل للاضطرار فقط، وكذلك الذهاب لتلك الأماكن للضرورة.
قد يقال بأننا سوف نأخذ الاحتراز بشكله المتكامل، وندير حسينياتنا إدارة حاسمة، من لبس الكمامات، وعدم دخول كبار السن والأطفال، وغير ذلك من الاحترازات.
فلنفرض استطعنا إدارة المجالس الرجالية، كيف تكون إدارة مجالس السيدات، سوى كانت في المجلس المشترك أو المخصص لهن؟
هل نمنعهن وهن جزء منا ولهن حق مثل مالنا؟
إذا كانت من ضمن الاحترازات عدم حضور كبار السن، كيف لنا معرفة السن المحدد؟
هل نطلب الهوية الوطنية مثلا؟
فتحديد العمر بالشكل أمر مستحيل، كذلك من هو الذي يعد كبير؟ الخمسيني أو الستيني أو غير ذلك.
من الاحترازات لبس الكمام، فقد نستطيع إلزام من يدخل بلبسه، لكن داخل المأتم كيف لنا إلزامه إذا نزعه هل نتناقش معه والخطيب على المنبر؟
فهذا من المستحيلات لأنه يخالف قوانين مجالسنا الحسينية.
إذا أجهش المستمع بالبكاء، لابد من نزع الكمام فهل نقول له اسكت وخلي الكمام على فمك وأنفك؟
فأساس التواجد في الحسينية هو البكاء والتعاطف، والبكاء يجلب معه أمور مستحيل أن يكون الكمام على الأنف كالدموع وشي من التزكم.
كل هذه النقاط واردة على كل حال.
لكي نكون محترزين في الحسينية وهي مستحيلة الحل، لذلك الأفضل إقامة المجالس عبر القنوات المتاحة، التي توجد التباعد بيننا وهي البث عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.