ما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غني
ولله الحمد في الآونة الأخيرة لاحظنا دعما سخيا من بعض الوكلاء في المنطقة لأنشطة الجمعيات الخيرية المتنوعة من تزويج وإطعام وكسوة وأجهزة وصيانة منازل وغيرها من المشاريع التي تخدم شريحة كبيرة من الفقراء والأيتام. وقد وصل الدعم من أحدهم: مليون ريال للحوم، ومليون ريال لفواتير الكهرباء، ومليون ريال لصيانة المنازل، وأكثر من مليون لتزويج العزاب خلال فترات متفاوتة موزعة على مختلف الجمعيات والمراكز بالإضافة إلى دعم الآخرين… جزاه الله وجزاهم خير الجزاء.
وإن كان الوكلاء في الواجهة فإنهم يمثلون حلقة وصل بين الجمعيات وبين من يقف خلف الستار من الإخوة المؤمنين المتضامنين والداعمين سواء من الحقوق الشرعية أو غيرها، ومنهم من يتواصل ويتبرع مباشرة للجمعيات… شكر الله سعيهم جميعا، وزادهم من الخير والبركة، وأجرهم على رب العالمين.
هذا التفاعل والتضامن هو لشعورهم بالدور الكبير والمسؤولية التي تقع على عاتقهم وإيمانا منهم بأنه ما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غني كما قال سيد البلغاء أمير المؤمنين : «إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك.» [1]
في ظل هذه الظروف الراهنة والحالة الاقتصادية مع كوفيد - 19 لاشك بأن الكثير من الأسر قد تضررت مما يزيد العبء على جمعيات البر التي تعتمد بشكل كبير على دعم المتبرعين من المواطنين من مختلف الطبقات. الصدقات لا تقتصر على أصحاب الملايين بل هي على الجميع، وكل إنسان يمكن أن يكون له أثر فاعل، وأن لا يخجل ولا يشعر بالحرج من المشاركة ولو بالقليل كل حسب مقدرته وامكاناته. فهو يتعامل مع رب كريم لا يضيع بساحته شيء، فالله جل وعلا يربي القليل ويضاعفه أضعافا مضاعفة ويخلفه. كل قليل سيصبح كثيرا عندما يُجمع في نهاية العام من شخص واحد، وسيصبح مبلغا كبيرا قيما عندما يكون من آلاف وملايين الأشخاص. قال الله تعالى:﴾مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴿. [2]
وكما أشرنا بأن الله يخلف ما يُنفق العبد فليجزل العطاء ولا يخشى الفقر. قال الإمام الصادق - لابنه محمد -: يا بني كم فضل من تلك النفقة؟ فقال: أربعون دينارا، قال اخرج فتصدق بها، قال: إنه لم يبق معي غيرها، قال: تصدق بها، فإن الله عز وجل يخلفها، أما علمت أن لكل شئ مفتاحا ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدق بها قال: ففعلت، فما لبث أبو عبد الله إلا عشرة أيام حتى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار [3] .
وها هو رسول الله ﷺ يقول اتقو النار ولو بجزء من التمرة فإن الله يربيها حتى تكون كجبل أحد أو أعظم من الجبل العظيم في بعض الروايات. قال رسول الله ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق التمرة، فإن الله عز وجل يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى يوفيه إياها يوم القيامة، حتى يكون أعظم من الجبل العظيم» [4] .
جميل أن يلتزم الإنسان ببرنامج لدفع الصدقة يوميا «وإن كانت قليلة بمقدار ريال واحد» أما بعزلها وايصالها لاحقا للجمعية، أو تحويلها مباشرة لحساب أي من الجمعيات أو مراكزها والذي أصبح أكثر سهولة مع انتشار التطبيقات المجانية. ويمكنه التواصل مع الإدارة للحصول على وكالة للقبض نيابة عن الفقراء أو التواصل مع أحد الوكلاء للقبض نيابة عن الحاكم الشرعي ومن ثَمّ إيصالها إلى الجمعية. قال الإمام الصادق : ”من تصدق في يوم أو ليلة - إن كان يوم فيوم، وإن كان ليل فليل - دفع الله عز وجل عنه الهدم والسبع وميتة السوء“ [5] .
وقد ورد في الأخبار أنه تُستحب الصدقة في أول النهار وأول الليل. قال الإمام الصادق : «باكروا بالصدقة فإن البلايا لا تتخطاها ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة» [6] .
وللصدقة فضل عظيم وفوائد وآثار جماء نقتصر على ذكر البعض منها كما ورد في الروايات:
1 - دفع البلاء
- رسول الله ﷺ: الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أُبرم إبراما، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة [7] .
- وقال ﷺ: ”إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء، والدبيلة، والحرق، والغرق، والهدم، والجنون فعد ﷺ سبعين بابا من الشر“ [8] .
2 - دفع ميتة السوء
- رسول الله ﷺ: الصدقة تمنع ميتة السوء [9] .
- وقال ﷺ: إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء [10] .
3 - زيادة العمر
- رسول الله ﷺ: ”تصدقوا وداووا مرضاكم بالصدقة، فإن الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم“ [11] .
4 - نفي الفقر ومفتاح الرزق
- الإمام الباقر : ”البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء“ [12] .
- الإمام علي : استنزلوا الرزق بالصدقة [13] .
- وعنه : إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة [14] .
- 5 مداواة المرضى
- الإمام الصادق : ”داووا مرضاكم بالصدقة“ [15] .
- الإمام الكاظم - أن رجلا شكى إليه أنني في عشر نفر من العيال كلهم مرضى، فقال له: داووهم بالصدقة، فليس شيء أسرع إجابة من الصدقة، ولا أجدى منفعة على المريض من الصدقة، ولا أجدى منفعة على المريض من الصدقة [16] .
6 - البركة وقضاء الدين
- الإمام الصادق : الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة [17] .
7 - رحمة للموتى
- رسول الله ﷺ: ”لا يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة، فان لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين ….“ [18] .
هذه بعض الفوائد والآثار للصدقة ومن الأفضل للإنسان الإنفاق لأعمال البر والخير وإخراج الصدقات في حياته ولا ينتظر ليُخرَج عنه بعد وفاته. قال رسول الله ﷺ - لما سئل عن أفضل الصدقة -: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء وتخاف الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان «19». كما أنه توجد أوقات ومناسبات يزيد فيها فضل الصدقة ويتضاعف أجرها ينبغي مراعاتها كليالي الجمع وأيامها وأيام شهر رمضان وغيرها يطول البحث بذكرها.