آدم رفيق صباي وشبابي
القلم ترجمان القلب ولسان اليد وكلاهما عاجزان عن الكلام بإسهاب حول الرجل المؤمن آدم العقيلي، فمنذ صغري كان رفيق صباي وشبابي، عشنا سوية وجمعتنا رفقة في أعمال خيرية، كان هو المتصدي والمتقدم فيها، الحاج آدم تحمل صعاب الحياة وكرباتها بقلب راضي بما قسمه الله إليه، لا أقول ذلك من منبع العاطفة إنما أقول هذا الكلام لأني عارفا به حق المعرفة، فمنذ صغري كانت تربطي به علاقة الجوار حيث كنا نسكن في الديرة المنطقة التاريخية بتاروت، حيث كنت أنتقل معه بين الديرة وبين قهوة والده، التي تعتبر من أكثر المقاهي الشعبية، التي ذاع صيتها في بداية السبعينيات الميلادية. والسبب في هذا أنها لم تكن قهوة شعبية نمطيه كباقي المقاهي المزامنة لها فحسب، بل هي بمثابة حديقة حيوان مصغرة، حتى أصبحت مهوى قلوب الكبار والصغار.
كان أبو رقية رحمه الله في صغره يعمل في تلك القهوة مع والده، مساندا له رغم صغر سنه، إلا أن والده يعتمد عليه في إدارتها، إذ إن أبو آدم لديه سيارة أجرة يعمل عليها لكي يزيد من دخله المادي بالإضافة إلى وجود القهوة، إن تلك الظروف المادية التي تعاني منها عائلته لم تتح له فرصة إكمال الدراسة وهو يعمل إلى جانب والده، إلا أنه أصر على أن يكمل ضمن المدارس الليلية بالقدر المتيسر له، فلا زلت أذكر كيف كان يشتكي لي حالته النفسية لتخلفه الدراسي، إذ كان يقول لي يا محسن لازم أكمل ما ضاع من سنوات عمري وخسارتي المدرسية، فبعزيمته وإحساسه بحاجة الإنسان في هذا الزمن إلى المعرفة حتى ولو كان بالمقدار القليل، لكي لا يعيش متخلفا في مجتمع يقرأ ويكتب.
أدم العقيلي يحمل المزايا الكثيرة التي قد لا تجدها عند أحد آخر حتى وإن كان متعلما تعليما متقدما، فتجاربه الحياتية علمته الكثير ومنها الصبر على تحمل المصاعب، وهمته العالية في اتخاذ أي قرار، فعندما أتيحت لي معه فرصة السفر إلى خارج البلد، من خلال احتكاكي به لمست همته العالية التي يتحدى بها كل الصعاب.
من يعرف آدم العقيلي فمن المؤكد أنه يعي كيف أنه رجل رغم مرارة الحياة التي قاساها، إلا أنه يحب أن يقدم الخدمات لغيره، كما أنه متفاني في خدمة دينه، كان رحمه الله يسعى في قضاء حوائج غيره، ويقف مع من يستعين به في أي أمر كان، رجل لا يتوانى في تقديم أي خدمة، بالإضافة إلى أنه يمتلك حسن التدبير والإدارة، ويعرف كيف يتصرف مع الآخرين.
عندما أخذتنا الانشغالات كل في عمله قد تباعدنا قليلا، فعندما التقى به تأخذنا الذكريات التي عشناها سوية، فكنت اشتكى له بعض الأمور الحياتية الضاغطة، لكي أخفف عليه المعاناة التي هو يعيشها من مرض وفقر، إلا أنه يلقي علي بمثابة المحاضرة في الصبر والتحمل ويحكي لي قصص مختلفة كلها في الصبر، وكنت أقول له مازحا ألا تخاف من الموت يرد علي لا فإن الحسين معي.
رحل آدم ورحلت معه لمسات لا أعتقد أنها تتكرر في غيره ممن عايشناهم لأنه فريد من نوعه، يختلف معك وهو يضحك، ينصحك بوجه ضاحك، يؤنبك فيضحك، رجل لا يعرف الزعل، يحب الناس والناس تحبه منذ كان صغيرا.
رحمك الله يا أبا رقية وحشرك مع من تحبهم وتواليهم، رحلت وخلفت في قلوبنا الذكريات الجميلة التي حفرت، رحلت في وقت كنا أحوج لوجودك بيننا لما تحمل من صفات تساعدنا في تحمل أعباء هذه الحياة الفانية.