آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 9:31 م

قراءة في كتاب المدرسة القرآنية للسيد محمد باقر الصدر

حسين علي الناصر

مجموعة محاضرات للسيد محمد باقر الصدر تم تدوينها لتكون كتاب صغير الحجم ولكن لم يكن التدوين لائق بحجم السيد نفسه حيث يوجد فيه التكرار الكثير من الكلام وهذا قد يحدث أثناء المحاضرة ولكن أثناء التدوين كان على المدون أو كما يسمونه المقرر أن يكون ملتفتاً لهذا الأمر الذي قد يسبب مللاً أثناء قراءته.

يحدثنا السيد الصدر في أولى محاضراته المعنونه بالتفسير التجزيئي والتفسير التوحيدي للقران الكريم حيث يبدأ تدريجياً بشرحهما ويذهب للاتجاه التجزيئي بأنه يفسر القرآن الكريم آية فآية وهو التفسير السائد التقليدي الذي يقتصر على المأثور من الأحاديث أو بلحاظ الآيات الأخرى التي تشترك مع تلك الآية في مصطلح أو مفهوم، أما الاتجاه الثاني الذي يسميه الاتجاه التوحيدي أو الموضوعي في التفسير فهو مختلف عن التجزيئي لأنه يقوم بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ويدرس مثلاً عقيدة التوحيد في القرآن أو يبحث عن سنن التاريخ في القرآن أو عن السماوات والأرض في القرآن الكريم، ولكن شاع التفسير التجزيئي وسيطر على الساحة قروناً عديدة بسبب النزعة الروائية والحديثية للتفسير إلا أن الشهيد الصدر حسب ظنه طبعاً أن الاتجاه التوحيدي والموضوعي في الفقه بامتداده وانتشاره ساعد بدرجة كبيرة على تطوير الفكر الفقهي وإثراء الدراسات العلمية في هذا المجال بقدر ما ساعد انتشار الاتجاه التجزيئي على إعاقة الفكر الإسلامي القرآني عن النمو المكتمل وساعد على اكتسابه حالة تشبه الحالات التكرارية... ولماذا يقول هذا الكلام الصدر؟ يجيب بعد تفاسير الطبري والرازي والشيخ الطوسي مرت قروناً من الزمن ولكن الفكر الإسلامي لم يحقق مكاسب حقيقة جديدة وعلى ذلك ظل التفسير ثابتاً لا يتغير إلا قليلاً، ثم يسأل: لماذا كانت الطريقة التجزيئية عاملاً في إعاقة النمو؟ فيوضح من خلال الاختلاف بين الاتجاهين فالمفسر التجزيئي دوره في التفسير على الأغلب سلبي فهو يبدأ بتناول النص القرآني المحدد دون أي افتراضات أو طروحات مسبقة أما الاتجاه الثاني يستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل وما قدمه ولا يكون دوره كالمستمع والمسجل فحسب، بل يأتي بطرح موضوعاً جاهزاً بين يدي النص ممتلئ من الأفكار والمواقف البشرية ويبدأ من النص القرآني حواراً المفسر يسأل والقران يجيب، فيأتي بقول لأمير المؤمنين وهو يتحدث عن القرآن الكريم «ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه، ألا أن فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم مابينكم» نهج البلاغة، خ 158

كما يوضح السيد محمد باقر معنى التوحيدي أي الموضوعي باعتبار أنه يوحد بين التجربة البشرية وبين القرآن الكريم لا بمعنى زنه يحمل التجربة البشرية على القرآن أي أنه يستخرج المفهوم القرآني الذي يمكن أن يحدد موقف الإسلام تجاه هذه التجربة أو المقولة الفكرية التي أدخلها في سياق بحثه ويختار مجموعة من الآيات تشترك في موضوع واحد.

ويضيف هنا على أن الأبحاث الفقهية سارت في الاتجاه الموضوعي إلا أنها مدعوه إلى أن تستنفد طاقة هذا الاتجاه الموضوعي وهذا هو ديدن العلماء والفقهاء كانوا بالواقع وقائع الحياة تكاد تنعكس عليهم ويأخذون هذا الواقع ويأتون إلى مصادر الشريعة ليستنبطوا الحكم منها وهذا هو الاتجاه الموضوعي يبدأ بالواقع وينتهي إلى الشريعة في مقام التعرف على هذا الواقع وبحكم أن وقائع الحياة تتجدد وتتكاثر باستمرار وتتولد في ميادين جديدة لابد من لهذه العملية أن تستمر وتنمو، أما ذاك الواقع الذي يعيشه الشيخ الطوسي أو المحقق الحلي ذاك واقع يفي بحاجات عصرهما، وكم من باب وباب من أبواب الحياة فتحت بالتدريج ولابد من عرضها على الشريعة إذا أردنا الاستمرار في الاتجاه الموضوعي في البحث الفقهي وسنجد الكثير من التطور والإبداع لأن التجربة البشرية غنية بما تقدمه من مواد، ويوضح السيد هنا أنه لا يفهم من كلامه أنه ينبغي الاستغناء عن التفسير التجزيئي وإنما يكون إضافة اتجاه إلى اتجاه.

أما محاضرته الثانية هي السنن التاريخية في القرآن الكريم ويبحث فيها عن سنن التاريخ في القران الكريم وهل للتاريخ البشري سنن في مفهوم القران الكريم؟ فيأتي إلى فحص قصص الأنبياء التي تناولها المؤرخون واستعرضوا الحوادث والوقائع التي تكلم عنها القرآن وحينما لاحظوا الفراغات التي تركها القرآن حاولوا أن يملأوها بالروايات والأحاديث أو بما هو المأثور عن أديان سابقة أو بالأساطير والخرافات فتكونت سجلات ذات طابع تاريخي لتنظيم هذه المادة، وقد يخيل إلى بعض الأشخاص أننا لا ينبغي أن نترقب من القرآن الكريم أن يتحدث عن سنن التاريخ لأن البحث في سنن التاريخ بحث علمي كالبحث في سنن الطبيعة وغيرها ولكن يرد عليهم الشهيد الصدر بأن القرآن لم ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب هداية ولم ينزل على رسول الله ﷺ بوصفه معلماً بالمعنى التقليدي وإنما نزل لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن هنا لا نترقب من القرآن الكريم أن يكشف لنا الحقائق والمبادئ العامة للعلوم الأخرى ولانترقب منه أي القرآن أن يتحدث عن مبادئ الفيزياء والكيمياء، صحيح أن في القرآن إشارات إلى ذلك ولكنها محدودة، حيث أنه لم يطرجح نفسه بديلاً عن قدرة الإنسان الخلاقة، ثم لماذا ننتظر من القران الكريم أن يعطينا عموميات وأ يبلور لنا مفهوماً علمياً في سنن التاريخ لأنه لو كان كذلك لتحول إلى كتاب آخر نوعياً، يتحول من كتاب للبشرية جمعاء إلى كتاب للمتخصصين يدرس في الحلقات الخاصة، وللأسف هذا الحاصل حتى يومنا هذا.

وإلى هنا لعلي أوصلت فكرة الكتاب الرئيسية مع بعض التفاصيل القليلة والتي وجدت أنها مهمة لذكرها وإلا السيد تحدث أيضاً عن عناصر المجتمع والتغيير وعن أن الأنبياء تنطبق عليهم السنن أو لا؟