منتدى الثلاثاء... ايقونة الثقافة العربية
أنهى منتدى الثلاثاء مسيرة عقدين من الزمن قدم خلالها المئات من الشخصيات الثقافية في مختلف مجالات الحياة، قدم المثقف والكاتب والسياسي والرياضي والاقتصادي، قدم الرجل الكبير والشاب الصغير، قدم الرجل والمرأة دون اختلاف، وتطرق الى مختلف جوانب الحياة الثقافية...
خلال عشرين عاما، استطاع المنتدى أن يجعل من الثقافة أسلوب حياة، ففتح منبره بشكل أسبوعي لكل حامل فكر ورأي، فأصبح يوم الثلاثاء بالنسبة للآلاف برنامج عمل، وأسلوب حياة ثابت طوال العام. وتلك لعمري ميزة ليس من السهل القيام بها، خاصة وأننا نعيش بين هجمة مواقع التواصل الاجتماعي، وبين الفورة الرياضية، التي سحبت الصغير والكبير إلى مواقعها، أو إلى شاشات التلفاز طوال الاسبوع تقريبا، فكانت معركة غير متكافئة بين اتجاهين، وكأن راعي المنتدى، أبى إلا أن يعيد منبر الثقافة المشع إلى القطيف مرة أخرى، بعد ان غاب لعقود، ليس هذا فقط بل ليكون قبلة للثقافة والفكر، ليس في المحافظة أو بالمنطقة الشرقية، بل على مستوى الوطن.
هذه المعركة الفكرية التي استطاع من خلالها المنتدى أن يثبت اقدامه وسط هذا البحر الهائج من العقبات المختلفة، الفكرية وغير الفكرية، لم يأت من فراغ، بل جاء نتاج جهد حثيث وعمل متواصل طيلة عقود وبشكل اسبوعي، قد لا يقدر حجمه إلا من خبر مثل هذه الاعمال. هذا ما مكن المنتدى أن يتربع - من وجهة نظري - على قمة المراكز الثقافية الأهلية على مستوى العالم العربي، ولغة الأرقام تتحدث بشكل جلي عن هذا التفوق، وتنقل لنا خلاصة نشاطاته. فتقرير المنتدى لدورته العشرين يقول، أنه قدم31 ندوة و42 متحدثا، إضافة إلى تكريم 26 شخصية وإقامة 16 معرضا فنيا، وعرض 18 فيلما قصيراً، إضافة إلى توقيع 23 كتابا بالمنتدى. هذا الكم الواسع من النشاط يوضح حجم المادة التي تم تقديمها للجمهور، وبشكل اسبوعي على مدى عدة أعوام، علاوة إلى حضور أسماء كبيرة في عالم الفكر والثقافة كالدكتور سعد البازعي، وعبد السلام الوابل وغيرهم، وفي الدورة الاخيرة كان الحضور المميز للأستاذ ابراهيم البليهي وغيرهم من الأسماء البارزة، إضافة الى إتاحة المجال إلى المشاركات الشابة من البنات والأولاد.
إن أي مؤسسة ثقافية تفخر بضيوفها من الشخصيات الفذة والكبيرة، من الرموز المحلية والخارجية، والذي يمثل بالنسبة لها الجوهر، الا ان المنتدى لم يهمل المظهر، وهو ذو أهمية كبرى ايضا، حيث تم وضع هيكلية خاصة بالمنتدى تجعل منه كياناً مؤسسيا قادراً على النمو والاستمرار، وتلك لعمري ميزة مهمة من النادر أن تجدها في أكثر المؤسسات الثقافية وغير الثقافية. كوّن المنتدى له مجلسا استشاريا من أصحاب الرأي والخبرة، من مختلف مدن المنطقة الشرقية، إضافة إلى مجلس تنفيذي يشرف بشكل مباشر على برامج المنتدى، ويتغير المجلسان بشكل منتظم، علاوة على وجود رسالة ورؤية واضحة للمنتدى وأهداف محددة. ولو تابعت مسيرة المنتدى لرأيتها واضحة وتسير في نفس مسار الرؤية المحددة، وتسعى لتحقيق رسالته عبر الاهداف التي تم وضعها.
ومن الواضح أيضا أن مسيرة المنتدى كانت انعكاسا لرؤيته ورسالته وسعيا لتحقيق اهدافه، فكانت النتيجة حديقة ثقافية غناء جميلة، فهي من جانب ثرية في انتاجها، ومتنوعة في محتواها. فقد قدم المنتدى ندوات ثقافية واقتصادية وسياسية واجتماعية ورياضية، وأتاح هذا التنوع له جمهور واسع، غطى مختلف شرائح المجتمع، فأصبح المنتدى، منتدى كافة ابناء المنطقة على مختلف رغباتهم واهتماماتهم. والجانب الآخر هو التميز، فهذا الكم الكبير من الندوات صاحبه فعاليات مهمة قدمت فنانين ومبدعين ومبتكرين كُثر، وكان كذلك منصة وقع عبرها العشرات من الكتاب كتبهم، إضافة الى أنه كان منصة تكريم للشخصيات الثقافية والاجتماعية في كل اسبوع، هذا التميز لم نعرف له مثيلا في أي بلد من البلدان، ان تجري كل هذا الفقرات على مائدة ثقافية أسبوعية. خلاصة القول إن ذلك مصداقا لشعار المنتدى، «إثراء.. تنوع.. تميز»، وهو فعلا كذلك.