كان للفقراء طبيباً..!!
الموت الذي أغمض عين طبيب الفقراء... فتح أعين الناس على خمسين سنة من العطاء الصادق والبذل المترفع عن الرياء.. رحل الدكتور محمد مشالي.. ومصر لم تكرمه بجوائز وطنية. كثيرة. كما فعلت بتكريم إحدى الراقصات المشهورات، منها جائزة الأم المثالية، ولكن الله عز وجل أنطق اللسنة الخلق بفضائله فخلال يوم واحد ظهرت عشرات الصور له رسمها رسامون كبار، وفاض الشعراء برثائه وتصاعد ترند طبيب الفقراء. بمسميات مختلفة، عاش فقيرا ومحبا للفقراء مؤثرهم على نفسه..، زاهدا في كل شيء من مظاهر الترف يتقاضى ما يعادل نصف دولار «ريالين». وأكثر الأحيان مجانا، يستعين بالجنيهات العشر المقبوضة لدفع أجرة عيادته.. التي تكاد تكون دكانا للخرداوات.. ولشراء الأدوية لمن هو عاجز عن ثمنها، وحين يخرج من الدكان الطبي هذا يتنقل مشيا على قدميه أو بسيارة أجرة... يزور العاجزين من المرضى في بيوتهم..!.
وحين قدمت له الإمارات العربية المتحدة عيادة فاخرة كهدية له مدفوعة الأجرة عشر سنوات، أعتذر لأنه يريد أن يكون قريبا من الفقراء، وحين عرض عليه المال نقدا أشار إلى الجمعية الخيرية في نهاية الشارع، أو هيئة كفالة الأيتام. ستة قمصان، ثلاثة أحذية ثلاجة في فضائها خمس تفاحات، وقليلا من الجبن الأبيض المالح، ونصف طبق بيض هذا ميراثه العظيم الذي تركه كحصاد لدنيا لم يبتغ منها غنا، ولم يتقبلها غنيمة، محظ زوادة لطريق بانت لقلبه من صغره خاتمته.
خمسون من العطاء... ما أقلها، وما أكثرها وما أعظم العطاء فيها، الإخلاص في العطية، يتقبلها الله تعالى. ويجعلها على لسان خلقه في الحياة الدنيا. رحم الله الدكتور محمد مشالي الذي أيقض في أنفسنا الكثير من التواضع والشعور بالخجل من حجم ما نقدمه، ونوعه، لأنه قدم لنا معنى جديدا من معاني الشهادة فقد عاش شهيدا بين الناس حتى مات نبيلا زاهدا على فراشه، في كل يوم يسوق أضحية لربه، رغبة من رغبات قلبه، أو شهوة من شهوات نفسه، أو نزعة من نوازع السلطة والنفوذ، أو حظا من حظوظ الشهرة..
حدثنا الراحل عن روح الطفل الفقير الصغير الذي أحرق نفسه حين عرف أن خواته الثلاث لا بد لهن من احتمال الجوع كل يومين لينال بقيمة طعامهن حقنة الأنسولين، فقرر أن يحرق نفسه لكي لا تجوع خواته الثلاث دائما بسببه.
وحين حمله الدكتور مشالي رفرفت روحه على كتفيه وصعدت إلى بارئها، طرح الجسد المحترق وطرح بجواره لله قسما.. أن لا ينال من فقير عاجز قرشا واحدا إن كان بحاجة إليه ها هو الآن يترجل يتباعد يرحل خفيفا بارا بقسمه تاركا خلفه حياة موعظة جديدة لقلوبنا جميعا إن الله تعالى لا يضيع أجر من من أحس عملا.. تقبله الله تعالى عنده بقبول حسن إنه سميع مجيب.