توظيف التعلم الآلي في علاج الأمراض
التعلم الآلي machine learning هو فرع من الذكاء الاصطناعي، وورد تعريفه في ويكبيديا Wikipedia بأنه دراسة خوارزميات الكمبيوتر التي تَتَحَسن تلقائيًا من خلال الخبرة، حيث تبني نموذجًا رياضيًا بناءً على بيانات نموذجية، تُعرف باسم ”بيانات التدريب“، من أجل وضع تنبؤات أو قرارات دون أن تتم برمجتها بشكل صريح للقيام بذلك. ويتم استخدام خوارزميات التعلم الآلي في مجموعة متنوعة من التطبيقات حيث يكون من الصعب أو غير العملي تطوير خوارزميات تقليدية لأداء المهام المطلوبة، مثل تصفية البريد الإلكتروني، والسعي إلى فهم وأتمتة المهام التي يمكن للنظام البصري البشري القيام بها واكساب أجهزة الكمبيوتر لفهمٍ عالِ المستوى عن طريق الصور أو مقاطع الفيديو الرقمية.
ويشهد العالم اهتماما كبيرا بتطبيقات التعلم الآلي التي تحقق قفزات مهولة في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية. وقد شاع في السنوات الأخيرة استخدام التعلم الآلي في كثير من مناحي الحياة وفي مقدمتها الطب، وكان الهدف الأساس هو فهم طبيعة الأمراض سعيا في إيجاد علاج لها.
وقد قدمت نشرة ام أي تي تكنولوجي رفيو MIT Technology Review لشهر يونيو 2020 م، التي تصدر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، تعريفًا بما قامت به الباحثة الألمانية الدكتورة كاثارينا فولز «البالغة 33 عاما» في توظيف التعلم الآلي في البحث عن علاج لمرض الشلل الرعاشي «باركنسون». وبدأ اهتمام الدكتورة فولز بعد علمها بإصابة شخص مقرب منها بهذا المرض، وذلك بعد انهائها درجة الدكتوراه في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016 م، وبداية رحلتها في البحث الأكاديمي في الخلايا الجذعية، وقد أحدث هذا الخبر تغييرا جذريا في اهتماماتها الاكاديمية، وشعرت بمسؤولية عميقة لإيجاد طريقة للحصول على علاجات لهذا المرض، لثقتها بأنها تستطيع فعل شيء حيال ذلك.
وتقود الدكتورة فولز حاليا شركة اوكامزرازورOccamzRazor التي نجحت في مزاوجة التعلم الآلي والبحث الطبي الحيوي في مسيرة البحث العلمي عن علاج لمرض الشلل الرعاشي. لكنها لاحظت وجود مشكلة عندما يتعلق الأمر بالبحث في المرض، يمكن القول إنها تصيب العلم بشكل عام، حيث كان الخبراء الذين يدرسون المرض متخصصين في جوانب معينة منه، ولكنهم بشكل عام لا يعرفون الكثير عن جوانب أخرى ولا يمكنهم التعامل معها، مما جعل من الصعب مشاركة الأفكار الجديدة واستكشافها بشكل صحيح، مما سبب اعاقة للفهم المستمر لكيفية تقدم المرض. تقول فولز: ”حتى إذا كنت أذكى باحث في العالم، فلا يمكنك جمع كل هذه المعلومات معًا وإجراء الاتصالات التي تحتاجها لفهم كيفية عمل المرض حقًا، وقدرتنا كبشر على رسم هذه الروابط العديدة محدودة“.
وهنا يأتي التعلم الآلي، حيث يمكن أن يقوم الذكاء الاصطناعي بعمل أفضل من الإنسان في قراءة جميع الأوراق ومجموعات البيانات المختلفة المنشورة حول موضوع وتحديد الأفكار التي يمكن أن تؤدي إلى اختراقات علمية. ورغم أن التعلم الآلي ليس من اختصاص الدكتورة فولز، فقد جمعت فريقًا من باحثي الذكاء الاصطناعي، جنبًا إلى جنب مع خبراء من مجالات أخرى مثل علم الأحياء الحسابي وتطوير الأدوية وعلم الأعصاب. واستطاعت جمع المال من مستثمرين مختلفين، بما في ذلك جيف دين «رئيس قطاع الذكاء الاصطناعي في شركة جوجل» ومؤسسة مايكل جي فوكس، وأنشأت شركة اوكامزرازور في عام 2016 م.
وقامت الشركة بمعالجة المشكلة بخطوتين رئيسيتين، هما تطوير برمجيات تقرأ وتفهم المواد المنشورة عن مرض الشلل الرعاشي، واستخدام الذكاء الاصطناعي لدمج علم الجينوم genomics وعلم البروتيوم proteomics «يعنى بالتحليل التجريبي الواسع النطاق للبروتينات» ومجموعات البيانات الاكلينيكية «السريرية»، مستهدفة توقع مسارات جديدة وجينات مهمة للمرض يمكن اختبارها في المختبر.
والنتيجة هي ما تسميه الشركة باركنسوم Parkinsome وهي خريطةُ معرفةِ الشلل الرعاشي التي تكشف كيفية تسبب المرض وتقدمه، وتشير الى علامات وأعراض يمكن أن تساعد في إجراء التشخيص المبكر، وتحدد الأهداف العلاجية المحتملة. وبعد تأكيد النتائج التي توصلت إليها، ستشارك الشركة شركات التكنولوجيا الحيوية وشركات الأدوية الشركات في تطوير عقاقير.
إن الهدف من كل هذا هو اتخاذ هذا النهج إلى أبعد من مجرد دراسة مرض الشلل الرعاشي، حيث تخطط الدكتورة فولز وفريقها لتوسيع المنصة لبناء خرائط معرفة شاملة للأمراض المعقدة الأخرى المتعلقة بشيخوخة الدماغ. وتقول فولز: ”تُعَلِّم الأمراضُ بعضها البعض، ودراسة مرض الشلل الرعاشي هي واحدة من أفضل الطرق لدراسة شيخوخة الدماغ بشكل عام“.
اننا نعيش قفزة في الاستفادة من التعلم الآلي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإحصاءات ويعتمد اعتمادًا كبيرًا على برمجيات الذكاء الاصطناعي الحاسوبية التي تُمَكِّن عمل التنبؤات بعد تحليل البيانات، ويستخدم مناهج مختلفة لتعليم أجهزة الكمبيوتر لإنجاز المهام حيث لا تتوفر خوارزمية مرضية تمامًا. والأمل معقود على أبنائنا المبدعين والمتميزين في اكتساب المعرفة في التعلم الآلي والولوج فيه بقوة وبثقة لاقتراح حلول عملية للمشاكل والتحديات التي تواجه الجسم الطبي في وطننا الغالي على الخصوص والبشرية بشكل عام. ومن الحكمة أن لا يقتصروا على تطبيقات التعلم الآلي في العلوم الطبية، بل يتوسعون في تطبيقاته على مناحي الحياة المتعددة لوضع حلول لمشاكلها وتحدياتها.