الصدأ ليس من تراثنا
للهروب المؤقت عما يتداول بشأن مبادرة ”مدن السعادة“ للفنان عبدالعظيم الضامن، اتذكر بعض النقاش بل الجدل الذي تسبب في تأخير إعادة بناء سوق القيصرية التراثي بالأحساء سنوات عدة، حيث كانت إحدى وجهتي النظر التي يتمتع أصحابها وهم من المختصين الفاعلين بثقة كبيرة من الأهالي تصر على أن تكون مساحة المحال التجارية في السوق بنفس المساحة التي كان عليها قبل الهدم تقريباً، وكذلك الالتزام بنفس عرض الجدران والممرات السابقة. لم تفلح كل المحاولات في ثني هذا الرأي، وفي النهاية تم لها ما أرادت، ظهرت النتيجة الآن أن السوق ليس في أحسن حالاته، فضيق مساحة المحل وممرات السوق تشكل عبئ على التجار والمتسوقين معاً.
لم يكن هذا الرأي اجتهاداً شخصياً صرفًا، بل هي مدرسة قائمة بذاتها تقوم على الحفاظ على التراث العمراني كما هو دون تغيير بأي حال من الأحوال، وتقابلها مدارس أخرى ترى أن الإضافات الجديدة - بنسب مختلفة - هي مهمة جداً لأسباب تتعلق باستمرارية استخدام المبنى التراثي لمختلف الأغراض وليس للغرض الأصلي فقط «التعايش مع التراث» وكذلك لإيضاح الفروق بين القديم والجديد، وهناك عدة تطبيقات عملية موجود بعضها في إيطاليا كما استعرضه مؤخراً في منصة بوتقة أستاذ العمارة الإسلامية بجامعة أم القرى د. محمد باقادر.
القطيف وطوال العقود الماضية لم تشهد عملية ترميم قط لأي من آثارها وتراثها العمراني، بكل كانت سابقاً طريقة التعامل مع المواقع التراثية هي الإزالة، بأستثناء عملية ترميم جزئي يتيمة لقصر تاروت عام 1404 هـ ،. لكن تم طلاء القصر باللون المتعارف عليه في عمارة منطقة نجد، وكذلك تم إلغاء التيجان التي كانت تعلو أبراج القصر.
في حي الديرة التاريخي بجزيرة تاروت الذي مازال آهلاً بالسكان الذين يسعون ويحاولوا أن يتمتعوا بقدر مشابه من الخدمات والمميزات التي يتمتع بها من يسكن خارج الحي، وبعضهم يحتاج من يزيل عن واجهة منزله إشارات الفقر وليس الحفاظ عليها بارزة. في حي الديرة طفلة مازالت تخرج من منزلها للمدرسة وتعود له بحذر خشية أن يتعرف أحد على منزلها الذي يخبرك مظهره الخارجي عما بداخلي من عوز وفاقة.
في حي الديرة التاريخي استبشرت بعض البيوت بأن هناك من يسعى لإدخال السعادة عليهم - بمقاييسهم هم - عبر الألوان البسيطة التي ستغير وجه الأبواب الصدئة، لكنها بالنسبة لهم قد تعادل تغيير كل أثاث المنزل، بل إزالة شعار البؤس الذي اصبح علامة على واجهة منزلهم، لعل لسان حالهم يقول ”لا يهم ماذا بداخل البيت، المهم ألا يظهر ذلك على البيت من الخارج“.
في حي الديرة التاريخي العديد من الأجزاء الطارئة التي تشوه الطابع التاريخي للحي، التي وأن اعتادت عليها عين البعض تظل الحاجة إلى معالجات جادة توائم بين الطابع التراثي للحي وبين احتياجات السكان، ومن جانب الأخر أيضا نحتاج - كي لا تسيطر علينا الأنانية - أن نوائم بين شغفنا برؤية واستنشاق عبق الماضي عبر نافذة هذا الحي وبين احتياجات سكان الحي أيضا.
لابد لي أن اشيد ببعض ردود الفعل التي شاهدتها على مبادرة مدن السعادة مثل تلك التي اقترحت بكل محبة اقتصار تلوين الأبواب على لون واحد فقط، وبعضها اقترح اقتصارها على لونين فقط، المهم أن هناك الكثير ممن لديهم اهتمام بكل ما له علاقة بتراث المنطقة ويظهرون ذلك الاهتمام بوضوح، وهذا رائع للبناء عليه، فالوضع في حي الديرة التاريخي يحتاج للكثير أكثر من مجرد الاهتمام، فهناك عدد من المباني القديمة المميزة التي تم هدمها في الفترة الأخيرة، وهناك ممرات تشكو من التصدع والانهيارات إضافة للمباني نفسها، وفي القطيف عموماً هناك مجموعة من البيوت التراثية المهمة هي على قائمة الهدم حالياً وهي بحاجة الى جهد مناسب وعمل متواصل لحمايتها والمحافظة على استمرارها للأجيال.
كلي أمل أن تكون ردود الفعل هذه رسالة إيجابية واضحة لهيئة التراث لوضع حي الديرة التاريخي في قائمة أولوياتها، وبأننا كأهالي على أهبة الاستعداد لمبادرات الهيئة.