آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

المسار الأمثل

علي أحمد آل رضي

لم يكن البناء بالأمر الهيّن لذا يتأخّر البعض في بناء منزل العائلة، ونعلم أنه في الوضع الاعتيادي يكثر الطلب على شقق الاستئجار مما يفيد وجود نسبة كبيرة من الناس لا يمكنها امتلاك أرض ولا تشييد منزل. البناء الشامخ يحتاج إلى موارد وإمكانات قد لا تتوفّر مع فرد في فترة ما تَتَوَفَّر في فترة أخرى مثلاً بعد التعاقد متى ما وجد نظام العائد المجزي والادخار المتزايد، ويؤخّر البعض البناء إلى مرحلة الاستقرار بعد ضنك التعب والانشغالات. ويؤكد الجميع أن بيت العائلة الكبير بتضاريسه وتكوينه - القديم والحديث - هو الرافد السكني والروحي الأمثل على الأقل حتى منتصف مرحلة جهاد الرزق والمعيشة.

شاهدنا تجارب أفراد اعتادوا بناء منزل السكن وبعد سنوات محدودة يبيع منزله ثم يكرر البناء مرة ثانية ويبيع لثلاث أو أربع مرات نتيجة تطلّعات أسمى ويعتبر هؤلاء اِسْتِثْنَائِيُّونَ لأنهم قلّة، خلاف ثلّة أخرى يكون هدفهم من البناء والبيع المتكرر الربح التسويقي العقاري، وهؤلاء المتعدّدون من الصنفين لا يبدو أنهم جادّون ولا حريصون على جودة البناء ولا استدامته ولا حتى تفاصيله. لم يكن مفهوم البناء يوماً يتماشى مع حجر الدومينا كتشييد شكلي وسطحي ولا ليكون منظراً جميلاً أنيقاً للتباهي وإنما هو مثلاً لعمل الإنسان الجاد الثّمين حيث كان الآباء والأجداد يكدحون دهراً حتى يجمعوا رزقهم ليوفّقوا في بناء ملاذاً آمناً ودائماً للعائلة.

مما لا شكّ فيه أن حاجة الإنسان هي دافعه إلى العلم والعمل والبناء والرقيّ والإبداع، وهذه المفردات منفردة أو مجتمعة يختلّ مفهومها إذا ما كانت قاصرة عن تلبية الاحتياجات المنظورة وركزت على زاوية حادّة منفردة، وأهملت احتياجات الزوايا الأخرى والتي يمكن محاولة سردها بمراجعة شاملة لمتطلبات الحاضر والمستقبل. ولا ضير أن يكون البناء يتمّ على مراحل والأمثل أن تكون هذه المراحل واضحة ومجهزاً لشبكاتها حتى لا يتعارض وقت تنفيذها مع ما سبقها من أعمال. وكما تعلمون أن الاحتياجات تختلف أنواعها حيث البعض يكون النفع في ذاتها المباشرة ومرة أخرى يكون في نتاجها أو كليهما، كالشّجرة والثّمرة.

لن تستمر جودة البناء دون الصيانة الدورية الضرورية حيث الكثير من المواد والأدوات والأجهزة تتأثر بتقلبات الطقس من الحرارة والمطر والاستخدام المفرط المؤذي على كفاءتها وعمرها الافتراضي. ولعل اختلافات الأمزجة تلعب دوراً رئيساً في خياراتهم، فهناك من يرى إمكانياته تتوافق مع استئجار سكن أو سيارة والدفع من راتبه الشهري أو مدّخره السنوي والابتعاد عن همّ التصليح والصيانة كما القروض البنكية، وآخرون يرون المتعة في المغامرة والمسؤولية والمتابعة المستمرة بما فيها مفاجآت ومخاطر وتقوم بعض الشركات باختيار صيغ عقود تشمل إضافة إلى التصميم والتوريد والتركيب، أعمال الصيانة الدورية شاملة تغيير قطع الغيار لعدّة سنوات.

عندما نَهْتَمّ بموضوع البناء علينا أَلَا نغفل مسؤولية بناء الإنسان خليفة الله في الأرض، ونقف احتراما وتقديراً لكل من يخدم الإنسان في أي مهنة أو تخصص وما أكثرها، وهنا نشدّد أن جزء البناء الأهم هو خلال مرحلة التأسيس وبالنسبة للإنسان في صغره وخلال نشأته وشبابه ومراهقته وهو طري الفكر والقوام خالي من الهموم والانشغالات. ونفخر بالكم الهائل من اللجان الرسمية والأهلية والتطوّعية التي تخدم المجتمع وتساهم في تطويره وتثقيفه وتوعيته، ونهمس إلى هؤلاء الكرام أن يخصصوا جلّ إمكاناتهم للناشئة وألا تخلوا فعالياتهم من تواجدهم ومشاركاتهم لأنهم سريعو التعلّم وهم مع الدعم والمتابعة من يحافظ على القيم والالتزام وَالْهُوِيَّة ومن ينتج التميّز والإبداع.

هم الحاضر وهم المستقبل.