آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الغضب مفتاح كل شر

عبدالله الحجي *

مع نهاية اليوم خرج من مكتب رئيسه متأثرا غاضبا بسبب عدم حصوله على التقييم السنوي الذي كان يتوقعه واضمحلال فرصة حصوله على ترقية. وصل إلى منزله فاستقبلته زوجته تسأله عن الاحتياجات التي طلبتها فرد عليها بنبرة غضب لم تحتملها ولم تتمكن من امتصاص غضبه.. علت أصواتهما فصب عليها جام غضبه وامتدت يده عليها.. تأزمت العلاقة بينهما وانتهت بالانفصال الذي كان ضحيته الأطفال الأبرياء.

حادثة واحدة من الكثير من الحوادث والمواقف التي تحدث يوميا داخل الأسرة بين الأزواج وبين الآباء والأبناء وفي المجتمع والعمل ومختلف مجالات الحياة فتنتهي بعواقب وخيمة من التأثير على العلاقات وهدمها والتباعد والعداوة، بل قد يصل الأمر إلى فقد الأرواح في لحظات غضب عابرة يفقد فيها الإنسان أعصابه وعقله وتوازنه فيصبح كالمجنون ثم ينتهي بالندم والاعتذار الذي قد لا يفيده. قال الإمام علي : إياك والغضب فأوله جنون وآخره ندم. [1]  وقال: الغضب نار موقدة، من كظمه أطفأها، ومن أطلقه كان أول محترق بها. [2]  كما أن للغضب آثار سلبية على الصحة الجسدية والنفسية، ويجعل الإنسان غير محبوبا عند الآخرين إذا ماكان الغضب سمة بارزة عنده يغضب على كل صغيرة وكبيرة.

الغضب إن لم يكن لله فهو من الأخلاق الذميمة وهو شر يدمر حياة البشر إذا ماتم الاستجابة له. قال الإمام علي : الغضب شر إن أطعته دمر. [3]  وقال الإمام الصادق : الغضب مفتاح كل شر [4] ؛ وذلك يؤكد أهمية وصية النبي ﷺ ومدى أبعادها لذلك الإعرابي الذي سأله فقال له لاتغضب ثم سأله فكررها ثلاثا «لاتغضب» نظرا لما ينتج عن الغضب من شرور وعواقب وخيمة لايُحمد عقباها.

من منا لايغضب؟ التحكم في الغضب خصوصا في الثواني الأولى مطلب مهم يحتاجه الكثير منا وإن لزم الأمر وقتا طويلا لترويض النفس وتهذيبها والحد من انفعالاتها. ولكي يتحكم الإنسان في غضبه ويعالجه ولا يفسد إيمانه عليه أن يتذكر دوما نصيحة نبينا المصطفى ﷺ لذلك الإعرابي الذي قال له «لا تغضب» وكأنه هو المعني بها. وكذلك العمل بالوصايا التي وردت في الروايات ومنها الصمت، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، وتغيير الحالة والهيئة فإن كان قائما يجلس، وإن كان جالسا يقوم أو يضطجع، وإن كان الغضب مع ذي رحم يُنصح بلمس الرحم لأن الرحم إذا مست سكنت. قال الإمام أبي جعفر : وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت. [5] 

كما أنه من الضروري التعرف على الأسباب المثيرة للغضب والتخلص منها، والصبر وحسن الظن، ومراعاة مشاعر وظروف الآخرين، والتأكد والتحقق وعدم التسرع في الحكم، والتكيف مع المواقف المثيرة للغضب، والتفكير في العواقب الوخيمة.

ومن أنجع السبل للتحكم في الغضب الحلم وكظم الغيظ ابتغاء وجه الله تعالى فقد ورد أن جمال الرجل في حلمه وأن الإنسان إن لم يكن حليما يمكنه التحلم والتدرب على ذلك. قال الإمام علي : إن لم تكن حليما فتحلم، فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم [6] ؛ وقال : إنما الحلم كظم الغيظ وملك النفس [7] ؛ وقال: احترسوا من سورة الغضب، وأعدوا له ما تجاهدونه به من الكظم والحلم. [8] 

التحلي بالحلم وكظم الغيظ والتحكم في الغضب ليس ضعفا وليس فيه ذلة وإهانة كما يتصور البعض بل هو شجاعة وقوة امتدحه سيد الخلق. قال رسول الله ﷺ: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. [9] 

[1]  [2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - 2265/3

[3]  [4]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - 2264/3

[5]  الكافي - الشيخ الكليني - 302/2

[6]  نهج البلاغة - خطب الإمام علي - 47/4

[7]  جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - 480/13

[8]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - 2264/3

[9]  جامع السعادات - محمد النراقي - 261/1