«فسحة الأمل»
عبدالرزّاق شابٌ في العشرينات من عمره، يدرس في إحدى الجامعات المرموقة، وهو طالب مجتهد، يسعى للحصول على شهادة البكالوريس في هندسة الحاسب الآلي. تولّع عبدالرزّاق بهذا التخصص على إثر الثورة العارمة في تقنية المعلومات، منذ أن كان طالباً في المرحلة الثانويّة، ولم يوفّر أي جهدٍ ليتفوّق، ويحصد الدرجات المطلوبة للقبول في الجامعة المفضلة له، وطموحه أن يكون جزءاً من التغيّر الكبير، الموعود به العالم، في تقنية المعلومات، والذكاء الاصطناعي. شابٌّ ملؤه الطموح، وسلاحه الاجتهاد، والهمة العالية.
في دهاليز الجامعة يلتقي عبدالرزّاق بأصحابه، وأقرانه، فيبدأون تجاذب أطراف الحديث عن المواد الدراسيّة، فيتسيّد الكسالى، ذوي الصوت المرتفع، الحديث، ويُغرِقون الجميع بِجُملهم الرناّنة عن صعوبة الدراسة، وعدمتعاون الأساتذة، ويأتون بالأمثلة المثبطّة، كإيقاف ”فلان“ عن الدراسة، لانخفاض معدّله الأكاديمي، وعدم اجتياز ”فلتان“ للمادة الصعبة، التي سيواجهونها في الفصل الدراسي القادم. تحين الساعة، ويتفرّقون لحضور محاضراتهم القادمة.
يعود عبدالرزّاق للمنزل، ويرتاح قليلاً، ثم ينكبّ على كتبه، ودفاتره، لإنجاز كلّ واجباته، كما يفعل المجتهدون بعدإنهائها، يذهب لغرفة المعيشة لقضاء وقتٍ مع العائلة، ويجدهم جالسين، يشاهدون قناة إخباريّة؛ نفس القناة التي يشاهدها الوالد يوميّاً، فتتوالى الأخبار، حدثّ هنا، وحدثٌ هناك، انهيارٌ اقتصادي في مكان، وافلاسٌ لشركات فيمكان آخر. تنتهي الأخبار، ويبدأ برنامج، فيه متحاوران، يملكان رؤيتين مختلفتين، فيعلو الصوت، ويشتد الخلاف، يتوتّر المتحاوران، ومعهم عبدالرزّاق، ووالده، وبقية العائلة. يحين موعد النوم، فيعود عبدالرزّاق لغرفته، ويستلقي على فراشه، ويخلد للنوم، استعداداً ليومٍ جديد.
في عطلة نهاية الإسبوع، يخرج عبدالرزّاق برفقة العائلة، لزيارة بيت الجد، حيث سيجتمع أبناء العمومة، والإخوة، وبعد السلام والتحيّة، وبعض السؤال عن الأحوال، يبدأ الحديث عن آخر الأحداث، والانهيارات الاقتصاديّة، والكوارث الطبيعيّة، والمستقبل المظلم، الذي ينتظر البشريّة. يحاول عبدالرزّاق وأبناء عمومته، أن يحرفوا الحوار إلىمواضيع أخرى، لكن سلطة الآباء أقوى، فيُشدّ عقال الحديث مرة أخرى إلى الويل، والثبور، وعظائم الأمور.
يلتقي عبدالرزّاق مع بعض من سبقوه، والتحقوا بوظائف، متأملاً التعلّم من تجاربهم، والتعرّف على البرامج التدريبيّة، التي خضعوا لها، فيبدأ الحديث، الذي فجأةََ يسرقه أحدهم، ويوجهه إلى معاناته مع مؤسسته، وطلباترئيسه التي لا تنتهي، وعدم حصوله على المساعدة من زملائه، ومدى التعاسة التي يعانيها منذ التحاقه بالوظيفة، فيدور الحديث منذ تلك الحظة، إلى نهاية اللقاء، عن الأمور السلبيّة، وعدم توّفر الفرص، وربما اختلال ميزان العدالة، وغيرها من الأمور القاتلة للطموح، والأمل، والمؤدية للتشاؤم، واليأس. ثم ينتهي اللقاء، بعد أن انقضى الوقت المتاح.
لا أعلم ماذا أقول لك يا عبدالرزّاق، غير:
”الله يعينك على كل هذا الاستنزاف العاطفي“. فلنرحم أنفسنا، وأجيالنا القادمة، وما أضيق العيش، لولا فسحة الأمل.