ثيودورا
أحيانا أبذل قصارى جهدي لطلب النوم بيد أن الأرق يحول بيني وبينه، فألجأ إلى القراءة، لعل النوم يتسلل إلى جفون عيني. وقبل ليلتين حدث لي مثل هذا الأمر فلجأت إلى قراءة أوراق على شجر للكاتب أنيس منصور، وتوقفت مليا أمام قصة ثيودورا، تلك المرأة المسكينة التي عاشت حياة بائسة مريرة، هي وأمها وأختاها بعد وفاة والدها الذي كان يعمل مروضا في السرك، فاضطرت إلى العمل راقصة غانية، وتعمل على تقديم جسمها ومفاتنها للراغبين في ذلك. ومرت الأيام فضحكت لها الأقدار، إذ تربعت على عرش إمبراطورية الرومان بعد زواجها من الإمبراطور جستنيان. ولكونها عاشت الإحساس بالجوع والفقر ومرارة العيش شيدت قصرا للراقصات اللاتي أجبرتهن الظروف على امتهان تلك المهنة، فوفرت لهن حياة كريمة لا عوز فيها، تفضي بهن السير في طريق الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة وإعلان التوبة. وكذلك منعت الإتجار بالنساء. ما قامت به ثيودورا يعتبر إنجازا أخلاقيا يأخذ بالمجتمع نحو حياة تسودها الفضيلة وتنأى عن الرذيلة. وهنا نسأل: هل ما قامت به ثيودورا الذي يشكل صفحة مضيئة في حياتها كفيل بنسيان تلك الصفحة المظلمة من تاريخها؟.
البعض يقول: غانية لكنها تعطف على الفقراء. وآخر يقول: فاجرة داعرة لكنها أول من طالب بتحرير المرأة من ذل الرجل. لنتأمل في أقوال هؤلاء في ثيودورا بعد توبتها وانتهاجها السلوك القويم وتوظيفهم لكلمة لكن في عدم نسيان ماضي ثيودورا. نحن لا نختلف قيد أنملة عن الأفراد الذين عاشوا مع ثيودورا في توظيف مفردة «لكن» في إبراز تلك الصفحات المظلمة لبعض الأفراد الذين ساروا في الطريق المستقيم، بدلا من طمسها وإخفائها، فنرخي لألسنتنا العقال، فنقول: فلان بات متدينا مستقيما لكن كان يشرب الخمر. أو فلانة أم مثالية في تربية أولادها على الطريق المستقيم لكن كانت الله يستر عليها.
في الختام أقول: لنتخلص من فيروس لكن، باتباع التباعد عن الصفحات المظلمة للناس التي طويت لتسمو نفوسنا وتصفو قلوبنا وترقى ذواتنا.