آخر تحديث: 5 / 12 / 2024م - 12:40 ص

الحنين لزمن الطيبين

اشتياق آل سيف

من أروع هبات الرب الكريم هو رعايتك وحفظك متكفلاً برزقك في العمر والمال والولد وتحقيق كل تلك الأماني التي ولدت معك وترعرت وكبرت وأنت تكبر متتبعاً طموحاتك لتحقيقها وإن كانت فيما مضى تبدو لك كنجمة سحرية تراقبها كل ليلة مساء وتداعب أحلامك كل حين.. ويبقى العمر الطويل بصحة وعافية متنعماً في كل الخيرات التي يرسلها لك الله كهبات أحياناً بلا استحقاق منك لكنك بشكر النعم والاهتمام بتنميتها ومشاركتها مع الآخرين لافادتهم بالمعرفة والخبرة حصيلة تجربة ثرية وذلك ما يجعل هذه النعم مستديمة يرفل بها الانسان الذي لا يتوقف لسانه عن الشكر والإمتنان للمعطي الرازق سبحانه وتعالى من منطلق ”زكاة العلم نشره“..

ولا يزال الانسان عاشقاً لماضٍ جميل في نظر من عاشه ونمت أحاسيسه على حبه، يبحث في زوايا ماضيه عن شغفه بكل تفاصيل حياته في تلك الحقبة.. وبطبيعة الحال حين يعشق الانسان مكان ما فإنه يتنفس حبه ويستميت في إبرازه بأحسن صورة كما يراه بقلبه لا بعينيه وكما يتجسد له حياً كأن لم تمر عليه فترة زمنية طويلة قد تصل أحياناً الى مئات وآلاف السنين وكلما تقادم بها الزمن أصبحت تحفة أثرية ذات قيمة معنوية وتاريخية لا تقدر بثمن فقيميتها في دلالتها على قيم ومبادئ واسلوب حياة أصبح عشاق التراث والمهتمين بالتاريخ وأغلبهم من كبار السن ممن تجاوزوا سن التقاعد الوظيفي الذي يجعل الفرد متفرغاً لشغفه حين يسكن أعماقه منذ الطفولة ويترعرع ملتهباً خلال سنوات الصبا وفترة الشباب حتى ينضج و تكتمل عناصره وتتضح أهدافه من خلال المنجزات التي يقدمها لنفسه ومجتمعه ووطنه ممثلاً كل من ينتمي لهم من ذلك المكان الذي يعتبر مسقط رأسه وهو بيت العائلة يحييه الحنين اليه فيحافظ على وجوده وبقاء ملامحه تماماً كما عاشها وان اضطر لترميم بعض أجزائه لابرازه بصورة أفضل وضمان بقائه لأطول فترة الا أنه لا يترك للتقنية والحداثة العصرية أن تعبث بنقاء ذلك الزمن أو أن تشوه ملامحه..

الفنان منير الحجي والذي يعتبر من الرواد في مجاله الفن التشكيلي حيث برع فيه بشكل ملفت بتصوير الحياة الاجتماعية في فترة زمنية بدأت لربما من خمسينات هذا القرن،

ولأنه أراد أن ينقل كل من يمتلك ميول للمعرفة التاريخية وثقافة التراث فقد صور بشكل احترافي منزل عائلته الكريمة والتي وفقت لزيارته عبر أخته الأستاذة حصة الحجي والتي كانت زميلة العمل في ثانوية تاروت الأولى..

ومن خلال تتبعي لتاريخ هذا المنزل أجده جديراً بأن يتحول لمتحف وطني يكون شاهداً على جمال الحياة بكل تفاصيلها في تلك الفترة الزمنية الغالية على قلوب كل من زامنها و الجميلة في عيون من رآها من الأجيال المتعاقبة عبر جهود وانجازات وزارة السياحة والمهتمين بالتراث في كل انحاء الوطن .. وفي المنطقة الشرقية وتحديداً القطيف الحبيبة التي لا تزال وستبقى تلك الأم الودود لكل الناس من اي مكان الولود بكل العظماء والناجحين في كل المجالات .

هذا الفنان المبدع والذي استضافنا ثانية في مرسمه بمنزله الذي يرتمي على احضان شاطئ البحر و استقبلنا فيه بخلقه الجميل وتواضعه الجم ضمن زيارة لفريق منتدى النورس الدولي فربط لنا الماضي الذي رأيته في زيارتي لبيت عائلته في القلعة وعبر لوحاته ومشغولات النحت بالزمن الحاضر الذي اتضح فيه اسلوبه في استثمار التقنية الحديثة لابراز الوجه الناصح للماضي وروعة التراث .

وقد أنعم الله علينا بنعمٍ عظيمة وأغرقنا بفضل جوده فيكفي نعمة المواطنة والانتماء لهذا البلد الذي تشرف أن ان يكون بلد المقدسات الاسلامية ومهد اشرف الأنبياء وموطن الرسالات وأن تعيش في ظل دولة كريمة تستميت في رعاية مواطنيها واكرام ضيوفها سواء مانوا حجاج بيت الله الحرام أو عاملين في أي قطاع يخدم تطوير وتنمية هذا الوطن ويكون ضمن أيادي الخير التي تمدها للقاصي والداني من شعوب الدول الاخرى من دوافعها الانسانية والاسلامية.

ولا يمكننا تعداد آلاء الله كرمه وعطاياه البهية.. ومن اروعها ان تعيش التاريخ وروعته في جزء من وطنك الغالي لم تكن لتعرفه لولا المهتمين بالتراث وعشاقه ودولة خضراء تنشر الخير والنماء حتى في تلك الأجزاء التي انتهى عهدها أو لم تعد تشكل مساحة في الاهتمام الاكبر للناس.

ومن هولاء المهتمات برزت قائدة المبادرة الطيبة والمؤسسة لهذه الروح الوطنية والتي تعمل جاهدة ليل نهار في اشعال فتيلها في أعماقنا ليزداد الشغف لدينا ونبقى في عمل دؤوب لابراز تراثنا ضمن رؤية قيادية انطلقت من أحد أروع أبطال الوطن وتحت ظل شعاره ورؤيته برزت «مبادرة تراثنا 2030» بقيادة الأستاذة نورة الرشيد المهتمة بالتاريخ والتراث بمنجزاته العظيمة والحضارة السعودية لتصبح منطلق الحفاظ على الهوية السعودية في كل مجالات الحياة واسلوبها المعيشي في تلك الحقبة.

ولكل أولئك النسوة اللاتي كن لها أدوات تحقيق نجاح المبادرة وكن يعملن بكل جدية برؤية ربط الماضي بالحاضر.. ولها تلك السيدة السعودية التي أعتبرها من أولئك السيدات العظيمات اللواتي لمعت أسماؤهن كالنجوم المضيئة في سماء النجاح تتوسطهم صاحبة المبادرة كبدرٍ منير.

وأخيراً لتلك المظلة الوطنية وزارة السياحة وجميع اصحاب المتاحف في كل مدن مملكتنا الحبيبة والتي قامت الاستاذة نورة الرشيد بزيارتها ولكل من ساعدها بفكرة أو باستضافة أو بهدية عينية تمثل تكريماً لها لتقديرها واهتمامها بكنوز الماضي في وطن يرفل بالخيرات في كل زواياه تشهد على ذلك الآثار التى ستبقى دليلاً على زمن لن يشبهه أي زمن وأماكن لا يمكن أن نذكرها دون أن نقول الزمن الأول.. الحياة الأجمل.

لكل أولئك أهدي كتابي الذي أوشك أن يرى النور وتداعب أعينكم سعادة صدوره.

«تراثنا بين الماضي والحاضر» والذي أفردت قسم كبير منه حول «مبادرة تراثنا 2030» ومنجزاته حين انطلقت من عاصمة الانجاز والمدينة التي تحفل بالناجحين في كل مجال الرياض وبإدارة رُبان سفينتها التي شملت مبدعات تراثيات جئن من غالبية مدن المملكة ووحدت انجازاتهن تحت مظلة المبادرة وضمن رؤية 2030 الواضحة ورسالتها الهادفة.

دمتم بكل سعادة