تاروت إن تكلمت...
ودعنا قبل أيام المرحوم الخطيب الشهير الملا محمد المسيري رحمة الله عليه.
طريقة تعامله اللطيفة مع الناس، وقدراته الكبيرة في الخطابة، إضافة الى صفاته الشخصية مثل القدرة على الحفظ... وغيرها مكنته من التقدم على الكثير من أقرانه في ذلك الوقت.
من المهم جدا أن نسلط الضوء في هذه الفترة على ان أمثال المرحوم المسيري كانت يمكن أن يندثر، ولا يصل الى ماوصل اليه من مستوى لولا اهتمام والده به في ذلك الوقت، ولولا جهوده غير العادية للتحصيل والتطور.
تحتضن جزيرة تاروت الكثير من الخامات الإنسانية الكبيرة القابلة للتقدم والبروز اذا المأتم الاهتمام بها ولو بشكل بسيط، الأمر الذي يدعو القيادات الإنسانية الى التفكير مليا للأسباب والعوامل المساعدة لإخراج مكنونات هذه الطاقات.
إن قصة بروز مجموعة من الطاقات في مجالات معينة ينبغي النظر اليها بتأمل وعناية، ومناقشة أسباب بروزها، والعمل على استمرار هذه الجدوة والا قد تضيع وتندثر وتنضب كما نضب الماء في عين العودة الشهيرة بتاروت.
من اللافت جدا بروز خطباء المنبر الحسيني في جزيرة تاروت «حسب علمنا» أكثر من غيرها، وبسمات محدده، ومنها الحفظ لأبيات صعبة الا على المحترفين..، ويبدو لي أنهم كانوا يتدارسون حفظ القصائد بشكل جماعي، إلى درجة أنك يصيبك الذهول من حفظ هذه القصائد، لدى مجموع من الخطباء «الملا محمد المسيري، الملا عبد الرسول البصارى، الملا محمد العسكري، الملا محمد العقيلي، الملا محمد الوحيد؛ الملا حسين الفضل»، في وقت واحد مع اختلاف مستوياتهم، وحتى طريقتهم في الإلقاء..
وقد تطرق لبعضها الخطيب الحسيني محمد أبو زيد في مقابلته الأخيرة مع صحيفة جهينة، ويمكن الرجوع إليه.
إن ظروف بروز الإبداع ليست محسومة عالميا، وربما التحديات التي تواجه الشخصيات تساعد على النمو والبروز وفقا لنظرية التحدي والاستجابة لعالم النفس السويسري كارل يونغ، فهل من الضروري تعريض الأفراد إلى الصدمات وتركهم يصطرعون معها، ليصبحوا أقوياء، أم أننا يجب أن نلتفت لهم ونحيطهم بالرعاية، ليأخذوا نصيبهم في التقدم والنمو والعطاء؟؟
لقد قال البعض إن ظروف مجتمعاتنا في الأجيال السابقة، والدراسة عبر الكتاتيب ستفضي حتماً الى البروز في الخطابة الحسينية، ويمكن أن نقبل ذلك السبب بشكل نسبي، خصوصا اذا ما لاحظنا تواصل التدفق في ولادة الخطباء الحسينيين في جزيرة تاروت في الوقت الحاضر مع انسحاب واضح لدور التعليم عبر الكتاتيب، وسيطرة الطريقة الحديثة للدراسة.
الخلاصة أن جزيرة تاروت أمست مدرسة لا يمكن الاستهانة بها على صعيد الخطابة الحسينية.. الله يوفقهم لمنفعة وطنهم ومجتمعهم.
القوم أبناء القوم.. ولا أقول ذلك تشجيعاً للفنانيين التشكيليين، فأنا أقر أنني أجهل ولادة الفنان التشكيلي في هذه الجزيرة، وتختزني الكثير من القصص، انقل هنا بإختصار بعض القصص التي شاهدتها، تحضرني قصة اخوين جاءا يشاركان في أركان التراث لمهرجان القرقيعان، بجمعية تاروت في وقت سابق؛ وقد كنا بين مشكك ومشجع قلنا لهما ماذا ستعملان، وفجأة نكتشف أن بداخلهما فنانا، مبدعا، فكانا ينحتان وجوه واجسام الرجال من قطع الفلين.. وجربناهما في أمور أخرى واثبتا فعلا انهما قادران على النمو والتقدم في هذا المجال، علما انهما لم يحضيا بتعليم مناسب، لكنهما يعدان فنانيين عالميين إن واصلا في ذلك، وأعتقد أنهم يواصلون الإبداع في هذا الجانب.
القصة الثانية.. قصة سجين موقوف في سجن المباحث، وضمن برنامج زيارة المرشديين الطلابيين لهذا السجن، كنا نستعرض نشاط النزلاء في السجن، لفتت نظري لوحة جميلة لأكتشف أنها لنزيل من جزيرة تاروت للتو وضع يده في الفرشاة فأخرج لنا لوحة فنية بديعة لفتت انتباه كل الزائرين.
قصة الفن التشكيلي في جزيرة تاروت علاقة غريبة، لقد شاهدت أنا شخصيا لوحات المسرح المحلي في نادي الهدى بتاروت ترسم بيد الفنانيين من أبناء الجزيرة، ولم ينته ولن ينتهي هذا الفن.. إن شاء الله.
وقديما قيل ان الفنون والتأنق هي من السمات الحضرية للمجتمعات، ودلالة على تقدمها في السلم الحضاري. وهذه الولادات للفنانيين التشكيليين في أرض الجزيرة، هي ولادة تحتاج «هي الأخرى» الى تأمل وتفكير واكتشاف وإنماء.
جزيرة تاروت ولادة للشعر والشعراء بشكل غير متصور «عيني عليهم باردة».. فتاريخ الشعر في جزيرة تاروت تاريخ قديم ومشهود له..
وهنا نورد مجموعة من الأبيات للشاعر العظيم الشيخ حسن التاروتي المتوفي في العام 1250 هـ ج... وقيل أنه لايوجد مثل قصيدته في الرثاء والمسماة «اللراعبية» والتي جاء في بدايتها:
أللراعبية بالأجرع صبابة وجد ولم تهجع
وجاء في القصيدة التالي:
وقد وسم المجد إما نهضت بعزمك بالأنف الأجدع
أثر نقعها فحسين قضى وغلة أحشاء لم تنقع
وقد وترته أكف التراث فأغرقت الرمي بالمنزع
إذا قعد الشمر في صدره فما لقعودك من موضع
الشعر في هذه الجزيرة ينساب كانسياب الماء الينابيع، فكما كان الوضع في القديم نلاحظ بروز الكثير من الطاقات الشبابية، تحمل راية الشعر في كفها.. مع إعتراف بقلة الإهتمام والتشجيع لهذه الطاقات.