كم مروة.. خسرنا.؟!!
الشيخ حسين مروة، وهو نجل صاحب الفضيلة الجليل الشيخ علي مروة من جبل عامل، البسه والده العمامة في صغره، والزمه بضوابط سلوكية صارمة جدا بما يتناسب مع رجال الفقه والشريعة. هاجر إلى النجف عاصمة الحوزة العلمية الدينية.. بنبوغ وموهبة ويقظة عقل.. عبر المقدمات وطوى أعلى المراتب.. وتباحث في عدد من المقررات الدراسية مع العلامة هاشم معرورف الحسيني.. وغيره من العلماء الكبار.
عاش زاهدا، عفيف النفس، شحيح الرغبات، قليل الحوائج، نقي اللسان. ونظرا لكونه انفتح في مرحلة مبكرة على الكتب المعرفية والأدبية المتنوعة رشحه أحد أساتذته لإدارة مكتبة عامة في منطقة من مناطق العراق.. والتي اقيمت وأريد لها أن تواجه تحدي مكتبة الحزب الشيوعي، والتي نجحت في التأثير على الشباب وأخلاقهم ودينهم تأثيرا كبيرا جدا. ورغم فقر المنطقة.. وحرمانه من الدارسة والكثير من الامتيازات.. وافق صاحبنا الجليل على أداء هذا الواجب الذي يكاد ينحصر فيه وينعدم البديل عنه، وهي مهمة لا مطمع لأحد فيها لأحد على كل حال.
نجح الشيخ حسين نجاحا منقطع النظير، فقد أحضر للمكتبة الجديدة كل الكتب الحديثة، بما فيها الروايات الأدبية العالمية، والعربية، وغيرها.. وكان لتواضعه العظيم، وخلقه الرفيع، عظيم الأثر..وبدأت المكتبة تزدحم بالشباب، وفرغت مكتبة حزب البعث من المرتادين، بفضل التنوع الثقافي والانفتاح على الأفكار وتقبل مناقشة الأفكار بدون انحياز عقلي سابق.
وصلت رسالة للشيخ حسين من أستاذه تطلب أن يطوي رسالته التي بين يديه في طريق عودته للنجف، وأن لا يحول دون رجوعه الفوري هذا مانع غير الأجل المحتوم. وحين مثل بين يديه، أخبره أنه تم أقالته من رئاسة المكتبة.. لاتهامه بترويج الزندقة والإلحاد.. وان بعض المشايخ نجحوا في إقناع «فلان» من المجتهدين.. بما خشي عليه من إصدار فتوى ضده.!!!. وفاضت نفسه بالخيبة والشعور بالمرارة أنه نجح في سحب البساط من الشيوعيين حتى أن رئيس مكتبتهم بنفسه بات يحضر الندوات والمحاضرات..!. ولكن كانت تعبئة المتشددين ضده أقوى مما ظن، وأكثر مما أعتقد.. فلم يعد يجد الحرارة في وجوه الأساتذة، ولا الحفاوة في مجالسهم، وبدأ الاحتياط في عدم صرف راتب طالب العلم الشرعي له. وهكذا ضاقت عليه النجف بما رحبت... وخرج بزوجته تلقاء جبل عامل... ليجد لقب المجدد في الدين..قد سبقه بالوصول إليها وهو لقب لا يحتاج الى غيره ليتعامل معه الجميع بوصفه زنديقا.. في ذاك الزمان. قبل أن يتحول إلى لقب تشريفي يوضع قبل الأسماء في كتب الفقهاء.
ونظرا للبلاغة، وجمال قلمه، وروعة أسلوبه الأدبي.. عرض عليه رئيس صحيفة بيروتية العمل فيها، وكانت بداية تحول لمسار، بداية الصيرورة، بداية سعي أحزاب وهيئات ومنظمات لكسبه إليها، وبمقدار زهد الحوزة وأهلها فيه، كانت حرب ضروس شرسة في كسب قلمه المتألق وعمقه السابر، وأخيرا أصبح عضوا فى الحزب الشيوعي العربي، وجعل فيه رئيسا للجان الثقافية والعلمية.. وتوالت الجوائز الأدبية العالمية له.. إلا أنها دخلت في رصيد الإنتاج الأدبي للحزب الشيوعي.. بينما كان من المفترض أن تناله الحوزة لولا ضيق الأفق، وضيق الصدر، وإتباع شرذمة جعلت من نفسها حماة للشريعة، بوصفهم لديهم غيرة على دين الله أكثر من غيرهم، وأن الله تعالى قد منحهم تفويضا لمحاكمة العباد والدخول في نواياهم.. بل والفرية والافتراء عليهم.. صيانة للحق وحماية لعباد الله من الضلال والتأثر من أهله وأتباعه..!!.
والسؤال المهم.. كم مروة خسرنا..؟!! وكم مروة سنخسر؟! الجواب ما لا يمكن أن نحصيه عددا، طالما وجد معمم يفتي بالوقيعة في المخالفين له عقيدة أو فكرا وأتباع يجعلونها من الفرائض الواجبة.