آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:07 م

قَيظَة السبعين

أحمد حلمي

نختبئ بأنفسنا داخل مكعباتٍ إسمنتيةٍ باردةٍ، لواذًا وهربًا من سطوة الشمس وغيظها، آكلين هنيئًا مريئًا لا جائعين ولا عطشين، تحت بخ نسيمٍ بارد يلازمنا في سباتنا وأينما تحركنا. ترفٌ لم يحظ أجدادنا في القطيف بأي جزء منه، ولا حتى لأعظم عظمائهم. نعيم وراحة لا نهائيتين تحولا لضرورة مُسَلَمٍ بها، لا نستشعرها إلا حين فقدانها.

ما كان لأجدادنا وسلفهم خيارٌ سوى إفناء ساعات نهارهم كادحين في الحقل وفي البحر، يتجرعون ويلات حر الشمس ورطوبة الجو. هم أيضًا اعتبروا قسوة الحياة من مسلماتها، لاحول لهم إلا أن يرضوا أو يتراضوا لقضاء القدر وقسمته.

ولسوء حظهم في سنة 1370 هـ  أو حولها أي في الخمسينيات الميلادية، اشتد بهم الحر «الخواهر» فبلغ مبلغًا غير معهود، حتى قضى على البعض منهم، ممن لم يحتملوا وطأته. يصف الملا يعقوب الهاجري - أحد شعراء جزيرة تاروت في القرن العشرين - قسوة تلك السنة بقصيدة مسجلة تعود للسبعينيات الميلادية، وحكى فيها عن وفاة أحدهم نال منه الخواهر حتى قضى نحبه، فلما أتي به ليدفنوه وقع حفار قبره من شدة الحر ميتًا في قبره بدلاً عنه. وكيف كان الناس يحاولون متمنين استجلاب الريح بتكحيل أعين القطط.

للاستماع للقصيدة كاملة بصوته، على اليوتيوب:

يقول فيها:

صار الضجيج من لخواهر يا مسلمين
وأعظم رزيه يا خلق عند النساوين
هاذي تنادي مالي قوة وماقدر أقوم
وهاذي تنادي الحر ذوب قلبي اليوم
وهاذي تنادي عفت يختي لذة النوم
والكل منهم حالها تشكيه بونين
كل وحدة منهم تشتكي الحال وتنادي
وتصيح منك أرجو السموحة يبو ولادي
مالي جلد أرقط نخيلك من فؤادي

غايب عليا والقلب منشطر شطرين
قلبي يا بن عمي اتشطر سبعة اشطار
شطر يحاتي الليل وشطر يحاتي لنهار
وشطرين بيها يا بن عمي أضرب أفكار
وثلاثة أشطار على حساب لمنجمين 

إن شاء الله يقولوا لخواهر قوض وراح
انچان أعيد وألبس الزينة بالأفراح
وكل يوم من جا يزيد الحر قاطين

عفت لخياطة وعفت لخلاق الشروحة
وبيتي عفته وصار بس دوبي بالسبوحة
واستهونت أيدي من هزوز المروحة
 ويا هيه مشكلة يا خلق قيظة السبعين

وأما الذي تربي طفل ضايق صدرها
الله يساعدها ويضاعف في صبرها
معذورة ما تنلام لو توها  بعصرها 
خصه إذا صارت وحيدة وماليها معين
الما بكثرة وهي ما تقدر تشرعه
لخوفة تروح يعطش طفيل ترضعه
ولامن شفت وحدة في مشيتها مسرعة
تحسب عليها شاطرة وتربيه جديد

ودشيت أنا القلعة بالخواهر أباشوف
من الحريم تصيحي ياللي مار لطوف
ولو لا قلت ليهم يالنسوان مكفوف
 انچان ضربوني وعبرت يا مسلمين

والله دركني بوحدة منهم بت حمولة
قالت يهالنسوان لا تتعرضوا له
متوسلين لك يا إلهي بالبتولة
عني وعنها تعمي عيون الشياطين
كأنه حچي النسوان تسمعوه يا جماعة

 ابحچي عن لرجال الذي هم في لزراعة
لا جا من شغلهم يسترحون ساعة
ما تسمع إلا الكل يحجي بغير تثمين
الحر خلاهم ترى يحچو بلا شعور
واحد ينادي هل هوا لمتى يدور
واحد يقول سمعت أنا يكحلون سنور
وواحد يقول يربعي النومة في وين
وما بين ما هم فالحچي وكلهم يهدرون
لين واحد جاهم وقال ليهم دسكتون
سمعو كلامي وانصلتوا له ولا تكذبون
اليوم من عظم لخواهر ماتوا اثنين
ومتيه أفكاري وخلى الدمع وكار
أهل الوطن راحوا يرقدوا فوق لسياف
ما چنهم ليهم دور مبنية ولا سجاف
لا من شفتهم تحسب عليهم مخيفين.

والآن مع انسلاخ كامل غطاء القطيف الأخضر تقريبًا ونضوب معظم عيونها، كيف سيصبح حالنا لو ذهبت أجهزة التكييف بقدرة قادر بلا عودة.