أما حمزة فلا وفاة له؟
حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أسد الله وأسد رسوله بطل من ابطال الاسلام الذين نمت على بطولاتهم شجرة الاسلام ورووها بدمائهم. يكني بأبي عمارة وهو من سادات قريش وصناديدهم في الجاهلية والاسلام. استشهد يوم أحد بعد أن أبلى بلاء حسنا في الدفاع عن رسول الله فكان سيد الشهداء ولهذه المناقب العالية ولأنه استشهد قبل ايام الفتن والاختلاف بقي حمزة موضع تكريم واجلال من جميع المسلمين على اختلاف طوائفهم. عندما عاد رسول الله ص من المعركة الى المدينة ومر في أزقتها سمع بكاء النساء وعويلهن يبكين قتلاهن فقال قولته الشهيرة متأثرا «أما حمزة فلا بواكي له» فتبادر نساء بني هاشم والانصار واجتمعن وندبنه وبكينه. عامل اخر في هذه الشخصية الكبيرة هي انه استشهد شهادة فظيعة على يد وحشي مولى هند بنت عتبة اذ بقر وحشي بطنه ولاكت هند كبده امعانا في العداوة وحنقا وغيظا لما فعله بأشياخها يوم بدر وأحد فكان من الاركان الاولى في الصراع الاموي - العلوي الذي هيمن على حقبة غير قصيرة من التاريخ الاسلامي ولا تزال اثاره الى يومنا هذا.
رغم هذا التاريخ الحافل والرمزية الواضحة الا ان حمزة لم يحظ بيوم وفاة في التقويم الشيعي. في تقويمنا الشيعي اليوم هناك ايام كثيرة ترتبط بأهل البيت ومناسباتهم وتشكل احداثا اجتماعية مهمة. أغلب هذه المناسبات تدور حول ايام الولادة «المواليد» وأيام الوفاة «الوفيات». واذ استثنينا ايام المواليد التي تعتبر ايام فرح «خضراء» لا يترتب عليها اثر عملي فإن ايام الوفيات «الايام السوداء» ربما كانت في عدد يزيد على 20 يوما بالاضافة الى عاشوراء وصفر الشهرين الاسودين تماما وهذه الايام السوداء او الايام الحرام يترتب عليها اثر عملي في سلوك الفرد الشيعي فهو يلتزم الحزن ويلبس السواد ولا يقام فيها اي فرح من عرس او خطبة او سكن جديد وأمثال ذلك من مظاهر الفرح وقد زاد بعضهم الامتناع عن السعي في طلب الرزق فيها والذهاب عن العمل. وعلى المسلم الشيعي في مثل مجتمعاتنا ان يرتب بشكل جيد اذا اراد التخطيط لمناسبة في ايام السنة لتفادي مثل هذه الايام. في السنوات الاخيرة ومع ارتفاع المد الطائفي في المنطقة والحروب الفكرية بين المذاهب وصعود تيار الطقوس والشعائر اضيفت مناسبات لم تكن موجودة على التقويم قبلا «وفاة خديجة وابي طالب مثلا» وتم تمديد بعض المناسبات لاكثر من يوم «الليالي الفاطمية مثلا» وكذلك صار من المعتاد احياء الوفاة في اكثر من يوم من ايام السنة بناء على اختلاف الروايات «وفاة الزهراء ووفاة الصادق مثلا» فأصبح عندنا في التقويم الشيعي المحلي أياما أكثر مما كان سابقا وتمددت الايام السوداء وانتشرت على صفحة التقويم.
ليس معلوما بالضبط بداية تطور هذه المناسبات لتصبح احداثا سنوية على التقويم الا ان المؤكد انه لم يكن لها وجود على طول زمن التشريع وحتى بعده بفترة طويلة بل يمكن القول ان الوقوف على المناسبات السنوية «ايا كان نوعها» كما يفعل الناس في ايامنا هذه لم يكن من ثقافة العرب حينئذ. فلم يحتفل المسلمون بمولد رسول الله ولا بوفاته ولا بمناسبة يوم بدر او يوم أحد ولا احتفل المسلمون بمولد الامام علي أو شهادته وعلى ذلك المنوال الى جميع الائمة وحتى يوم عاشوراء على ما ورد فيها من روايات خاصة في احيائها فليس ما يثبت انه كان زمن التشريع التزاما شاملا «اي ان الجميع احتفل بها» او انه كان التزاما دوريا «كل سنة بشكل منتظم» وبالرغم ان التحريم في هذه الايام السوداء ليس فقهيا «اي انه لا توجد فتوى بتحريم الفرح والسعي في الرزق» الا انه عمليا في يومنا هذا لها حرمة أكبر وأقوى من الحرمة الفقهية المغلظة وهذا لا شك يشكل قيدا على حرية الانسان بالتحرك الطبيعي وفعل ما يحلو له من المباحات ونحن نتكلم عن ما يقرب من 3 اشهر من السنة «محرم وصفر وما لا يقل عن شهر من الايام الحرام المتفرقة»
قد يقول قائل ان الامم كلها لها ايام تحييها وتعلى من شأنها وتعطل في بعضها وهي موجودة لدى جميع الشعوب وهذا صحيح. الا ان هذه الايام على تقويم الامم أكثرها ايام اصطلح الناس عليها واتفقوا دون الزام ديني او اجتماعي بسلوك معين. أغلبها مناسبات مدنية وجدت على التقويم بقرار الجميع او بقرار الحاكم وبامكانهم تغييرها وتبديلها بقرار الجميع ايضا. هذا ما لانستطيع نحن فعله ولا نستطيع التفلت من الالتزام المصاحب له في المجتمع. فوفاة ابي طالب مثلا كانت يوما عاديا من ايام الله يفعل الناس فيه ما يشاءوون من دون قيد او حرج أما بعد ان نصبغه بصبغة «الوفاة» يصبح يوما حراما مقيدا فيه سلوكنا ونمتنع فيه من اي شيء ينم عن الفرح وقد يطالب بعضهم بالقعود فيه عن العمل. نحن نرتب بهذا النخصيص التزاما قويا علينا وعلى الاجيال القادمة من بعدنا.
الكثير يعتقد اننا بتخصيصنا هذه الايام والتوسع فيه نحيي قيمنا واخلاقنا الاسلامية ونعلى من قيم العظماء والفضلاء فندعو بذلك للعظمة والفضيلة وفي ذلك من الحق الشيء الكثير. فجميع الامم تفعل ذلك وتعلي من شأن عظمائها ولكن بطرق أخرى وبأساليب اخرى. فبامكاننا ان نحتفل بيوم أحد وشهادة الحمزة بن عبد المطلب دون ان نصبغ يومه بالسواد ونحرم الناس فيه من الفرح والسعي والعمل. هناك الكثير من عظماء الاسلام الذين لا يوجد لهم ايام على تقويمنا ولا يعني ذلك ان لا نذكرهم ولا نجلهم ولا يعني استقرار العادة على ما نحن عليه ان غيرهم غير جدير بالتكريم والاحتفاء.
احيوا أمر حمزه.. تكلموا عن بطولاته وشجاعته وحبه لرسول الله ودفاعه عنه وليكن قدوة لنا ولأولادنا ولكن لا تضيفوا يوما أسود اخر لحمزة فما عندنا يكفي.