آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

أما حمزة فلا وفاة له؟

عبد الغفور الدبيسي

حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أسد الله وأسد رسوله بطل من ابطال الاسلام الذين نمت على بطولاتهم شجرة الاسلام ورووها بدمائهم. يكني بأبي عمارة وهو من سادات قريش وصناديدهم في الجاهلية والاسلام. استشهد يوم أحد بعد أن أبلى بلاء حسنا في الدفاع عن رسول الله فكان سيد الشهداء ولهذه المناقب العالية ولأنه استشهد قبل ايام الفتن والاختلاف بقي حمزة موضع تكريم واجلال من جميع المسلمين على اختلاف طوائفهم. عندما عاد رسول الله ص من المعركة الى المدينة ومر في أزقتها سمع بكاء النساء وعويلهن يبكين قتلاهن فقال قولته الشهيرة متأثرا «أما حمزة فلا بواكي له» فتبادر نساء بني هاشم والانصار واجتمعن وندبنه وبكينه. عامل اخر في هذه الشخصية الكبيرة هي انه استشهد شهادة فظيعة على يد وحشي مولى هند بنت عتبة اذ بقر وحشي بطنه ولاكت هند كبده امعانا في العداوة وحنقا وغيظا لما فعله بأشياخها يوم بدر وأحد فكان من الاركان الاولى في الصراع الاموي - العلوي الذي هيمن على حقبة غير قصيرة من التاريخ الاسلامي ولا تزال اثاره الى يومنا هذا.

رغم هذا التاريخ الحافل والرمزية الواضحة الا ان حمزة لم يحظ بيوم وفاة في التقويم الشيعي. في تقويمنا الشيعي اليوم هناك ايام كثيرة ترتبط بأهل البيت ومناسباتهم وتشكل احداثا اجتماعية مهمة. أغلب هذه المناسبات تدور حول ايام الولادة «المواليد» وأيام الوفاة «الوفيات». واذ استثنينا ايام المواليد التي تعتبر ايام فرح «خضراء» لا يترتب عليها اثر عملي فإن ايام الوفيات «الايام السوداء» ربما كانت في عدد يزيد على 20 يوما بالاضافة الى عاشوراء وصفر الشهرين الاسودين تماما وهذه الايام السوداء او الايام الحرام يترتب عليها اثر عملي في سلوك الفرد الشيعي فهو يلتزم الحزن ويلبس السواد ولا يقام فيها اي فرح من عرس او خطبة او سكن جديد وأمثال ذلك من مظاهر الفرح وقد زاد بعضهم الامتناع عن السعي في طلب الرزق فيها والذهاب عن العمل. وعلى المسلم الشيعي في مثل مجتمعاتنا ان يرتب بشكل جيد اذا اراد التخطيط لمناسبة في ايام السنة لتفادي مثل هذه الايام. في السنوات الاخيرة ومع ارتفاع المد الطائفي في المنطقة والحروب الفكرية بين المذاهب وصعود تيار الطقوس والشعائر اضيفت مناسبات لم تكن موجودة على التقويم قبلا «وفاة خديجة وابي طالب مثلا» وتم تمديد بعض المناسبات لاكثر من يوم «الليالي الفاطمية مثلا» وكذلك صار من المعتاد احياء الوفاة في اكثر من يوم من ايام السنة بناء على اختلاف الروايات «وفاة الزهراء ووفاة الصادق مثلا» فأصبح عندنا في التقويم الشيعي المحلي أياما أكثر مما كان سابقا وتمددت الايام السوداء وانتشرت على صفحة التقويم.

ليس معلوما بالضبط بداية تطور هذه المناسبات لتصبح احداثا سنوية على التقويم الا ان المؤكد انه لم يكن لها وجود على طول زمن التشريع وحتى بعده بفترة طويلة بل يمكن القول ان الوقوف على المناسبات السنوية «ايا كان نوعها» كما يفعل الناس في ايامنا هذه لم يكن من ثقافة العرب حينئذ. فلم يحتفل المسلمون بمولد رسول الله ولا بوفاته ولا بمناسبة يوم بدر او يوم أحد ولا احتفل المسلمون بمولد الامام علي أو شهادته وعلى ذلك المنوال الى جميع الائمة وحتى يوم عاشوراء على ما ورد فيها من روايات خاصة في احيائها فليس ما يثبت انه كان زمن التشريع التزاما شاملا «اي ان الجميع احتفل بها» او انه كان التزاما دوريا «كل سنة بشكل منتظم» وبالرغم ان التحريم في هذه الايام السوداء ليس فقهيا «اي انه لا توجد فتوى بتحريم الفرح والسعي في الرزق» الا انه عمليا في يومنا هذا لها حرمة أكبر وأقوى من الحرمة الفقهية المغلظة وهذا لا شك يشكل قيدا على حرية الانسان بالتحرك الطبيعي وفعل ما يحلو له من المباحات ونحن نتكلم عن ما يقرب من 3 اشهر من السنة «محرم وصفر وما لا يقل عن شهر من الايام الحرام المتفرقة»

قد يقول قائل ان الامم كلها لها ايام تحييها وتعلى من شأنها وتعطل في بعضها وهي موجودة لدى جميع الشعوب وهذا صحيح. الا ان هذه الايام على تقويم الامم أكثرها ايام اصطلح الناس عليها واتفقوا دون الزام ديني او اجتماعي بسلوك معين. أغلبها مناسبات مدنية وجدت على التقويم بقرار الجميع او بقرار الحاكم وبامكانهم تغييرها وتبديلها بقرار الجميع ايضا. هذا ما لانستطيع نحن فعله ولا نستطيع التفلت من الالتزام المصاحب له في المجتمع. فوفاة ابي طالب مثلا كانت يوما عاديا من ايام الله يفعل الناس فيه ما يشاءوون من دون قيد او حرج أما بعد ان نصبغه بصبغة «الوفاة» يصبح يوما حراما مقيدا فيه سلوكنا ونمتنع فيه من اي شيء ينم عن الفرح وقد يطالب بعضهم بالقعود فيه عن العمل. نحن نرتب بهذا النخصيص التزاما قويا علينا وعلى الاجيال القادمة من بعدنا.

الكثير يعتقد اننا بتخصيصنا هذه الايام والتوسع فيه نحيي قيمنا واخلاقنا الاسلامية ونعلى من قيم العظماء والفضلاء فندعو بذلك للعظمة والفضيلة وفي ذلك من الحق الشيء الكثير. فجميع الامم تفعل ذلك وتعلي من شأن عظمائها ولكن بطرق أخرى وبأساليب اخرى. فبامكاننا ان نحتفل بيوم أحد وشهادة الحمزة بن عبد المطلب دون ان نصبغ يومه بالسواد ونحرم الناس فيه من الفرح والسعي والعمل. هناك الكثير من عظماء الاسلام الذين لا يوجد لهم ايام على تقويمنا ولا يعني ذلك ان لا نذكرهم ولا نجلهم ولا يعني استقرار العادة على ما نحن عليه ان غيرهم غير جدير بالتكريم والاحتفاء.

احيوا أمر حمزه.. تكلموا عن بطولاته وشجاعته وحبه لرسول الله ودفاعه عنه وليكن قدوة لنا ولأولادنا ولكن لا تضيفوا يوما أسود اخر لحمزة فما عندنا يكفي.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 6
1
احمد
[ قطيف ]: 12 / 6 / 2020م - 10:15 م
طيب الخطباء تحدثوا عن بطولات الحمزه وشجاعته ووقوفه مع رسول الله ص .. شنو المشكله
2
ود صفوى
[ صفوى ]: 12 / 6 / 2020م - 11:00 م
عزيزي الكاتب نرجو منك إعادة النظر في تاريخ إحياء مناسبات المعصومين عليهم السلام و في إحياء ذكرى العظماء رضوان الله عليهم.

قيل: (من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب)
إذا أنت كاتب وودك تكتب أكتب في شي عارفنه في كل نواحيه.
ولكم حبي و احترامي?
3
أم?
[ القطيف ]: 13 / 6 / 2020م - 6:37 م
عجيب
وما عندك سالفة أيها الكاتب
4
علي
[ الرياض ]: 13 / 6 / 2020م - 9:04 م
إن شاء الله يكون لسيد الشهداء حمزة( عشرة حمزوية) على غرار العشرة الفاطمية والمهدوية

الأفضل منكم انتقاد الأعياد والأيام المستحدثه من الغرب في احتفالاتهم الماجنه والتي تبعد الإنسان عن الوعي ومعرفة أهل البيت والإرتباط عاطفيا وفكريا بأهل البيت في افراحهم وأتراحهم

موفق لكل خير
5
ابوعلي
[ تلروت ]: 14 / 6 / 2020م - 5:49 م
من قال بأن المناسبات الدينية تمنع الناس الذهاب الى أعمالهم الحمد لله المناسبات لم تكن يوم من الايام سبب في ذلك ثانيا عدم إحياء مناسبات حمزه وخديجة وابو طالب في السنوات الماضية حجه علينا في عدم إقامتها في هذه السنوات هم لهم ظروفهم في ذاك الزمان ونحن لنا ظروفا . معيارنا الإباحة والحمدلله مع وجود ثلة من المراجع العظام في هذا الزمان لم يستنكروا علينا ذلك مما يذل على اباحتها وإحياء هذه المناسبات أخذ العبرة وستلهام الاخلاق الفاضلة نسئل الله لكم التوفيق.
6
صالح
[ تاروت ]: 23 / 4 / 2022م - 1:34 م
طرح ممتاز، مقنع وجريء في هذا الزمن العجيب.

تحدث الكاتب بالفعل بما يجول في اذهان الناس. المبالغة في الإكثار من أيام الوفيات، والتعطيل والقيود المفروضه على الناس في هذه الأيام المستحدثه والمضافه، وأغلبها موجه جديده لم تكن موجوده في جيل الآباء والأجداد، عدا المناسبات الرئيسية فقط، هذه الموجه الجديده التي وصلتنا من الغلاة في مناطق أخرى، تحتاج لإعادة النظر.

هل يرضى رسول الله (ص) والأئمة الاطهار عن حرم الأطفال من مدارسهم بسبب العدد الهائل من الوفيات والمواليد؟ أم التغيب عن العمل وتشجيع الطلاب على التغيب؟ عادات جاهلة متخلفة ليس لها علاقة في ديننا الحنيف ومذهب أهل البيت.