إلى متى سيبكي الدكتور هادي؟
”لازم نكون حذرين ويقظين للفترة القادمة“.
”احنا ككادر صحي مانقدر نؤدي كل المهام لوحدنا، محتاجين تعاون الأهالي“.
”لذلك أرجوكم أرجوكم أرجوكم أهالينا وأحبابنا في القطيف محتاجين تعاونكم معانا بالابتعاد عن التجمعات والأماكن المزدحمة، تقليل مخالطة الآخرين، الالتزام بالحجر الصحي“.
عبارات ردَّدها قبل أشهر مدير المكتب الوقائي بالقطيف ”الدكتور هادي آل الشيخ ناصر“ مع أزمة جائحة كورونا المستجد 19 ضمن تقرير مصور أنتجته ”قيثارة“. شخصيا كنتُ متواجدًا مع فريق العمل حيث التقيتُ بالدكتور هادي، وجدتُه مرهقا بسبب العمل المتواصل، صادقًا في كلماته ومثالًا حيَّا لمقولة ”الرائد لا يكذب أهله“.
قبل يومين شاهدتُ مقطعًا لقناة ”mbc“ تحت عنوان ”شكرا لتضحياتكم“، شاهدت طبيبًا وهو يبكي، يبكي لأنه لم يلتقِ بوالديه تحت سقف واحد منذ بداية الجائحة لانشغاله بمحاربة هذا الوباء وخوفه على والديه أن يختلط بهما مباشرة، انكسر قلبي على ذلك الطبيب خصوصًا وأنني أعرفه، إنه الدكتور هادي نفسه.
سابقًا، اعتدنا أن نشاهد الكادر الصحي وهو يمسح دموع المرضى ويجفِّفها، أن يرسم ابتسامة على شفاهٍ طالما أنهكها الألم، والآن بين الحين والآخر نشاهد كادرًا صحيا ودموعه تتساقط، والسؤال... من سيمسح دموعه؟
تلك الدموع التي لم تكتفِ بأعين الكادر الصحي بل تناثرت على أعين الكثير منا، فبعدما كنا نتعامل مع الإصابات كأرقام تحولت اليوم إلى أسماء وليست أية أسماء، أسماء أحباب وأقارب وأصحاب وجيران. فكم من عائلة قلب حياتها هذا الفيروس ففرَّق بين أم وطفلها أو أب وعائلته، وكل واحد منا صار يحمل قصصًا بعد أن كان يسمعها فقط.
واقعٌ مؤلمٌ دعا إحدى الممرضات العاملات في خط الدفاع الأول لمواجهة كورونا المستجد بمستشفى القطيف المركزي ”الممرضة زينب الفرج“ أن ترفع صوتها بكلماتٍ نشرتها على وسائل التواصل مخاطبةً من لا زال يظن بأن مانعيشه مجرد مسرحية بقولها ”حتمًا لن ولن تعي طالما أنت بعيدٌ عن بيئة الطاقم الطبي الذي لا يهنأ له بال ولا ينام الليل والنهار من أجلكم“.
ماكان همسا بالأمس أصبح اليوم مسموعا وإذا استمر - لا سمح الله - سيتحول إلى صراخ فالإصابات في تصاعد والأرقام لا تعرف المجاملة أو المبالغة، والأمر مقلق، وخير من يبلغنا بهذه النتيجة وزارة الصحة وقد فعلتْ.
تصاعدٌ يضع ”مستشفى القطيف المركزي“ في مأزق حقيقي مهما بذل كادره الصحي من جهود أسطورية، ففي نهاية المطاف هنالك مقدرة استيعابية له كأي مستشفى آخر، هكذا تقول الواقعية بعيدا عن الأمنيات.
وماذا يعني لو ارتفعت نسب الإشغال في أقسام العناية المركزة؟
لنأخذ ماجرى في جدة مؤخرا مثالا حيًّا وبالتحديد ماذكرته ”أخبار السعودية“: ”منع التجول في جدة جاء بسبب نسب الإشغال المرتفعة لأقسام العناية المركزة“.
لا أريد هنا أن أتنبأ بسيناريو مماثل للقطيف ولا أتمنى ذلك، لكن الأرقام خلال آخر أسبوع تخبرنا بأن أعلى معامل انتشار للإصابات في مدن المملكة - وفقًا للدكتور محمد المعمري - كان في القطيف وهو 1,99 بعد أن سجلنا قبل أيام فقط أصفارًا متتالية.
ما الحل إذن؟ هل نتوقف عن الذهاب إلى أعمالنا؟ أو قضاء احتياجاتنا؟
يُقال ”إذا أردت أن تُطاع فاطلبْ المستطاع“، فلنعملْ ولنقضِ احتياجاتنا الضرورية، ولتكن عودتنا بحذر هي عودة اقتصادية وليست اجتماعية، علينا أن نؤمن بأن حياتنا ليست طبيعية وأن نتكيف عليها، أن نخرج خروج المضطر، أن نطبق جميع الاشتراطات الصحية كمسؤولية اجتماعية وتكليف ديني.
وباختصار علينا أن ننصت مرةً أخرى لما طلبه منا الدكتور هادي منذ أشهر، عندها ستعود الحياة طبيعية كما كانت لنعانق أحبابنا وليعانق الدكتور هادي والديه.
🎥 لمشاهدة تقرير قيثارة مع الدكتور هادي
🎥 لمشاهدة مقطع ”mbc“
https://mobile.twitter.com/mbc1/status/1268585496252424194">