آخر تحديث: 5 / 12 / 2024م - 12:40 ص

الحرية في إطار التقليد

الشيخ محمد الصفار صحيفة الوسط البحرينية

يتحدث صاحب «العروة» مقسماً لحال المكلف العادي في معرفة تكليفه أو حكمه الشرعي والقيام بتنفيذه فيقول: «يجب على كل مكلف في عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطاً».

ويتحدث بعض الشرّاح عن هذه العبارة بقولهم: إن صاحب «العروة الوثقى» ابتدأ بقوله «أن يكون مجتهداً» لأن الاجتهاد أشرف من التقليد.

الاجتهاد ملكة يحصّلها الإنسان بجده واجتهاده ليتمكن بها من استنباط الحكم الشرعي من مظانه، فيعرف الحكم الشرعي ويرتبط به مباشرة من دون واسطة.

فالاجتهاد أشرف من التقليد لما فيه من إعمال الذهن، واستقلالية الإنسان، ومباشرته لدليل الحكم الشرعي، أما التقليد فهو حاجة والحاجة لا شرف فيها، لكنها هنا وسيلة غير القادر بذاته للوصول إلى حكم الله، فيلجأ إلى من له هذه الإمكانية والقدرة وهو الفقيه الجامع للشرائط.

ولأن التقليد عبارة عن حاجة الجاهل في الرجوع إلى العالم، فإن ما يستشف من كلمات العلماء هو التعامل معها بضيق شديد، وضمن قيود معينة، مع دفع المكلف في العديد من القضايا والأمور لإعمال رأيه وتفكيره ليتوصل هو إلى رأي خاص به، من دون أن يخضعه لدائرة الاتباع والتقليد، وبذلك أوجدوا للمكلف مساحات واسعة يستطيع فيها مفارقة الفقيه، بمعنى عدم تقليده، معتمداً على نفسه، وسنتحدث فيها في هذا المقال وربما في مقالات لاحقة.

لقد أكد العلماء أن محل التقليد ومورده هو الأحكام الفرعية العملية، من صلاة وصوم، وزكاة وحجّ، وخمس وجهاد، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتولّي لأولياء الله، وتبرّي من أعدائهم، ويتسع الأمر ليشمل المعاملات وأحكامها، من جواز وحرمة وغير ذلك، وكذلك الأمور العملية التي يبتلي بها الإنسان في حياته.

ربما يتفق جميع الفقهاء على استثناء جميع أصول الدين من مسألة التقليد، وهي الأمور العقدية الكبرى أو ما تسمى بأصول الدين، فلا يقبلون التقليد فيها.

يمكن الرجوع إلى نص المسألة في كتاب «العروة الوثقى» للعلامة الفقيه السيدمحمد كاظم الطباطبائي اليزدي، للوقوف على مجموعة من الاستثناءات الخارجة عن وجوب التقليد، والتي يكون المكلف حراً طليقاً فيها، يستطيع إعمال ذهنه فيها، أو التماس المعرفة من آخر غير مرجعه إذا استقرب ما عنده من رأي واطمأن لحكمه وقطعه.

هناك عبارة دقيقة وواضحة في موقع المرجع الفقيه سماحة آية الله العظمى السيدعلي السيستاني «لابد أن تكون عقيدة المسلم في باب أصول الدين عن بصيرة ووعي، فلا يمكن أن يقلد غيره فيها بمعنى أن يقبل قول غيره بها مجرد أنه يقول بها».

تعطي هذه العبارة حرية واسعة للمكلف في كبريات قضايا الدين والاعتقاد، فلا يوجد سمع وطاعة في هذا الموضوع بقدر ما يجب على الإنسان من التفكر والتأمل للوصول إلى النتائج بقناعة ومعرفة وليس بتقليد ومتابعة. وللحديث بقية.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
نذير العبدالله
20 / 2 / 2013م - 11:29 ص
البوصلة في تشتت ياشيخ!

ليس ما تفضلت به بهذا التصور والبساطة، وإلا لكان المكلف يعمل برأيه وعقله وهذا سيشط به نحو وادي سحيق في اعتقاداته تؤدي به إلى الهاوية.

فإذا لا يوجد سمع وطاعة في هذا الموضوع فلماذا نتعلم عقائدنا ونأخذها من العلماء والمحققين؟ أليس حرياً بحسب رأيك أن يكون للإنسان حرية في عقيدته فيمكنه نفي الإمامة والمعاد وعصمة أهل البيت عليهم السلام إذا لم يصل عقله وفكره لمعاني هذه الأمور؟

كلامك صحيح أنه لا تقليد في العقائد ولكن إذا كان المكلف غير مؤهل لعملية البحث والتمحيص للوصول لقناعات صحيحة فمن الخطأ المضاعف اللجوء إلى عقله وفكره الخاص.

لا تترك الباب مشرعاً يا شيخ من دون وضع الضوابط الصحيحة لأي فكرة وإلا سينحل الكثير ممن لا يملكون الحصانة الدينية الكافية .

تحياتي