واحد زائد واحد لا يساوي إثنين دائماََ!!
في بداية التسعينات الميلاديّة أنعم الله علي بالتخرّج من الجامعة في مجال الهندسة وتلاه تعاقبا نعم كثيرة منها الزواج بزوجة كريمة ومن ثم رزقت بأول مولود وكنت كأي شاب طموح يبدأ الإبحار في بحر الحياة وملؤه الطاقة والطموح. كلما استرجعت شريط الذكريات لتلك الايام في ذهني، أتذكر تلك العقليّه الهندسية التي انعكست على كل شيء تقريباََ في حياتي ومنها تجربتي مع ابنتي الغالية في التربية. حتى لا أسهب في مجالات متعددة وأذهب الى بيت القصيد كنت أحاول أن أعلمها منذ نعومة أظفارها من بين أشياء متعددة العدّ والحساب فبدأت تعد إلى العشرة والعشرين في سن مبكرة وتعلمت مني أن 1+1=2 و2+1=3 وهكذا.
بعد سنوات ليست بالقليلة تعلمت ان 1+1 قد لا يساوي اثنان!
عندما أدرجت في أحد ورش التطوير القيادي والتي تتمحور حول كتاب العادات السبع للناس أكثر فعاليّه تعلمت مصطلحاََ جديداََ وهو التعاضد «synergy». ببساطة هذا المصطلح يعني أن تعاون إثنين أو أكثر في شركة أو هيكل إداري أو إجتماعي يعطي نتيجة أكبر من النتيجة التي نحصل عليها من جمع عمل كل فرد على حده. هذا الكتاب للمفكر والمطور الإداري والإجتماعي ورجل الاعمال بروفيسور ستيفن كوفي شكّل نقلة نوعيّة في علوم الإدارة البشريّة وأحرز وربما لا يزال يحرز مبيعات هائلة. العلاقة ممكن أن تكون هيكلاََ ادارياََ لشركة على سبيل المثال أو علاقة إجتماعيّة كالرابطة الزوجيّة أو صداقة أو جيرة أو غيرها. آنذاك تعلمت أن 1+1 قد لا يساوي إثنين بل أكثر من ذلك. ستيفن يقول عندما تتظافر قوتان وتتلاقحان سينتج عن ذلك منتج أفضل في النوعيّة والكم! هنا ونحن نستخدم فكرة البروفيسور ستيفن سنطبقها بنحو لم يتطرق له البروفيسور.
نحن كمسلمين نؤمن بالاخذ بالأسباب ولكن في نفس الوقت نعتقد بالجانب الإلٰهي الذي تغفله المعادلات الرياضية إذ لا يوجد معادلات رياضية لحساب قيمة للتوفيق والبركة والتسديد الإلٰهي فكم شهدنا من اعمال مباركة على مستوى أفراد ومجموعات كان نتاجها فياضاََ على مستوى محلي وإقليمي وعالمي وكذلك شهدنا أعمالاََ لا يكتب لها التوفيق رغم الدراسات المعمّقه والجهود المبذوله فتضمحل وتندثر ولا يبقى منها إلا صفراََ. من هذا نستنتج ان مجموع «1+1» فعلاََ قد لا يكون اثنين لأنه يتأثر بعامل التعاضد «synergy factor» وأيضا بعامل أهم وهو عامل التوفيق والبركة الإلهي، قال تعالى «و الله يضاعف لمن يشاء»، صدق الله العظيم.
من ناحية أخرى نسأل أنفسنا هل واحد يساوي واحد مع تطابق وحدة القياس؟! وللإجابة نقول أن البداهة تقول أن كيلو غراماََ من الذهب يساوي كيلوغراماََ من الذهب إذا كانا بنفس الجودة والمواصفات لكن عند إختلاف الجودة والمواصفات لا يمكن المساواة بينهما وهذا واضح ومنطقي. وعند أخذ هذه الفكرة إلى الإنسان تكون أكثر تعقيداََ فلا يمكن أن يكون إنسان مساوياََ لآخر لأن الانسان خليط متراكب من الروح والجسد والقيم والمعرفة والخبرات والقابليّات وغيرها. يحضرني هنا قول البعض أنك إذا اردت ان تعرف مستوى فكر أي شخص فعليك ان تحسب معدل الفكر لأقرب خمسة أشخاص له وهذا جانب واحد فقط من تركيبة معقدة في شخصية الإنسان. فإذن في الغالب واحد لا يساوي واحد في حساب البشر وهذا يتفق مع ما علمّنا إياه القرآن الكريم في مقارنة المؤمنين الصابرين بغير المؤمنين وأن لكل إنسان عامله الحسابي الخاص به، قال تعالى في كتابه الكريم «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» وقال سبحانه «هل يستوي الأعمى والبصير»، صدق الله العظيم.
وهنا نعود من جديد إلى السؤال هل 1+1 يساوي إثنين دائما؟! والاجابة في رأيي قطعاً لا، فعندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية والعمل الجماعي فهناك عوامل متعددة تدخل على المعادلة ومن أهمها: عامل الانسان الحسابي الخاص به وعامل التعاضد وعامل التوفيق الالهي. بل يتجلى لنا هنا ان المجموع قد يكون سالباََ «اقل من الصفر» وهذا عندما يتجه الفرد او المجموعة الى الاقوال او الاعمال السلبيّة التي ينتج عنها خسارة على مستوى الفرد والمجتمع.
عندما أجلس مع طفلي الصغير سأعلمه ان 1+1 قد لا يساوي إثنين بل اكثر، فأشدد عضدك بأخيك وأن واحدا قد لا يساوي واحدا فأعمل على أن يكون معاملك الانساني الحسابي عالٍ وأن كل هذا يزداد أضعافا كثيرة بتوفيق رب العالمين، فإسعى إليه. سأكتفي بهذا حتى لا أثقل عليه في جلسة واحدة وربما في جلسة قادمة سأتطرق الى عوامل أخرى أو موضوع آخر.