نسخ الكتب نموذجاً
النشاط العلمي الأحسائي في شهر رمضان المبارك من القرن التاسع إلى الحادي عشر الهجري
في شهر رمضان تنزل الرحمة والبركة وتعم الخيرات الروحية والنفسية على العباد ففيها يغرف كل مؤمن بقدره ويأخذ من الهبات الإلهية المختلفة التي يمنحها الخالق لخلقه، حيث تكبر الهمم في العبادة وقراءة القرآن والدعاء فهم في شهر الله شهر رمضان وهو أمر لا شك ولا خلاف فيه.
إلا أن حياة العلماء لم تقتصر على هذه العبادات المرتبطة بالبعد الروحي والنفسي وإن كان أهمها وأكثرها إشراقاً ووضوحاً، وإنما هو شهر تتحفز فيه المعرفة والعطاء، فكان العلماء يستقلون في هذا الشهر الفضيل فترة الصفاء الروحي والنفسي في حل المسائل العويصة والكتابة والتصنيف.
ومن هذه الأبعاد العلمية التي استفاد العلماء من بركة هذا الشهر العظيم مسألة نسخ الكتب، في الأوقات التي يكون الناس في حالة خمول وسكون وبحثاً عن الراحة من عناء الصوم ومشقته.
وفي الحياة العلمية الأحسائية يترك لنا التاريخ عدد من الشواهد التي استفاد العلماء من بركة هذا الشهر بالعمل الدؤوب بنسخ الكتب ومن نماذج هؤلاء ما يلي:
الشيخ عز الملة والدين أبو محمد حسن بن ناصر الدين بن إبراهيم الحداد العاملي البويهي الأحسائي، تعود أصوله إلى بلدة القارة بالأحساء، فقيه وعالم بارع، تتلمذ على والده الشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي الأحسائي، لعله ولد في الأحساء وهاجر مع والده إلى جبل عامل، نال مرتبة علمية عالية.
من أصحاب المؤلفات والمصنفات، ومن الأساتذة الأعلام، له مصنف معروف من تأليفه وبقلمه.
- الدرة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة [1] ، وقد بدأ فيه من 18 شعبان إلى 14 رمضان سنة 853 هـ . وقد جاء فيه: «الحمد لله القادر القاهر العزيز الجبار المتكبر... فقد سألني بعض أصحابي إملاء شرح على المباحث المفيدة في تحصيل العقيدة من تأليف شيخنا أبي منصور الحسن المطهر... موسوم بالدرة النضيدة في شرح المفيدة» [2] .
وبتاريخ 23 رمضان 806 هـ فرغ الشيخ أحمد بن فهد الاحسائي من تأليف كتاب «خلاصة التنقيح في المذهب الحق الصحيح» [3] .
- الشيخ عطاء الله بن معين الدين نصر الله السروري الإسترابادي، كانت كتابتها في 11 من شهر رمضان سنة 899 هـ ، في منطقة ”سروكلاته“ و”كلبان“ من قرى مدينة أستراباد، بعد قراءة كتاب ”المسالك الجامعية“ عليه [4] :
ونص الإجازة هو:
«أنهى هذا الشرح أعني المسالك الجامعيّة لشرح الرسالة الألفيّة سماعاً وفهماً واستشراحاً من أوّله إلى آخره المولى المحترم المُعظَّم المُكرَّم، زبدة الطلاّب المُحقِّقين وعين أعيان الطلبة المجودين وقُرَّة عين الأفاضل أجمعين، السالك مسالك الصالحين واللاحق على الطريقة المرضيّة للعلماء الماضين، صلاح المِلّة والدِّين عطاء اللّه ابن الشيخ الفاضل الكامل الورع التقيّ الصالح معين الأنام والدِّين ابن نصر اللّه السرويّ الأسترآباديّ المسكن أصلح اللّه شأنه وصانه عمّا شانَه، وسأل عن مشكلاته وفحص عن معضلاته، فأجبته عن ذلك بحسب الوقت الحاضر، وأجزتُ له أدام اللّه توفيقه أن يرويه عنّي لِمَن شاء وأحبَّ بالطريق] ظ: بالطُّرُق [التي لي فيه إلى الأئمّة المعصومين والعلماء الماضين.
فليروِ ذلك لِمَن شاء وأحبَّ مُتحرِّياً مُحتاطاً لي وله، فإنّه أهلُ ذلك ومُستحِقُّه. وكان ذلك في مجالس مُتعدِّدة آخرها اليوم الحادي عشر من شهر اللّه المُعظَّم رمضان أحد شهور سنة تسع وتسعين وثمانمائة بولاية أسترآباد صانها اللّه عن الفساد بقريتَي سروكلاته وكلبان حُفَّتَا بالأمن والأمان من طوارق الحدثان.
وكتبه المؤلِّف الفقير إلى اللّه العفوّ الغفور محمّد بن عليّ بن أبي جمهور الأحساويّ تجاوز اللّه عن سيّئاته ووالدَيْه، إنّه غفور رحيم، والحمد للّه وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلّم».
ومن الكتب التي تم تأليفها في شهر رمضان «الأعلام الجلية في شرح الرسالة الألفية» للشيخ حسين بن علي بن حسين بن أبي سروال الأحسائي، وقد فرغ من تصنيفها في 20 رمضان المبارك سنة 950 هـ ، وهي بقلمه وتعليقه [5] .
ومنهم الشيخ عبد الحسين بن إبراهيم الأحسائي الشيخ عبد الحسين بن الشيخ إبراهيم بن ناصر بن جعفر بن موسى بن أبي الحسين الشيباني [6] الهجري الآوالي الأحسائي، من أعلام النسَّاخ في الأحساء في القرن العاشر الهجري، هاجر إلى بلاد فارس وسكن منطقة «تبريز»، و«نر»، «كان حياً سنة 984 هـ »، نسخ في شهر رمضان المبارك عدد من الكتب عرفنا منها:
- الحاشية على شرح هداية الحكمة: المير فخر الدين محمد بن الحسين بن الحسيني السماكي الأسترابادي «ت: 928 هـ »، وتاريخ النسخ يعود إلى 22 رمضان لسنة 984 هـ [7] ، في منطقة ”نر“ بإيران [8] .
- حاشية شرح المبيدي على هداية الحكمة: محمد بن صلاح لاري الأنصاري «ت 979 هـ »، وقد انتهى من نسخه ضمن مجموع في 22 رمضان 984 هـ ، وعلى النسخة وقف محمد العسكري للمكتبة الرضوية.
ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم بن أحمد بن جعفر الآوالي الأحسائي، علم بارز وقامة علمية شامخة، من أعلام النساخ في الأحساء خلال القرن العاشر، نسخ مجموعة كبيرة من الكتب، منها في شهر رمضان عرفنا منها:
- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: العلامة الحلي، الحسن بن يوسف الحلي «648 - 726 هـ »، وقع الفراغ من نسخها في 19 رمضان سنة 965 هـ [9] .
ومن العلماء البارزين الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن علي الآوالي الأصل الأحسائي المولد، علم أحسائي، من أصول بحرانية ينتمي لبيت علم وفقاهة، هاجر والده الشيخ حسن إلى الأحساء وسكن قرية «الرميلة» فمارس دوره بها من الدراسة والتدريس، وتلبية شؤون الناس في أمورهم القضائية، عاش في القرن العاشر الهجري، هاجر إلى قبل عامل ونسخ بعض الكتب في شهر رمضان منها:
- الدروس الشرعية في فقه الإمامية: الشهيد الأول محمد بن محمد مكي الجزيني العاملي «ت 786 هـ »، وقد فرغ من نسخه يوم الخميس آخر شهر رمضان الكريم لسنة 962 هـ ، أو 968 هـ [10] ، وله عليها تعليق، نسخها عن نسخة ابن المصنف الشيخ رضي الدين أبي طالب محمد بن محمد بن مكي العاملي، كتب على ظاهر نسخته فائدة في بيان ما اصطلح عليه والده في الدروس من التعبير فيه عن أسماء العلماء [11] .
قال في نهايته: «وكان الفراغ من تسويد بياضه عصر الخميس آخر شهر رمضان سنة أربع وستين وتسعمائة هجرية بمسجد «الجويدي» كتبه من أوله إلى آخره على يد أقل عباد الله وأحوجهم إلى رحمة ربه الغني غريق بحر الذنوب والخطايا لنفسه على عجلة مع اشتغال البال محمد بن الشيخ حسن بن علي الأحسائي مولداً ومنشأً والآوالي أصلاً، من آل بن عاقل من القرية، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين آمين آمين رب العالمين، وسلم كثيراً برحمتك يا أرحم الراحمين
يبقى الکتاب وتفنى الکاتبون له
وفاعل الخير فى الفردوس محبوراً
... يا هذا وکن حذراً
من الکتاب الذي يلقاه مسطوراً»
وقريب منها أيضاً:
يبقىَ الکتابُ ويفنى يد کاتبهِ
کم حل دار البلى من کف خطاطِ
وکم أباد صروف الدهرِ من رجلِ
قد کان للعلم جمّاعاً ومحتاطِ [12] .
والنسخة تتضمن إجازتين في الرواية لعلمين من أعلام البحرين الأولى من الشيخ حسين بن محمد بن أحمد بن إبراهيم آل عصفور البحراني للشيخ محمد بن إسماعيل بن ناصر بن عبد السلام البحراني في السابع من شوال لسنة 1210 هـ ، والثانية من السيد محمد مهدي الموسوي، للشيخ محمد البحراني [13] .
كما نسخ واستفاد من بركة هذا الشهر بنسخ الكتب الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب الأحسائي الشيرازي، من أعلام الأحساء الكبار، ومن البيوت العلمية، ونساخي الكتب، هاجر مع والده من الأحساء إلى إيران واستوطن «دار العلم» مدينة شيراز وأقام بها، كما سكن مدينة مشهد المقدسة.
- من لا يحضره الفقيه: الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الشيخ الصدوق «311 - 361 هـ »، كما قام بعمل نسخة أخرى من كتاب «من لا يحضره الفقيه» وهي نسخة مصححة عليها حواشي وبلاغات من الناسخ، فرغ منها في الليلة الثانية سلخ رمضان لعام 1084 هـ [14] ، في مدينة المشهد الرضوي [15] .
ومن هؤلاء الأعلام صاحب الهمة العالية الشيخ جعفر بن محمد بن جعفر الأحسائي من العلماء الذين عاشوا خلال القرن الحادي عشر، كان على قيد الحياة عام 1078 هـ ، قام بنسخ بعض الكتب في شهر رمضان منها:
- تيسير الملك الجليل بجمع الشروح وحواشي مختصر خليل: سالم بن محمد السنهوري «ت1015 هـ.». وقد نسخه لنفسه، وختمه بقوله: «وكان الفراغ من كتابة هذا الجزء الشريف، الجزء الثاني من التيسير، ظهر الثلاثاء في الخامس عشر من شهر رمضان المعظم أحد شهور سنة 1078 هـ ، وذلك بيد كاتبه لنفسه، ولمن شاء الله تعالى بعده، عبده الفقير المضطر لرحمة ربه القدير؛ جعفر بن محمد جعفر - غفر الله له ولوالديه، ومشايخه، وإخوانه، وجميع المسلمين - آمين» [16] ، والكتاب في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة بالمكتبة المحمودية.
ومنهم الشيخ سليمان بن محمد بن هلال بن ثابت بن راشد بن إبراهيم العمراني الأحسائي البحراني، عاش في القرن الحادي عشر، بيتهم من الأسر العلمية، ويحتمل أن والده أو جده هاجر من بلدة «العمران» في الأحساء إلى البحرين، وقد وفق لنسخ بعض الكتب في شهر رمضان عرفنا منها:
- الكافي: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني «ت 329 هـ »، قام بنسخه في عمل مشترك القسم الأول بخط الشيخ إبراهيم بن أحمد بن صالح بن عصفور الدرازي، وقد فرغ منه في رمضان سنة 1075 هـ ، والقسم الثاني بخط الشيخ سليمان بن محمد بن هلال بن ثابت بن راشد بن إبراهيم العمراني، وقد انتهى من نسخه كذلك في رمضان سنة 1077 هـ .
فيها تملكات وبلاغات وهي:
في أول صفحة تملك أحمد بن صالح بن حاجي الآوالي، وعابد بن صالح ابن أمير قلي الشيرازي وختمه مربع: «أفوض أمري إلى الله عبده زين العابدين».
وتملك رجب علي بن جمال الدين محمد، وختمه مربع «العبد المذنب رجب علي»، وقد أشتراه من السيد محمد البهبهاني بتاريخ 1237 هـ ، ويوجد ختم بيضاوي باسم «محمد علي بن عبد السلام الموسوي».
كما يوجد إجازة من الشيخ سليمان بن صالح بن عصفور بتاريخ ثاني ربيع الأول 1079 هـ، إلى الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الآوالي، وإجازه من الشيخ عباس بن حسن بن عباس بن محمد علي البلاغي النجفي بتاريخ 23 ربيع الثاني 1157 هـ، إلى ملا رجب علي بن جمال الدين نوشته.
وفي الصفحة الأخيرة بلاغات من الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي إلى الشيخ علي بن سليمان [17] .
ومن بين الأعلام السيد شمس الدين بن السيد محمد بن السيد أحمد بن السيد علي بن السيد محمد بن السيد أحمد الحسيني الجبيلي الأحسائي المدني، وهو يكتب اسمه تارة «شمس الدين محمد»، وتارة: «شمس الدين بن محمد»، ولعل الراجح هو الثاني أن يكون اسمه شمس الدين ووالده يدعى محمد.
من أعلام الأحساء، ومن الفقهاء الكبار له مصنفات ومؤلفات في المجالات الفقهية والأخلاقية والطبية، وهو من بيت علم وفقاهة، فقد ضمت أسرته العلمية التي كانت تقطن بلدة الجبيل العديد من العلماء والفقهاء، كما يحتمل أن يكون والده «السيد محمد» أيضاً من رجال العلم والفضيلة.
كتب «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» للعلامة الحلي، الحسن بن يوسف الحلي «648 - 726 هـ »، فرغ من بيان الصوم منه في 20 رمضان لعام 1088 هـ ، في مدينة شيراز الإيرانية، وقد دون نسبه فيه هكذا: «شمس الدين بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد الحسيني الأحسائي المدني» وفرغ من القسم المتعلق بالإرث في غرة ذي الحجة من العام نفسه [18] .
كما برز ممن نسخ في شهر رمضان الشيخ صالح بن ثامر بن عبد الله بن ثامر البحراني الأوالي الأحسائي [19] ، من الأعلام الذي تعود أصولهم لجزيرة أوال من منطقة البلاد القديم، وهو من بيت علم وعلماء [20] ، هاجر إلى الأحساء في نهاية القرن العاشر أو بداية القرن الحادي عشر واستوطن فيها، له عناية كبيرة بالوراقة ونسخ الكتب، له عناية واهتمام بكتب الشريف المرتضى، ونسخ العديد من مصنفاته، وقد نسخ من بعض الكتب في شهر رمضان وهو:
- تكملة آمالي المرتضى: السيد علي بن الحسين المرتضى «355 - 436 هـ »، كان الفراغ من نسخه ليلة 7 رمضان لعام 996 هـ [21] .
- شرح القصيدة البائية: السيد علي بن الحسين المرتضى «355 - 436 هـ »، فرغ من نسخها في ليلة الاثنين 14 رمضان لعام 994 هـ [22] .
- تفسير القصيدة المذهبة لأبي هاشم: إسماعيل بن محمد الحميري الملقب بالسيد البابيه، وقع الفراغ من نسخها 14 رمضان سنة 996 هـ [23] .
وممن كتب ونسخ في شهر رمضان الشيخ عبد الله بن موسى بن عمّار بن مشرّف بن محمد بن حسين بن بدران الحسائي، من بلدة العمران بالأحساء، ومن الأسر العلمية فيها، فقد تخرج من هذه البيت الكريم عدد من الأعلام البارزين، كان في مكة المكرمة سنة 1044 هـ ، ولعله مكث بها لعدة سنوات، فقد نسخ فيها عدة كتب منها:
- علل الشرائع: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي «ت381 ه»، نسخه في مكة المعظمة مشاهداً لبيت الله الحرام، في 6 رمضان المبارك عام 1044 هـ .
كما هنا شاهد بارز من أسرة «آل عيثان» الشيخ عبد النبي بن الشيخ عيسى بن إبراهيم بن عبد الله آل عيثان القاري الأحسائي، من أسرة «آل عيثان» العلمية العريقة والتي أنجبت الكثير من الأعلام الكبار، والتي موطنها قرية القارة بالأحساء، والشيخ عبد النبي يظهر من الأعلام الذين هاجروا إلى بلاد فارس، وكذلك أخوه وابن أخيه وحفيد أخيه، نسخ كتاب واحد، وهو يعتبر وثيقة مهمة تكشف معالم هذا البيت العلمي وبعض تفرعاته، وأنه كانت لهم حوزة دينية في بلاد المهجر تتلمذ فيها أبناء الأسرة، من تلاميذه ابن أخيه الأصغر: الشيخ حسين بن الشيخ عيسى بن إبراهيم آل عيثان، والكتاب الذي نسخه هو:
- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: الشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي «911 - 965 هـ » [24] ، فرغ من نسخه ظهر يوم الأحد 13 رمضان سنة 1062 هـ ، وقد نسخه لأجل أخيه الأصغر الشيخ حسين بن الشيخ عيسى بن إبراهيم آل عيثان من أجل الدرس بقرينة قوله: «متعه الله بحفظه والعمل به».
وعلى النسخة خط الشيخ محمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عيسى بن إبراهيم آل عيثان في 15 ذو القعدة 1075 هـ ، والنسخة فيها تملك وتعليق للشيخ حسين بن عيسى آل عيثان.
ومن بين العلماء الذين كان لهم نشاط في شهر رمضان ونسخ بعض الكتب السيد علي بن السيد أحمد الحسني الحسيني المدني الأحسائي، من أسرة علمية قدمت إلى الأحساء من المدينة المنورة، من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، كان حياً سنة 1047 هـ ، يُعتقد من خلال حواشي على تفسير الطبرسي أنه شخصية علمية لامعة غمط حقها، لذا أشار له السيد أحمد الحسيني الأشكوري في «تراجم الرجال»، والسيد الشخص في «أعلام هجر».
- الذريعة إلى أصول الشريعة: علم الهدى علي بن الحسين المرتضى «355 - 436 هـ »، كان الفراغ من نسخه وكتابته في 27 من شهر رمضان، في أحدى سنوات القرن الحادي عشر الهجري [25] ، قال في آخرها: «كتب العبد الوضيع علي بن أحمد الحسيني المدني الأحسائي تجاوز الله عن سيئاته في سابع وعشرين شهر رمضان سنة...» [26] ، وهي نسخة مصححة، على النسخة وقفية تعود لسنة 1309 هـ ، والواقف السيد محمد الشوشتري للمكتبة الرضوية بمشهد [27] .
ومنهم الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن أحمد الأحسائي البحراني الشهير ب «الوادي» من أعلام القرن الحادي عشر، وهو ممن هاجر إلى البحرين، ومنها إلى شيراز التي نسخ بها مجموع خطي وكان ذلك في المدرسة «اللطيفية» بشيراز، والذي يتضح أنه من أرباب العلم، ومن الفضلاء حتى كانت له شهره ب «الوادي» وهو معروف في شيراز، بدرسه وتدريسه.
وقد في شهر رمضان بنسخ بعض الكتب منها:
- زبدة الأصول: الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي «953 - 1030 هـ »، قام بنسخه في 6 من شهر رمضان لسنة 1055 هـ ، وقرءها على الشيخ صالح بن عبد الكريم البحراني فأجازه في آخره بتاريخ 19 شوال 1060 هـ [28] .
كما يبرز لنا من أصحاب الهمم في شهر رمضان المبارك الشيخ علي بن عبد الحسين «عبد الحسن» بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن حسين بن سيف الأحسائي البلادي، من أعلام الأحساء في القرن الحادي عشر الهجري ومن الرموز العلمية الكبار، من سكنة قرية البطالية التي كانت تعرف ب «البلاد» أي بلاد ابن بطال، كما لا يبعد أن يكون من أسرة علمية، نسخ وعلق على بعض الكتب الروائية في شهر رمضان منها:
- الأهليلجة في التوحيد: من أقوال الإمام جعفر بن محمد الصادق «80 - 148 هـ »، فرغ من نسخ الكتاب بتاريخ 13 رمضان [29] ، انتهى منه في 22 رمضان في سنة غير معروفة، وهي نسخة عليها تصحيحات ومقابلة [30] .
ومن نماذج الهمة والنشاط العلمي في شهر رمضان؛ الشيخ محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد علي بن داوود النجار الحساوي الشهير ب «النجار الأحسائي»، من بيوت العلم خلال القرن العاشر الهجري، من أصحاب الفضيلة العلمية حتى كان يعرف بين معاصرية ب «الفاضل الأحسائي»، فقد نسخ:
- الصحيفة السجادية الإمام زين العابدين، علي بن الحسين ، وقد كتب في الصفحة الأولى بقلم: «الفاضل الأحسائي»، انتهى من كتابتها سنة 1006 هـ ، قال في نهايتها: «وافق الفراغ من كتابتها عشية يوم الأربعاء، الخامس عشر من رمضان المبارك سنة السادسة بعد الألف بقلم الحقير كاتبه مالكه لنفسه، معتمداً أمر ربه محمد بن علي بن محمد بن علي بن إبراهيم بن داود الأحسائي - غفر الله له ولو والديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات -» [31] ، على النسخة إنهاء من الشيخ صالح بن عبد الكريم البحراني.
ومن الأعلام في القرن الحادي عشر وكان لهم إسهام في شهر رمضان المبارك الشيخ محمد بن منصور بن ناصر بن وحيد الصائغ الأحسائي، فقد كتب خلاله:
- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: المحقق الحلي جعفر بن حسن الحلي «602 - 676 هـ »، وكان حين الفراغ من نسخه وكتابته في شهر رمضان لعام 1045 هـ [32] .
كما تم نسخ الشرائع في شهر رمضان من علم آخر وهو الشيخ منصور بن منصور حاجي الأحسائي، وبيته من بيوت العلم في الأحساء، هاجر إلى أصفهان ببلاد فارس واتصل بأعلامها، عرف بجودة النسخ، وجمال الخط، وإتقان اللغة حتى نال شهرة واسعة وأصبح مطلوباً لدى الأعيان والأعلام حتى لقب ب «الكاتب الأحسائي»
أما عن الكتاب الذي نسخه:
- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: المحقق الحلي جعفر بن حسن الحلي «602 - 676 هـ »، وكان حين الفراغ من نسخه وكتابته في ليلة 27 من شهر رمضان لعام 1035 هـ [33] .
ومن بين أصحاب الفاعلية في الشهر الفضيل المبارك السيد هاشم بن السيد الحسين بن عبد الرؤوف بن إبراهيم بن عبد النبي بن علي الحسيني الموسوي الأحسائي البحراني، عالم فاضل أصله من قرية «التويثير» بالأحساء، هاجر إلى البحرين ثم إلى شيراز فكان من أعلامها، يعد من أعلام الأحساء الكبار ومن فقهائها اللامعين، ومن مشيخة الإجازة.
فقد كتب:
- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: للشهيد الثاني زين الدين العاملي «ت 966 هـ » فرغ من المجلد الأول في مفتتح رمضان 1047 هـ ، ومن مجلده الثاني يوم المولود 1049 هـ ، في محروسة آوال، عند عز الدين الجزائري [34] .
ولم يقتصر النشاط الأحسائي على نسخ الكتب بل تجاوزه إلى طلب الكتب نسخها فكان بعضها ممن نسخ في شهر رمضان المبارك، منها على سبيل المثال:
- فقد فرغ فرحان بن محمد الجهرمي من نسخ كتاب «توحيد المفضل بن عمر» لأجل الشيخ علي بن عبد الحسين «عبد الحسن» بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن حسين بن سيف الأحسائي البلادي في 22 رمضان 1104 هـ [35] .
وفِي غرة شهر رمضان عام 1040 هـ فرغ الشيخ محمد نقي بن محمد شفيع الحسيني من نسخ الجزء الخامس من «تذكرة الفقهاء» للعلامة الحلي، وذلك لأجل السيد أحمد بن محمد بن أحمد الجمازي الأحسائي بمدينة طبس [36] .
في الختام هذه مجموعة من النماذج الحية عن النشاط العلمي الأحسائي في شهر رمضان، خلال القرنين العاشر والحادي عشر، وكيف كان الأعلام يستغلونه بالحيوية والنشاط العلمي، مستثمرين كل لحظاته وساعاته من أجل العلم والمعرفة فنجد ساعات فراغهم تمتد من أول الشهر إلى آخره، فتجد بين كلمات الختام «مفتتح شهر رمضان»، وتجد «سلخ شهر رمضان»، بل وحتى الليالي العظيمة والمناسبات الدينية كانوا ينظرون إنه جزء من العبادة العمل والعطاء العلمي فقد تم الفراغ من بعضها «15 رمضان» والبعض «19رمضان»، «22 رمضان، أي قبل ليلة القدر العظيمة بساعات»، ونجد «آخر شهر رمضان»، أي ليلة العيد، وهي ساعات يشتغل الفكر بفرحة وبهجة العيد وما أعد لهذه المناسبة السعيدة، أما هؤلاء الأعلام فلهم أجوائهم الخاصة التي يجدون في حياة العطاء أعظم عيدٍ لديهم.
ولم يقتصر نشاطهم وعملهم في أوقات الليل حيث يكون المرء في حالة إفطار وحيوية وصفاء ذهني بل نجد بين كلمات النسخ «عشية» أول الليل، و«ليلة»، ونجد أيضاً وهي متكررة «ظهر» وهي أعلى درجات الحرارة خلال اليوم، وهي ساعات ينشد الكثير من الناس الراحة فيها، كما نجد «عصر»، وهذه كلها تعطينا إشارة إلى استثمار الشهر المبارك في جميع أوقاته وساعاته.
كما من الأمور اللافتة في هذا الأمر أن أعلام النسَّاخ والوراقين ليسوا من مرحلة علمية واحدة بل فيهم الطالب المبتدأ، وفيهم الطالب المجد النشيط، وبينهم صاحب الفضيلة والمنزلة العلمية الذي يرغب بنسخ الكتاب للنهل من علومه والاستفادة من معارفه، وأيضاً بينهم من يجد في نسخ الكتب وسيلة للعيش والترَزّق - وهو أمر ليس بمعيب - في سبيل حفظ ماء الوجه والتعفف عما في أيدي الناس، ومنهم الأعلام الفقهاء الذين تثنى لهم الوسادة علماً وعطاءً.
نسأل الله أن يرزقنا همتهم ونشاطهم وإخلاصهم في خدمة العلم وبذل النفس له، إنه حميدٌ مجيد مجيب الدعاء.