التأمينات الاجتماعية لديها الحل
تهدف مؤسسات التأمينات الاجتماعية على مستوى العالم الى توفير جو من الاستقرار النفسي والمادي للعامل، مما يساعد على إيجاد مناخ ملائم لرفع الإنتاجية في العمل وذلك عبر توفير غطاء حماية للمشتركين ضد مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة وإصابات العمل وكذلك التعطل. وتبرز قيم التكافل والتكامل وجودة واستدامة المزايا التأمينية كقيم أصيلة حاكمة على جوهر أنظمة التأمينات الاجتماعية.
على مستوى المملكة، لابد لنا أن نشيد بعمل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الدؤوب في زيادة الوعي بأهمية الصحة والسلامة المهنية في أماكن العمل إدراكاً منها للتحديات المرتبطة بالأخطار المهنية، وكذلك بإنجازها تطبيق الخدمات الإلكترونية التي تخدم المشتركين وأرباب العمل معا.
على مستوى الأنظمة، يمكننا ملاحظة ضعف درجة التكامل بين نظامي العمل والتأمينات وكأنهما جزر منفصلة لا رابط بينهما، فأول تعديل تم إجراءه على نظام التأمينات الاجتماعية بالمملكة كان بعد إصداره ب 40 سنة تقريباً، والآن مضى ما يقارب ال 20 عاماً على هذا التعديل. أما نظام العمل الحالي والذي صدر في عام 1426 هـ، فقد تم إجراء أربع تعديلات إضافة للتعديلات الوزارية الخاصة باللائحة التنفيذية وأخرها التعديل الذي تم قبل أيام بإضافة المادة رقم 41 للائحة والملحق به المذكرة التفسيرية الخاصة بها.
هذه التعديلات على أهميتها إلا أنها لم تستطع أن تحقق التكامل المنشود، بل ربما أتت على عكس الغاية وما يأمله العامل الذي هو ايضا مشترك أيضا حسب تعريف نظام التأمينات، فبمقارنة بسيطة وكمثال، نجد أن نسبة الاشتراك الشهري المستقطع لصالح التأمينات قد ارتفعت من 10% إلى 22% دون أن يقابل ذلك ما يكافئ هذه النسبة من الخدمات التأمينية المقدمة، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام العمل الذي قلل نسبة الأمان الوظيفي الذي هو أهم عنصر يبحث عنه العامل دون أن يقابل ذلك ارتفاع في الأجر أو حتى ضمان مقدار مناسب من الزيادة السنوية للعامل تضمن له استقرارًا ماديًا عند بلوغه سن التقاعد، بل تضمن له حينها عدم انتقال أسمه من قوائم المنشأة التي يعمل بها إلى قوائم الجمعيات الخيرية. ولعل هذه هي أهم الهواجس لدى الطرف الأضعف في العلاقة العمالية اتجاه كلا النظامين.
إضافة لهذه الملاحظة، وجود ممارسات غير مهنية وبحجم مؤثر من قبل «بعض» ارباب العمل سواء في الظروف العادية أوغير العادية بشكل يؤثر سلباً أيضا على جودة نظام العمل ونظام التأمينات الاجتماعية وكذلك على إمكانيات القضاء العمالي، مما يستدعي إلى ابتكار الحلول العملية غير التقليدية القادرة على المعالجة والتطوير.
لذا فأن تمكين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من حماية مصالحها عبر اشراكها في إقرار وتعديل نظام العمل وتصميم عقود العمل وإبداء الرأي نحو تحسين أداء سوق العمل وحالات التعسف والاجحاف التي قد تتم على مشتركيها بشكل غير جماعي وغير مشروع، هذا الدور المقترح سوف يساهم في تطوير أداء سوق العمل كما سيساعد على استقرار التدفقات النقدية للمؤسسة وهو ما سينعكس تلقائياً لصالح العمال ودون أية أعباء إضافية.
أن الاندماج المرتقب بين التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد هي فرصة مناسبة لتقييم هذا المقترح وإجراء تعديل شامل للنظام يراعى فيه الاستقرار المالي والنفسي والمخاطر المحتملة لموظفي القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الثالث، فترفع الجودة في أداء سوق العمل وتحمي أيضا استقرار العامل ومصالح مؤسسة التأمينات الاجتماعية وكذلك نظام القضاء العمالي بطريقة تكاملية مع أطراف العلاقة العمالية.
أن المملكة - وفي هذه الأجواء المؤلمة التي يعيشها العالم أجمع - نجحت وباقتدار في تقديم نموذج مشرف على مستوى العالم عجزت عنه دول مهمة في اتخاذها الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية نظامنا الصحي، وعلى نفس المستوى لابد لنا أن ننجح أيضا في إتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية إمكانيات قضاءنا العمالي من أية آثار جانبية قد ينتجها ضعف مستوى الجودة أو ضعف التنسيق والتكامل بين نظامي العمل والتأمينات الاجتماعية.