آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الأول من مايو والكورونا المستجدة

زكي أبو السعود *

يصادف غداً الأول من مايو عيد العمال العالمي، وبهذه المناسبة أتفدم لكافة القوى العاملة، من شغيلة اليد والفكر في وطني المملكة العربية السعودية بأجمل التهاني بهذه المناسبة العالمية الكبيرة. متمنياً للجميع الصحة والسلامة وبالأخص للعاملين في المجالات الطبية والأمنية والبلدية الذين يواجهون جائحة الكورونا المستجدة يومياً ببسالة فائقة. هذه الجائحة التي وضعت البشرية في وضع استثنائي، حيث الخطر يهدد كافة سكان الأرض.. دون تمييز لجنس أو قومية، أو وضع اجتماعي، فالجميع عرضة للإصابة بهذا الوباء. إلا أن الخطر يلاحق أكثر الفئات الضعيفة والفقيرة من السكان.

وهو ما برهنت عليه عدد الإصابات والوفيات بين هذه الفئات في معظم البلدان التي هاجمها هذا الفيروس.

وفي بلادنا أصبح واضحاً أن نسبة الإصابة بين المواطنين تقل بشكل واضح عن الإصابات بين المقيمين القاطنين في الأحياء السكنية العشوائية والمهملة، وفي مجمعات العمال السكنية، التي تفتقد لأبسط مقومات السكن اللائق والآمن.

إن غياب الرقابة والمتابعة من قبل مفتشتي وزارة العمل والبلدية لهذه المجمعات أتاحلملاكها التسيب والإهمال المتعمد من التقيد والالتزام بما نصت عليه قواعد وشروط السكن في هذه المجمعات، والمعايير الأخلاقية البسيطة، وجعل هذه المجمعات بؤر موبئة بهذا الفيروس وغيره من الأوبئة والمشاكل الصحية الأخرى.

لقد كشفت لنا أرقام الإصابة بكوفيد 19 بين هؤلاء العمال عن الممارسات الخاطئة بحقهم، والتي جبلت عليه لسنوات عدة شرائح متوحشة من القطاع الخاص، بجعل هؤلاء العمال «الذين لا خيار لهم» يدفعون الثمن لروح الجشع والربح السهل واللهث وراء المظاهر الاستهلاكية الكاذبة التي طفت على ممارسات وسلوكيات تلك الشرائح من أرباب العمل الذين لم يعطوا أهمية أو تقدير للظروف المعاشية والصحية والنفسية لهؤلاء العمال. وها نحن اليوم نجني ثمن ذلك عبر تقديم الدولة للرعاية الصحية للآلاف من هؤلاء العمال - بما في ذلك ممن لا يملكون أقامة شرعية في البلاد - وضمان تعافيهم وعودتهم لديارهم سالمين، فالواجب الإنساني والمعايير الأخلاقية وروح التعاون الدولي تلزمنا بعدم التخلي عنهم، أو التمييز في معاملتهم.

لقد لحقت بالبلدان التي أصابها هذا الوباء مشاكل اقتصادية واجتماعية عدة، فبالإضافة إلى العدد الكبير من الوفيات، خسر مئات الآلاف من العمال والمهنيين وأصحاب المنشآت الصغيرة وظائفهم وأعمالهم، وباتت عوائلهم دون دخل يحميهم من غائلة الجوع والتشرد. وكل ذلك نتيجة لغياب أو ضعف سياسة الحماية الاجتماعية التي توفر الرعاية لهذه الفئات في مثل هذه الظروف العصيبة.

إن وجود سياسة اجتماعية لدى كل بلد توفر الحماية الاقتصادية لهذه الفئات، يمكنها تجنيب بلدانها الوقوع في مشاكل اقتصادية وقلاقل اجتماعية لا حصر لها. كما أن الحفاظ على القطاع العام /الحكومي وتطويره بشريا وتدعيمه مالياً وتوسيع مهماته وإلزامه بحوكمة مبنية على مبادئ الروح الوطنية والشفافية ورفض الفساد والمحسوبية وجعل تطوير ورفع كفاءة المنشأة ضمن محفزات العاملين فيها، كفيل هو الآخر بتقليل حدوث المشاكل الاجتماعية التي شهدتها البدان التي قلصت أو فرطت في قطاعها الحكومي عبر طريق الخصخصة.

إن الأول من مايو هو مناسبة للتذكير بأهمية تدعيم القوى العاملة الوطنية «يداً وفكراً» ورفع مستواها التأهيلي والتعليمي ومستواها الاقتصادي والمعاشي، فهي الداعمة التي يمكن الارتكاز عليها بثقة كبيرة في المصاعب الاقتصادية وفي كافة أنواع المحن.

ومن الأهمية بمكان التذكير بقيمة التقليل من الاعتماد على العمالة غير المحلية لما في ذلك من وقاية للأوطان وحماية لها من أخطار غير محسوبة، أو غير مرئية في المدى القصير.

وفي بلادنا العزيزة تحظى سياسة السعودة الراهنة بترحيب كبير وتأييد من قبل كافة محبي هذا الوطن الغالي، وهم ينظرون بشوق إلى اليوم الذي يرون فيه نسبة لبطالة بين السعوديين نساءا ًورجالاً تتقلص، وأعداد القوي العاملة السعودية تنمو كماً ونوعاً.

حمى الله وطننا وشعبنا والبشرية جمعاء من وباء الكورونا المستجدة، ونسأل الله أن يعيد الأول من مايو على البشرية وقد تخلصت من شره تماما ً، وتتمكن كافة شعوب الأرض وقواها العاملة من الاحتفال بهذا اليوم وهم سالمين.

بكالوريوس في القانون الدولي، ودبلوم علوم مصرفية. مصرفي سابق، تولى عدة مناصب تنفيذية، آخرها المدير العام الإقليمي…