آخر تحديث: 5 / 12 / 2024م - 12:40 ص

مسحت اسمه واشتقت إليه

الشيخ محمد الصفار

يوم أمس كنت أتحدث مع صديق لي تعرفت عليه منذ أكثر من 15 عاما، فقد كان أول لقاء بيننا عام 2005م، مكان اللقاء كان مكة المكرمة، أما أجواء اللقاء فكانت أيام الحج، بما يعنيه الحج من روحانية وعبادة وصفاء.

كان هو المبادر بالاتصال هذه المرة ليبارك لي بشهر رمضان، سألته عن أحواله وأموره، وعن عدة محلات يملكها لبيع الخضار والفواكه في مناطق متعددة، وكنت دائما أوصيه أن يخفف على الفقراء، وأن يعينهم، وأن يسقط دين من تعسر منهم، وأن يحتسب ذلك صدقة تدفع عنه وأهله البلاء، وتزيد في رزقه وتجارته.

في هذا الاتصال هو بادرني متحدثا عن ألمه، وضيق صدره، والغم الذي هو فيه، كانت نبرة صوته هذه المرة مختلفة عنها في اتصالاته السابقة، بداية الحكاية هي أن شابا من ضعاف الحال ماديا، يسكن بالقرب من أحد محلاته لبيع الخضار والفواكه، وكان يشتري منه بالدين دائما، وكان غالبا ما يتأخر في السداد.

يواصل صديقي كلامه المليء بالحزن قائلا: كانت أخر مرة اقترض فيها قبل حوالي شهر ونصف، وكان عليه قرض سابق، وبحساب القرضين أصبح مجموع ما عليه حوالي 400 ريالا، يقول صديقي جاءني الرجل بعد ذلك بأسبوع، وكانت نفسي عليه مشحونة، فهو شاب، وصحته جيدة، فلماذا لا يدفع الثمن؟ ولماذا يتأخر في سداد الدين؟

وحين بدأني بطلب بعض المشتريات، قلت له لدي عمال لهم رواتب، وعليّ إيجار للمحل، ومصاريف كهرباء وماء وغيرها، وأنت تتأخر في سداد دينك، واسمح لي لن أعطيك شيئا حتى تسدد ديونك السابقة، فقال لي لا يتوفر عندي مال حاليا، وإن شاء الله أسدد ديني نهاية الشهر مع نزول راتبي، وأنا الآن لا أريد شيئا كثيرا، فقط أحتاج إلى بصل وطماطم، فأسمعته بعض الكلمات القاسية، ثم أعطيته ما طلب، وأضفتها إلى دينه ليصبح حوالي 440 ريالا.

اليوم وبعد غيابه عني لشهر وأسبوع، فتحت الدفتر الذي أكتب فيه ديون الناس، وحين وقعت عيني على اسمه، لم أتمالك نفسي، وتحاذرت دموعي على خدي، لأن الرجل انتقل إلى جوار ربه بعد يومين من أخذه البصل والطماطم، فأخذت القلم وشطبت اسمه وسامحته لكنني مشتاق إليه كل الشوق، أتمنى لو يعود إلى المحل كي أسامحه عن ديونه وهو حي يرزق، لقد تركني هذا الرجل في لوم شديد مع نفسي، فلماذا قسوت عليه؟ ولماذا جرحت مشاعره؟ ولماذا أسمعته من الكلام ما يؤذيه؟ ولماذا اضطررته أن يترجاني لأخذ بعض مستلزمات بيته البسيطة؟

لست أدري، لكن صورته تحضرني دائمًا وهو خارج من محلي يحمل في يديه كيس البصل والطماطم وهو منكس الرأس.