آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

كورونا تعيدنا لذاتنا الحقيقية

عيسى العيد *

قسم الطبيب النمساوي سيغيسموند شلومو فرويد كيان الانسان إلى عدة ذوات بخلاف القدماء من قبله الذين يرون الانسان ذاتا واحدة، إذ يقول بأن للإنسان ثلاث ذوات الحيوانية والذات البشرية والأخيرة الذات المثالية. يرى بالإضافة إلى ذاته البشرية هناك ذاتين أخريين الأولى تريد أن تنزل بمستواه إلى مستوى الحيوان والأخرى تريد أن تصعد به إلى مستوى الملائكة، وقد خصص لذلك عقلين الباطن والظاهر.

فرويد يرى بأن الذات الحيوانية كلها لا شعور ويغلب عليها دافع التلذذ والألم وهي التي تدفع بالإنسان إلى غاياته المنحطة لأسفل السافلين، بخلاف ذلك كله الذات البشرية التي يعتبرها بأنها شعورية وواعية ويغلب عليها المراوغة أو كما يعبر عنها بالنفاق، فهي ذات تشعر بالقيد الاجتماعي ومراعاته التي مكن عليها الذات المثالية التي يطلق عليها الضمير الذي يستمد قوته من العقائد والتقاليد الاجتماعية. لذلك تراه يتلون بلون المجتمع ويميل حيث ما مال إليه ولذلك فإن الضمير يختلف من مجتمع إلى مجتمع أخر، كذلك فإنه لا يتساوى الضمير أو الذات المثالية بكل الأزمنة. مثال على ذلك كان الرق في الزمن الماضي أمر طبيعي لكنه في وقتنا الحاضر لو استعبد احد اخر لترى الذات المثالية تلعب دور اللائم على فعله بعكس الماضي كان الاستعباد امر طبيعي وقس على ذلك كثير من الأمثلة.

لذلك لو تسيدت قيم ما في مجتمع ما، سوف تكون الذات المثالية على حسب تلك المثل التي تقيد بها المجتمع وبدورها تساعد في كبح وجموح الذات الحيوانية التي تنزل بمستوى الانسان كذلك تساعد في علو شأنه من خلال الذات البشرية. إذا سادت الحرية واحترام الأخر والعدالة ورفض العداوات المختلفة وتبني الأخلاق السامية بين الناس سوف تتعدى البشرية كثير من مشاكلها.

فمن المؤكد أن الحروب الكلامية، أو التفجيرات المفخخة بالأحزمة الناسفة وغيرها التي باتت هي المسيطرة على الناس، وصارت كرامة الاخرين مسحوقة حيث يتقرب كثير من الناس بالألفاظ القبيحة ولا رادع من نفسهم يقف عائقا من أفعالهم، بل يعتبرها بطولة يستحق بها التكريم من الله والناس جميعا، كل ذلك صار بسبب غياب المثل العليا بين الناس.

من المفترض أن وباء كورونا «كفيد 19» الذي جثم على الخلق جميعا بدون تمييز بينهم، أن يعيدنا إلى قيمنا الإنسانية، ويخلق فينا روح الاخوة بلا فارق بيننا. فالناس جميعا إما اخوة في الدين أو نظراء في الخلق ولابد من المبادرة لجعل المثل العليا هي خط دفاعنا أمام كل التحديات والصعوبات المختلفة، كذلك علينا سن أنظمة جديدة تساعدنا على التعود على احترام بعضنا لكي نتمكن من إنتاج الروح البشرية الحقة.

خلاصة القول أن الذات المثالية تنتعش وتستمر في محاربة الذات الحيوانية التي بدخلنا، وترفع من مستوى الفرد من خلال القيم التي تتمثل في أي مجتمع وتنشئ علاقة خاصة في كيان الإنسان الذي ينقسم إلى ثلاث ذوات بحسب ما قاله فرويد.