المشايخ والخطباء في مواجهة كورونا
تصدرت في الآونة الأخيرة دعوات توجّه لوقفة تضامن مع المشايخ والخطباء المتضررين من أزمة كورونا، وهي بحق دعوات تستحق الاستجابة لها.
وهنا أبدي رأيي المتواضع في هذا الجانب، وقبل ذلك أذكر حدثاً حصل قبل سنوات في أحد مساجد المنطقة حيث كان التكييف في المسجد لا يكفي لتبريد المسجد خصوصاً مع تزاحم المصلين في يوم الجمعة؛ فما كان من إمام الجمعة إلا أن يطلب تعاون المصلين لحل مشكلة التكييف، وما لفت انتباهي نباهة إمام الجمعة حيث قال بكل صراحة ووضوح نحن لا نريد جمع تبرعات، يكفي أن يتكفل أربعة من المتمكنين كل واحد يتكفل بشراء مكيف، وتكفّل هو بشراء مكيف وطلب أن ينبري ثلاثة للتكفل بالباقي؛ وأشار بدوره أيضاً إلى أحد المصلين وهو مسؤول في الشركة السعودية للكهرباء «سكيكو» لتذليل عملية تركيب المكيفات؛ وبالفعل لم تأت الجمعة القادمة إلا وقد تم تركيب المكيفات الأربعة في زوايا المسجد.
ما أريد أن أخلص إليه من هذه الحادثة هو أن وقفة التضامن مع المشايخ والخطباء لا يمكن تلبيتها من خلال جمع تبرعات متناثرة هنا وهناك، وكل شخص يدفع بقدر استطاعته قليلاً أو كثيراً.
أولاً - كبار العلماء في المنطقة، وهو الأعرف بظروف المشايخ والخطباء من حولهم، وحيث أن هناك مصادر للحقوق الشرعية فيتم تخصيصها في هذه الأزمة لسد احتياجات المشايخ والخطباء المتضررين.
ثانياً - رجال الأعمال في المنطقة الذين يمكنهم أن يقوموا بدور بارز في هذه الأزمة.
ثالثاً - أصحاب المآتم والأوقاف الكبيرة، فكل مأتم أو وقف كبير في المنطقة يتفقد المشايخ والخطباء المتضررين والذي لهم دور في إحياء المناسبات الدينية ضمن ذلك المأتم والوقف.
بذلك يمكن أن يتم الوقوف بوجه هذا الضرر الذي يواجهه عدداً من المشايخ والخطباء.
أولاً - إحياء المناسبات الدينية عبر العالم الافتراضي «الإنترنت» وقد شهدت منطقتنا تجارب واسعة على هذا الصعيد، وبهذا يستمر دور الخطباء ولا ينقطع مصدر رزقهم، يكفي منهم فقط الدخول إلى هذا العالم، وأعتقد أن ذلك أصبح في متناول الجميع في وقتنا المعاصر.
ثانياً - استمرارية الدروس الحوزوية عن بعد، كما حصل ذلك للتعليم فلماذا لا يكون ذلك للحوزة العلمية أيضاً، خصوصاً وأن التقتية الحديثة في متناول الجميع، ويمكن من خلال ذلك استمرار المردود المالي للمشايخ والخطباء باستمرارهم في حضور الدروس الدينية.
ثالثاً - الاستفادة من الفضاء الافتراضي في تقديم برامج ذات مردود مالي ولو رمزي، وهذا يتطلب التعرف على الآلية لتحقيق ذلك، ولن يكون عسيراً لمن لديه توجه.
وأختم حديثي بالإشارة إلى نقطة مهمة ينبغي للمشايخ والخطباء المتضررين الالتفات إليها، وأن تكون هذه الأزمة سبباً في تغيير أسلوب حياتهم. وهنا أذكر حديثاً خاص مع أحد المشايخ وكان يعمل معلماً إضافة لكونه من شيخاً، وحين سألته عن سبب توجهه للتعليم إضافة لكونه من طلبة العلوم الدينية قال بضرسٍ قاطع: أحب أن أعيش بما أكسبه من عملي، ولا أقبل لنفسي مطلقاً أن آخذ ريالاً واحداً من الحقوق الشرعية.
وهذه رسالة لجميع المشايخ والخطباء بأن يكون لهم عملٌ آخر إضافةً لكونهم يمارسون الدعوة والإرشاد والخطابة، ومجتمعنا فيه الكثير من المشايخ والخطباء في التعليم، وبعضهم في التجارة، والبعض الآخر في التأليف، وغير ذلك مما يُكسب الشيخ والخطيب ما يمكّنه من تحقيق حياة كريمة، وسيرة أهل البيت تزخر بذلك، فهذا أحدهم يرى الإمام الباقر مع تقدمه في العمر وهو يعمل في وقت الظهيرة، فحين سأله عن ذلك، أجابه الإمام : إني أحب أن يراني الله وأنا أتعرض لرزقه.