آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

الحسّاسون

موسى الخضراوي

منّا من يراقب نظرات الآخرين، أو كلماتهم، أو ابتساماتهم فضلًا عن تصرفاتهم العامة والخاصة، ثم يضع نفسه - بقصدٍ أو بدونه - محلًا للإهانة أو التصغير أو الإهمال منها. بمعنى أن البعض منا يشعر أن الآخرين يتعمدون التمييز في التعامل بينه وبين سواه وعادة يضعونه في ذيل الركب.

نحن نرى أن أغلب الناس طيبون، ويتعاملون بعفوية تامة؛ لهذا فمعظم سلوكياتهم أو أقوالهم بعيدة تماما عن إلحاق الأذى بالآخرين أو المساس بمشاعرهم، وإن بدر منهم خللٌ ما يكون عادة عفو الخاطر دون شعور أو التفات، ولهذا ينبغي عدم الوقوف عند زلتهم أو اصطيادها والتربص بها.

قد يكون الباعث للحساسية طهارة القلب، أو بساطة التفكير، أو الجهل بأدوات التقييم البشري للأشخاص، أو الحب المفرط المبني على الأحلام الوردية الخيالية.

الحساسية قد تكون شعورًا داخليًّا بالنقص عند الإنسان يتحول فيما بعد إلى مرض يفسد ذات الإنسان، ويفسد علاقاته الاجتماعية الخاصة والعامة.

أغلب الناس يكفيهم ما فيهم من همومٍ ومصائب، وليس لديهم القدرة على تحمل ما لا يطاق، فلا تُحَمِّلوا أنفسكم والآخرين ما لا يحتملون بأوهام ليس لها من الواقع مكان.

الحب يوجب الصفح والتجاوز والتغاضي عن الأحبة والأرحام، وإلا فهو سراب يحسبه الظمآن ماء؛ يطلق عليه سراب الحب.

نحن لا ننفي وجود فئة قليلة تتعمد أذى الناس أو تهميشهم أو تسقيطهم وهم المتكبرون، لكن وجودهم نادر في المجتمعات الإنسانية الراقية، ولا يعوّل عليهم لندرتهم.

من الثابت لدينا أن هناك فئة قليلة من الناس تؤذي الآخرين عند المنافسة وارتفاع سقف النرجسية لأن «عدو المرء من يعمل عمله» ويبدر منهم التصغير والتهميش يشاركهم في ذلك مجموعة من أعداء النجاح من مرضى القلوب الذين ﴿في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا، وهم الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. هذان الفريقان لا يدخلان تحت دائرة الحساسين بحال وإن اشتركا معهم في أذى أنفسهم والآخرين، غير أن البواعث القلبية مختلفة.

أحيانا كثيرة يتجنب البعض الدخول في علاقات ودية عميقة مع الحساسين تقديرا لهم واحتراما لمشاعرهم من جانب، وابتعادا عن كل ما يكدر صفو الحياة من جانب آخر.

وعليه؛ حاذر أن تكون من الحساسين بأية حال وتحت أي مبرر حتى تحفظ نفسك وأرحامك ومن تحب.

اجتهد قدر ما تستطيع لتحويل بوصلة هذه الحساسية القلبية من الجانب السلبي إلى الجانب الإيجابي باستشعار وتذوق جمال الكلمة العذبة، وطهر النظرة الجميلة، وكمال الأفعال الحسنة من قبل الآخرين بروحك وكل مشاعرك، ثم اغرسها بذورا في قلبك لتصبح أشجارا وارفة تظلك وتظل أحبابك، وتحيل قلبك وحياتك واحة غناء يعشق الوصول إليها كل جميل.