وداعا كورونا
يبدو أن كورونا لا يزال يسعى حثيثا كي يسيطر على حياتنا ويستحوذ على أنفسنا. فهو يدفعنا دفعا ويهددنا بالقتل أو المرض إن لم نفعل ما يريد منا فعله. ولشدة بطشه وحدة سيفه أطعناه خانعين وامتثلنا لأوامره خاضعين. فها نحن ذا نكتب له وعنه ونقول على لسانه ما يريد منا كتابته وقوله ونظل نفكر فيه طوال الوقت خائفين مذعورين.
وعندما نتصفح ونشاهد كل وسائلنا الإعلامية ووسائل تواصلنا الاجتماعي، فإننا سنجد أن الحديث عن كورونا هو القديم الجديد. فعناوين أخبارنا وأشعارنا ونثرنا كلها تنضح بالإشارة إليه والإشادة به وبجبروته. فكورونا استكتبنا وأملى لنا كل ما يريد وما نحن إلا موالون مطيعون له وآلات يتحكم فيها متى وكيف شاء دون وعي منا. فتارة يجعلنا نكتب النكت والفكاهات والقصص الطريفة عنه، وتارة يدفعنا لكتابة الشعر في مدحه والتهويل والشكوى منه. وفي كثير من الأحيان يسوقنا للكتابة عن حياته اليومية ومستجداتها وما يمكننا القيام به لاستقباله أو ما يمكننا فعله لاجتنابه وملاقاته. ولكن وفي كل الأوقات والأحوال فإنه يدفع أقلامنا بحد سيفه إلى أن نكتب التهاويل عن شدة بطشه وفتكه بمن يصادفه في طريقه أو يتهاون في الوقاية منه.
وبالرغم من أن العالم كله بما يمتلك من طاقات وقدرات في حرب ضروس ونزاع مستمر معه إلا أنه لا يزال صامدا إلى أن نركع ونسجد له ونجثو تحت قدميه. فهو ولاشك يريد أن يستولي على الكوكب التي استخلفنا الله فيه وينسبه إلى نفسه ليصبح اسمه الجديد ”كوكب كورونا“ بدلا من كوكب الإنسان.
لا أظن أن أحدا منا يريد أن يتخلى أبدا عن كوكبه الذي أودعه الله إياه أو يعيده إلى الله دون أن يكون نظيفا طاهرا من كل ما يدنسه من كورونا وأحقاده وأتباعه. ومن هنا فلابد لنا جميعا أن نجرب أسلحة جديدة لم تخطر على بالنا ولم نجربها قط مع هذا العدو الجديد الذي لم نعهده من قبل أو لم يكشر لنا عن أنيابه قبل الآن. ولذلك وقبل أي شيء؛ ينبغي علينا أن نخمد كل أسلحته التي غفلنا عنها والتي، للأسف، قمنا ولا نزال بإشهارها من خلال ما نبثه في وسائل إعلامنا وما نستقبله منها. فكلنا لا نتوانى عن الكتابة عن هذا العدو حتى أضحت المعلومات عنه ملكا مشاعا لكل من يستطيع القراءة من متخصصين وغير متخصصين. وهذا ما جعل المعلومات عنه تصل إلى حد التخمة نوعا ومقدارا لتصبح تماما كالمعلومات العامة التي يعرفها كل أحد. وأكاد أجزم بأن السلاح الذي أهملناه هو التعايش مع هذا العدو الذي يشكل التجاهل والتغافل عنه والتناسي له والوقاية منه في الوقت نفسه جزءا كبيرا من كيانه. فبدلا من أن نظل قابعين في مرحلة الخوف السلبي منه، علينا لزاما أن نتجاوز هذه المرحلة لنصل إلى مرحلة الخوف الإيجابي. فعلينا تجاهله وتحييده وانتزاعه من حياتنا اليومية مثلا بغلق النوافذ في وجه كثير من الوسائل التواصلية التي تروج له والتي، غير مدركة، تمكنه منا. وحري بنا أيضا أن نوطن أنفسنا ونطمنها بأن الغلبة لنا والنصر حليفنا وأننا لن نسمح له بأن يعرقلنا ويؤخرنا عن أهدافنا السامية. إن إعمار الأرض وأنسنة الحياة على هذه المعمورة هي غايتنا التي لن نفرط فيها أبدا ولن نسمح لهذا الفايروس الهزيل بأن يسلبها منا أو يؤخرنا عنها. فالمضي قدما وتجاوز المرحلة وإذكاء الأمل في نفوسنا والتخطيط لحياتنا معه ولمستقبلنا بعده هو السلاح الفتاك الذي ربما لم نجربه بعد. فدعونا نجرب هذا السلاح الذي قد نكون به خصما عنيدا وندا شرسا لذلك الفايروس إلى أن نطرده من حياتنا قائلين له مبتهجين: وداعا يا......!