آخر تحديث: 5 / 12 / 2024م - 12:40 ص

القراءة بين الورقي والإلكتروني

ابراهيم الزاكي

هناك من يتخوف من التأثيرات السلبية لأجهزة التكنلوجيا الحديثة على الأجيال الجديدة، وما يتدفق عبرها من مواد إعلامية ومعلوماتية تحتوي على مضامين سلبية، وهو الأمر الذي له ما له من انعكاسات مضرة على مستقبلهم. بالإضافة إلى أن هؤلاء غير مقتنعين بفاعلية هذه الأجهزة في تشجيع الأبناء على عادة القراءة، لكون القراءة ليست من اهتمامات وأولويات الأسرة العربية، فضلاً عن ضعف جودة التعليم الراهن في المجتمعات العربية، والذي لا يربي هذه العادة في نفوس الطلبة ويشجعهم عليها.

غير أن ”عائشة بنت بشر“ تخالف ما ذهب إليه هذا الرأي، مشيرة إلى "أنّ مستقبل أبنائنا ليس مظلماً في ظل هيمنة التكنولوجيا، ودخولنا عالم التقنية، كما يُخيَّل لبعضهم؛ بل هو مضيء؛ وذلك إذا أحسنّا استثمار التقنيات التكنولوجية استثماراً صحيحاً؛ ووظّفناها في خدمة أبنائنا، وجعلناها أداة للتقدم والتطوير بدلاً من أن تكون سلاحاً لقتل الوقت، ونشر الأفكار الهدامة؛ لأنّ التكنولوجيا في رأيها أداة وسلاح ذو حدين، ويمكن أن تغدو مُضرَّة إذا لم نُحسِن توظيفها بشكل صحيح.

وأضافت بأنّ محتوى الكتاب لا يزال موجوداً على الإنترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الذكية، ومواقع المكتبات الرقمية، وينبغي أن نُعلِّم أبناءنا كيف يستفيدون منه، ويحصلون عليه بسرعة بعد أن كان الوصول إليه في الماضي صعباً، ويستنفد وقتاً كثيراً وجهداً كبيراً. ونبهت إلى أنّ عالمي الذكاء الاصطناعيّ، والتطبيقات الذكية، يقدمان لنا خبرات وكفاءات إضافية يمكن أن نستفيد منها، ونجعلها أداة للتطوير، بدلاً من أن تكون أداة تخلف.

وأشارت إلى أنّ دُور النشر التقليدية يجب أن تفكر بطريقة ذكية تتناسب مع التغيرات التي حدثت في عالمنا المتسارع، وأن تعمل على نشر كُتبها بوسائل غير تقليدية، بعد أن كانت تعتمد في الماضي على الطباعة الورقية فقط. وختمت حديثها بقولها: علينا أن نقتنع بأن العالم تطور من حولنا، وينبغي أن نطور من أدواتنا التي نعتمد عليها؛ للوصول إلى المعلومة والكتاب بعد التغيرات المتسارعة التي حصلت من حولنا، وطاولت كل شيء في حياتنا، ولم تقتصر على آلية حصولنا على المعلومة فقط". «1»

لقد كانت الكتب المطبوعة ورقياً، أو المكتوبات الورقية بشكل عام، كالصحف والمجلات، منذ زمن ليس ببعيد تكاد تكون المصدر الوحيدة للثقافة والمعلومة، والوسيلة المتاحة في ميادين المعرفة للتزود بالمعارف إلى أن جاءت ثورة التكنولوجيا في الزمن المعاصر، والثورة المعلوماتية الهائلة التي نشهدها اليوم، فتعددت وسائل الحصول على المعارف وتنوعت، بل وتنافست فيما بينها لتقديم المعرفة للراغبين في الحصول على المعلومة، أو المهتمين بتحصيل الثقافة.

وفي ظل هذه الثورة المعلوماتية الهائلة التي نشهدها اليوم، وفي عصر التحولات المعرفية والرقمية الكبيرة، أصبح لزاماً تشجيع الناشئة على حبّ المطالعة، واقتناء الكتب النافعة، سواء كانت كتب ورقية، أو كتب الكترونية، فالقراءة هي القراءة، والكتاب هو الكتاب، لم يتغير فيهما سوى طريقة الوصول للمعرفة، أما التأثُّر والتأثير فيعتمدان على قدرة الكتاب المقروء على مخاطبة العقل والعاطفة وإشباع الميول الثقافية.

إن الأمم الحية المتيقظة تسعى إلى تشجيع القراءة ونشر العلم بمختلف الوسائل والأساليب، وتضع الخطط والبرامج المختلفة التي تشجع الناشئة على حب المعرفة، وعشق القراءة، وتحفزهم عليها، مع الحرص على تعليمهم طريقة اختيار الكتب ذات القيمة النافعة، والمحتوى الإيجابي. فالكتب تحمل كسواها جوانب متعددة، فهي قد تكون مصدر تثقيف إيجابي، وقد تكون مصدر تثقيف سلبيي، فارغة المضمون، ومن دون محتوى نافع.

خلاصة القول سواء كانت وسيله القراءة إلكترونية، أو تقليدية ورقية، فالأمر سيان، المهم هو المحتوى والمضمون. فالمحتوى لا يتغير بتغير طريقة التلقي والسبل المستخدمة للوصول إليه. لذلك من الضروريّ الحرص على توجيه الناشئة لمعرفة أولويات القراءة، وتشجيعهم على اقتناء الكتب المفيدة، وكيف يتم اختيارها، بحيث تكون من ذوات القيمة النافعة، والمحتوى الإيجابي. فقراءة الكتب تفيد العقل وتغذيه، وتمد قارئها، ليس فقط بالمعارف والمعلومات، بل تمده بالتجارب والرؤى والدروس الحياتيّة النافعة، إذ لا شيء يمكن أن يفيد الإنسان أكثر من الفائدة المحصّلة عند طرق قراءة الكتب. فهي كالصديق المقرب له تأثيره في حياة المحيطين به، سلباً، أو إيجاباً، ويساهم في تغيير مسار حياتهم.

أخيراً يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً في ختام هذه المقاربة: هل المشكلة المطروحة حول موضوع القراءة هي التنافس بين الورقي والرقمي، وأنّ تراجع الإقبال على معظم المكتوبات الورقية سببه الرئيسي وسائل الإعلام والإنترنت والثورة المعلوماتية الهائلة التي نشهدها اليوم، أم أن المشكلة تكمن في حالة العزوف عن القراءة من الأساس، وضعف الإقبال عليها، سواء كانت ورقية أو رقمية، وأن أجيال هذا الزمن بحاجة لتتكرس لديها ثقافة القراءة، بغض النظر عن الوسيلة والطريقة التي يتم استخدامها؟

1 - التكنلوجيا الحديثة لا تهدد القراءة. نجاة الفارس. جريدة الخليج الإماراتية. 27/04/2019