الطفولة بزمن كورونا
رأيت ولديي الأصغر سنا اللذين ما زالا في عمر الطفولة جالسين كأنهما يندبا حظهما، لأن أخوهما الكبير أخذ منهما الأجهزة التي شغلتهما أكثر ببداية الحجر المنزلي، كانت وجهة نظري معارضة لسحب الأجهزة، مدفعوة بشعور الأب المختلف عن أخوهما الكبير، نظرت لهما طفلين في زمن استثنائي، الطفولة في زمن فيروس كورونا الجديد «كوفيد19» حالة خاصة وينبغي أن ننظر للطفولة بهذه الفترة بنظرة مغايرة، بالرغم من صعوبتها على الكثير في كيفية التعامل الملائم بحالة طارئة وأزمة لم تخطر على بال الأطفال ولا على الوالدين، الأب واقع بين غريزته الأبوية الحنان والعطف وبين حرصه وخوفه على أولاده، ولا سيما من هم في عمر الطفولة، أي أسلوب مناسب يمكن اتباعه معهم، الأب أكثر ما يمتعه شعوره الأبوي وعلاقته القوية بأطفاله، يراهم يمارسون ألعابهم ويتجهون لهوايات تفرضها طفولتهم وأعمارهم، لا يرغبون من أحد يسألهم، لماذا تحب هذه اللعبة أو ترغب بأداء هذه الهواية؟، أجمل ما في الطفولة البراءة والسلوك العفوي بالبيت وبالشارع، الطفل مبدع بتصرفاته التلقائية ومبتكر بحركاته التي لا يهمه تفسيرها من الآخرين، طبيعة الطفولة الأداء البريء، لا يهمه ألم الآخر، حتى أن أصابه وجع أو مرض لا ينظر له كما ينظر الكبير، يرى والديه يتألمان لكن هو يستمتع بالاهتمام وبالدلال، هذه الطفولة لغة الإنسان العامة وقاسم البشر على اختلاف معتقداتهم ولغاتهم، تبرز معاني الطفولة لدى الأم أكثر، تجد حياتها في أبنائها وخصوصا بعمر الطفولة، الأم لغتها الأولى الطفولة، وجل حياتها مرتبطة بالطفولة، مفرداتها مترجمة من عالم الطفولة منذ أن يكون نطفة في احشائها، تتخيل ألوان ملابسه، وتستمتع بأشكال ازيائه ويسعدها حركاته وقفزاته.
هذا الاحساس الطبيعي للوالدين في الحالات العادية المألوفة، فكيف بحالات الأستثناء لهما ولأطفالهما.
التربية المثالية في زمن كورونا الاستثنائي لا اعتقد تناسب في زمن تغيرت برامج الدول والهيئات والمؤسسات الصحية والتعليمية والتربوية بكل العالم، ليس من السهل أن يفرض الوالدان على أطفالهم برنامجا مثاليا في ظروف لم تكن بالحسبان، الطفل وجد نفسه بدون مدرسة الذي اعتاد أن يتعلم مع زملائه في المدرسة لمدة 6 ساعات تقريبا، يزور منازل أقاربه ويجلس مع أقارنه يلعب معهم ويتكلم معهم يمارس هواياته وألعابه في الشوارع والأماكن العامة بحرية، هذه الممارسات فقدها بهذه الفترة.
الأسرة بوقت تغير برنامجها الطبيعي الذي اتبعوه مثل زيارات وطلعات لمطاعم ومتنزهات ومرافق عامة، وبعض العوائل تسافر لمدن داخل الوطن بدون خوف من عدوى أو مرض، هذا التحول ليس من السهولة التأقلم معه ووضع برنامجا مثاليا خصوصا للأطفال الذين من طبيعتهم ممارسة هواياتهم بدون رقابة، ويستمتعوا بأجهزتهم بدون مسئولية، كمسئولية الآباء والأمهات.
هذا لا يعني الاستسلام للظروف القسرية لكن المقصود عدم المبالغة في المثالية واتباع أساليب اجبارية ليكفيوا اطفالهم ببرامج محددة في وقت متغير بظروفه، قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
كذلك لا نعني في هذه الفترة ترك الحبل على الغارب لكن التدرج في تدريب الأطفال والتلاميذ بين دراسة عن بعد وتعريفهمم ببرامج تدريب ذاتي بمرونة، الرقابة الشديدة للطفل ومحاسبته على كل تصرف وهو يعيش بين جدران بشكل قسري غير مجدية، ينبغي مراعاة أن الأطفال يعيشون في واقع به رهبة يسمعون كل يوم ما يزيد من خوفهم، ولا يمكن تغييب المعلومات والأخبار عنهم، فهم يحملون أجهزة ذكية يجيدون التعامل معها أكثر من الوالدين تصلهم المعلومات من عدة تطبيقات.
يصعب على الأسرة وحدها أن تتعامل مع هذا الواقع بدون المؤسسات التربوية المتخصصة والمستشارين في التربية الأسرية والاجتماعية، لهم أدوار مهمة في نشر الارشادات المبسطة والتعليمات السهلة للتعامل مع الأطفال، هذا زمن مراكز الارشاد الأسري ومهارات التعامل مع الأسرة للاستشارات المجانية، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية.
ندعو الله أن يحفظ الجميع وأن لا تطول هذه الأزمة، أفضل ما يعمل الآن التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع والجهات المختصة للتخفيف من الآثار السلبية على الأسر وخصوصا الأطفال.