آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:35 م

فأوُوا إلى الكهف

صباح عباس

في ظل هذه الرياح العاتية الموبوءة بسموم المرض وانتشار الوباء وقوافل الموتى والخوف والفزع، يحتاج المؤمن إلى العزلة الوقتية وإلى الخلوة والإنقطاع لِيُبحر في عالمه الداخلي ويشحن روحه بومضات من التأمل والصفاء والروحانية.

ففي الكهف يُولد الإنسان القوي من الداخل وتولد لديه الملكات النورانية والإمكانات الروحية الخلّاقة، ولنا في قصة رسول الإنسانية محمد ﷺ في غار حراء حكاية عشق وبداية مسيرة!

كان نبي الأمة يعتزل في الغار شهر رجب من كل عام ليكون مع نفسه من الداخل بعيداً عن رياح الوثنية والكفر والإلحاد وبعيداً عن الإنحرافات الفكرية والضوضاء والجهل.

لقد كان يجد في العزلة روحه الواثقة بربها يشحنها بالروحانية والقداسة في أجواء مُشبعة بالأمن الداخلي والسلام والطمأنينة،

وكانت هذه الأجواء تمده بالطاقة والقوة والإصرار والعزيمة.

لقد شكلت تلك العزلة الأرضية الخصبة في بناء شخصيته العملاقة وأعدته فيما بعد ليكون مُلهماً ورسولاً وقائداً لمشروعه الإصلاحي الضخم وأنجازاته العظيمة

اليوم تمنحنا إرادة السماء هذه الهبة الربانية وتسوقنا الأقدار إلى هذه العزلة قهراً بالبقاء في منازلنا وكهوفنا، بعيداً عن تصدعات جائحة كورونا وهواجسها وأخطارها.

إنها الرحمات الإلهية التي تشملنا دوماً وتبعدنا عن نار الوباء ومخاطره لنكون معه تعالى في أجواء خاصة بل شديدة الخصوصية!!

لقد اشتاق تعالى إلى دعائنا ومناجاتنا وتوسلنا ودموعنا وأصواتنا المبحوحة!!

إشتاق إلى قيامنا وركوعنا وسجودنا وصرخاتنا وتضرعنا، فلنستغل هذه الفرصة الذهبية في هذا الوقت الذهبي فنحن في شهر شعبان حيث تحلو المناجاة وتحلو ترانيم الدعاء بأصوات التسبيح والتهليل والتكبير فلننفتح على خالقنا ونتعهد أنفسنا بالتربية والتهذيب ونسقيها بماء التوبة والإنابة ونبحر في أعماقها من الداخل فالعملية ليست سهلة!

بل هي عملية صعبة وشاقة وتحتاج إلى تنقية وتصفية وبناء جذري في العمق لنأوي إلى الكهف ونصنع أنفسنا من الداخل ونبني إنموذج الإنسان المؤمن المنفتح على نفسه والمتصل بخالقه لتشملنا ألطاف ربنا ورحمته وبركاته.

قال تعالى: ﴿فأوُوا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مِرفقاً