فيروس كورونا ورسالته بالحياة
أنه عصر فيروس كورونا الذي لا يرى بعين ولا يشعر به أحد، يأتيك رسولا خفيا يوقظ فيك ما غفلت عنه وتبلد حسك بسبب الغرور، يختبر الإنسان ويسأله، هل بالعقل والعلم فقط تعمر الحياة؟، وإن الرفاهية والسعادة فيما تحمله اليد ويرتديه الجسد، وأن الجمال ما تستمع به العيون، بعد هذه الإنجازات والإبداعات على مدار التاريخ، ألا ترى في غمضة عين تبدد ما جمعته أيها الإنسان طوال السنيين وبان عجزك في لحظة اختناق النفس وتوقف الحياة من كائن خفي يعجز البصر عن معرفة كنهه، متجدد بالسلالة إذا سكن الخلية، فبغذاء الإنسان ينمو، ومن خلاله يتم الموت والفناء.
”مسكين ابن آدم مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقة وتقتله الشرقة“، تذكرت هذه الكلمات العظيمة والمفيدة التي توقظ فينا سبات الأنا، وتلفت نظرنا على ما تبلد حسنّا عليه ونسي، ركنّا إلى ما يمتعنا بالدنيا، ويضخم فينا الأنا ويضعف بداخلنا المشاعر لمن حولنا، ينسينا أن هناك أناس يتألمون وجيران للمساعدة والغذاء أحوج، ملئت البطون وسهينا عن المريض المسكين، تمتعنا بما لذ وطاب وغفلنا عن الطفل اليتيم، غمرتنا أفراح الدنيا حتى أغمضت عيوننا عن المحروم من الكلام الجميل، التسامح فينا معدوم والخطأ يجازى بالعقاب والانتقام، الابتسامة للكبير ولا ضحكة في وجه المريض السقيم، قرأت الكثير عن فيروس كورونا الجديد الذي لا يرى بالعين المجردة، تيقنت أن هناك ما هو صغير ودقيق يذل المتكبر ويلقن المغرور ويعطيه درس كبير، تساءلت في نفسي لماذا فيروس كورونا اختص بالجهاز التنفسي، ربما أراد أن يذكرنا بالقواسم المشتركة منها الهواء الضرورية للحياة، ولماذا فيروس كوفيد 19 يعطل الكلى لأنها تصفي ما هو أهم للإنسان وبه كل شيء حي، أثار في نفسي لماذا أجبر الناس على الحجر المنزلي حتى نعرف أن هناك جيران وأقارب يحتاجوا السؤال والزيارة كل حين، محيرة خصائص هذا الفيروس التي يعدي عند المصافحة، ربما لأننا لا نصافح ألا الغني الذي منه نستفيد.
هذا هو فيروس كورونا يجبرنا ويدفعنا لغسل وتعقيم الكفين إذا أردنا السلامة منه، فباليدين نكدح ونعمل وأحد أسباب الرزق والأكل والشرب، إذا لم تكن اليدان طاهرتان فكل ما يدخل جوف الإنسان يسبب له الأذى والعدوى والداء، لليدين علاقة بالفم والغذاء وللهواء مصدر النفس والحياة يدخل بواسطة ما يعتبر علامة الأنفة والكبر يرغم ويذل بها إذا صعر خده ولم يتواضع للصغير ويجل الكبير، أيها الإنسان ابتسم لغيرك وقلبك ينبض بالصدق ويجري الدم في الشريان كتدفق المشاعر لحب الآخرين،
لا سبيل لك أيها الإنسان إلا بالمراجعة الذاتية وحساب الأعمال والاهداف والنيات وهذه تتطلب منك العزلة والتأمل بالجلسة والأنعزال والبقاء في محراب الذكر والعرفان، تأمل فيما تأكل وتشرب وراجع ما تقول وتتنفس به، بيدك لوثت الهواء وجنيت ثمار الطمع وما اعتبرته إنجاز العقل والإبداع، اعتقدت أيها المتكبر كل شيء يمكن تحقيقه بالعلم والتدبر والتفكر ولا داعي للإيمان، أليس العزلة بداية التأمل والعودة للذات؟.
أيها الإنسان أردت الإنجاز والإبداع على حساب الطبيعة ونسيت أن من الكائنات والأشحار ما فيها لك من وقاية وحماية، لوثت الماء والهواء بيدك وجاء الوقت أن تغطي كفك ولا تسبب الدمار، طمعت كثير وأردت استثمار كل ما ترى وتسمع به بالتخطيط وفاجأك ما لم يكن بالحسبان.
كل يوم هذا الوباء يلقننا موعظة وعبرة ومنها التأكيد على العزلة والتفكر فيما مضى لنحاسب أنفسنا بما خطأنا في حق أنفسنا وأرتكبنا الكثير من الزلل والآثام، لعلنا نعود إلى طفولتنا البريئة وإنسانيتنا الفطرية الجميلة ونحمل شعار الصفح والعفو، ونتأكد أن الأخوة هي الأصل ونترك العباد لرب الجن والإنس فهو الغفور الرحيم المدبر العزيز يغفر الذنب العظيم.
خلاصة الكلام ما قاله أمير المؤمنين وأمام المتقين والموحدين:
دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك فلا تبصر، أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر، وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر.
فكم لله من لطف خفي يدق خفاه عن فهم الذكي؛ وكم يسر أتى من بعد عسر ففرج كربة القلب الشجي؛ وكم أمر تساءُ به صباحاً فتأتيك المسرة بالعشي؛ إذا ضاقت بك الأحوال يوماً فثق بالواحد الفرد العلي؛ ولا تجزع إذا ما ناب خطبٌ فكم لله من لطفي خفي.