الإمام زين العابدين وتعظيم القرآن
من الأمور المهمة التي كانت تحظى بعناية واهتمام الإمام علي بن الحسين زين العابدين عنايته الخاصة بالقرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً، ونشر المعارف والثقافة القرآنية بين الخاصة والعامة.
وقد كان الإمام زين العابدين يتعاهد القرآن ويحث على تعاهده، ويوصي أصحابه وتلامذته وشيعته بالعناية به، وبقراءته وتلاوته والتدبر فيه، والعمل بما جاء فيه من أحكام فقهية ودينية، وتعاليم ووصايا وإرشادات قرآنية، ووجوب الالتزام بأوامره واجتناب نواهيه وزواجره.
وكان الإمام زين العابدين يعظم القرآن الكريم ويحث على تلاوته وقراءته والالتزام به، فقد روي عنه قوله: ﴿عَلَيكَ بِالقُرآنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الجَنَّةَ بِيَدِهِ لَبِنَةً مِن ذَهَبٍ ولَبِنَةً مِن فِضَّةٍ، وجَعَلَ مِلاطَهَا[1] المِسكَ، وتُرابَهَا الزَّعفَرانَ، وحَصاهَا اللُّؤلُؤَ، وجَعَلَ درَجَاتِها عَلى قَدرِ آياتِ القُرآنِ؛ فَمَن قَرَأَ القُرآنَ قالَ لَهُ: اقرَأ وَارقَ، ومَن دَخَلَ مِنهُمُ الجَنَّةَ لَم يَكُن أحَدٌ فِي الجَنَّةِ أعلى دَرَجَةً مِنهُ ما خَلَا النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ﴾ [2] .
وكان يحض على قراءة القرآن، ويرّغب الناس في تلاوته ببيان الأجر والثواب لمن يتلو كتاب الله المجيد، فقد روي عنه قوله: «مَن قَرَأَ نَظَراً مِن غَيرِ صَوت، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَرفٍ حَسَنَةً، ومَحا عَنهُ سَيِّئَةً، ورَفَعَ لَهُ دَرَجَةً» [3] . وفي رواية أخرى يبين أجر وثواب من يستمع إلى تلاوة القرآن؛ إذ يقول: ﴿مَنِ استَمَعَ حَرفاً مِن كِتابِ اللَّهِ «عز وجل» مِن غَيرِ قِراءَةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً ومَحا عَنهُ سَيِّئَةً ورَفَعَ لَهُ دَرَجَةً﴾ [4] .
وكان الإمام زين العابدين يحث على ختم القرآن الكريم كاملاً، وخصوصاً في مكة المكرمة، فقد روي عنه: ﴿مَن خَتَمَ القُرآنَ بِمَكَّةَ لَم يَمُت حَتّى يَرى رَسولَ اللّهِ «صلّى اللّه عليه وآله»، ويَرى مَنزِلَهُ فِي الجَنَّةِ﴾ [5] .
وعن محمّد بن بشير: قالَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ: ﴿مَن خَتَمَهُ [القُرآنَ] كانَت لَهُ دَعوَةٌ مُستَجابَةٌ مُؤَخَّرَةٌ أو مُعَجَّلَةٌ﴾ قُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ! خَتَمَهُ كُلَّهُ؟ قالَ: ﴿خَتَمَهُ كُلَّهُ﴾ [6] .
وقد اشتهر الإمام زين العابدين بأنه من أحسن الناس صوتاً في قراءته للقرآن الكريم، فكان يتلوه حق تلاوته، ويجود صوته بقراءته، حتى أن من يمر على باب داره يقف حتى يستمع لتلاوته للقرآن الكريم.
وفي إشارة إلى هذه الحقيقة قال الإمام الصادق: ﴿كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ السَّقَّاؤُونَ يَمُرُّونَ، فَيَقِفُونَ بِبَابِهِ يَسْمَعُونَ[7] قِرَاءَتَهُ،﴾ [8] .
وعَنْ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: ﴿إِنَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ «عَلَيْهِمَا السَّلَام» كَانَ يَقْرَأُ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِهِ الْمَارُّ، فَصَعِقَ[9] مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ﴾ [10] .
وقد كان قرّاء القرآن الكريم يتحلقون حول الإمام زين العابدين لمعرفتهم بأنه سيد القرّاء وأفضلهم، وقال سعيد بن المسيب: إن قرّاء القرآن لم يذهبوا إلى الحج إلا إذا ذهب علي بن الحسين، ولم يخرج الناس من مكة حتى يخرج علي بن الحسين [11] .
وفي بعض الأسفار أنه بلغ عدد القراء - حسب بعض المصادر التاريخية -: ألف راكب[12] .
وهذا يدل على تأثر القرّاء - وغيرهم - بتلاوة الإمام زين العابدين للقرآن الكريم، فالتلاوة المرتلة والجميلة تترك تأثيرها القوي في النفوس.
وكان الإمام زين العابدين دائم التلاوة لكتاب الله تعالى، ويجد فيه لذة لا تعدلها أية لذة أخرى، فكان جليسُه الدائمُ الذي لا يفارقه هو القرآنَ الكريمَ حتى قال: ﴿لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَعِي﴾ [13] .